محاولة قتل الجامعة العمومية

idoumgharمحمد ادامعار//

         منذ أن أسندت إليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وأنا ابحث عن مبررات وجوده في هذا المنصب، الذي من المفروض أن يكون صاحبه أكاديميا من طراز عالي، أو سياسيا ذا باع طويل، له قدرة حقيقية على الإلمام بقضايا المعرفة العلمية وأسئلة البحث الأكاديمي.

 فخرجاته غير المحسوبة كلها تشير إلى أن أصدقائنا في الحزب الذي يرأس الحكومة قد أساءوا الاختيار، كما فعلوا في أكثر من موضع، إلا انه هنا كانت إساءة الاختيار خطا جسيما يقتضي المحاسبة الحقيقية، لأن الأمر يتعلق بمحاولة قتل الجامعة العمومية المغربية مع سبق الإصرار والترصد.

        أولى الكوارث التي أنتجها لسانه، الذي يبدو انه غير مرتبط بالدماغ، هي تلك الجملة” …اللي بغا بقري ولادو يدير يدو فجيبو…”، التي تؤشر للبرنامج الحقيقي له ولحزبه، و هو خوصصة العلم والمعرفة، و تخفيف العبء على دولة وجدت فيه وفي إخوانه المنفذين الآليين لكل ما خططته لنا دوائر الرأسمال العالمي منذ سنوات، والذي عجزت مختلف الحكومات السابقة عن تنفيذه، ولم تمتلك الجرأة للاقتراب منه.

  الآن يتم فتح الباب أمام جامعات “دولية” في إطار تحرير الخدمات و تسليع المعرفة وضبطها وفق منطق السوق، كما حددته منظمة التجارة العالمية. كما أن هناك تفكير في فرض رسوم على الطلبة الملتحقين بالجامعات المفتوحة، في إطار تقاسم الكلفة بين الدولة والأسر تحت مبرر التضامن المفترى عليه.

        الكارثة الثانية التي حملها هذا الدكتور، الذي لم ينتج طيلة حياته “العلمية” و”الأكاديمية” مقالا علميا واحدا في مجال تخصصه أي الاقتصاد او في أي مجال علمي اخر، هو هجومه المستمر على مجالات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية واستمراره في إهانة والتقليل من مجهودات الباحثين والمختصين في هذه الفروع الهامة للمعرفة الإنسانية، لأنها لا تساعد حسب منظوره البئيس في دعم مشروعهم القائم على تسليع المعرفة وجعلها في خدمة السوق وفق منطق العرض والطلب الرأسمالي.

      وبدون أن تعتلي حمرة الخجل وجنتيه وهو في رحاب جامعة ابن زهر باكادير، التي يديرها باقتدار كبير احد المبدعين القادمين من شعبة اللغة العربية ومن تخصص اللسانيات ،يتوجه إلى طلبة شعبة اللغة العربية بأنه من الأفضل لهم أن يدفنوا رؤوسهم، لأن لا مستقبل لما يدرسونه الأمر، الذي يعد إهانة للغة هي رسمية حسب الدستور، وبالمقابل لم نسمع عن أي مجهود أو مشروع لوزارته لتشجيع البحث العلمي للمساهمة في تنمية اللغة الامازيغية اللغة الرسمية الأخرى للبلد.

     وفي خطوة غير محسوبة دعا إلى فرض اللغة الانجليزية على طلبة سلك الدكتوراه، والتي يمكن اعتبارها مجرد رد فعل “هاو” على الهزيمة النكراء التي تلقاها رئيسه في الحزب والحكومة، بعد أن تم إقرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي، رغم المعارضة التي أبداها رئيس الحكومة من داخل البرلمان في الواقعة الشهيرة بينه وبين الوزير – الشيخ الذي يعبر عن الوجه الأخر لعملة أزمة التعليم في هذا البلد.

         إن هذه الخطوة تعبر عن المستوى الكارثي الذي وصل إليه تدبير قطاع استراتيجي هو الجامعة والبحث العلمي، وعن غياب أي رؤية مندمجة ومنسجمة لدى الحكومة.

فالسؤال المنطقي الذي يبدو واجبا طرحه هو كيف تخطط الحكومة لإعادة فرنسة المواد العلمية في سلك الثانوي وتفرض الانجليزية في سلك الدكتوراه ؟ الم يكن من الأفضل لو امتلكت الحكومة الجرأة الكافية وفرضت اللغة الانجليزية منذ الثانوي وخططت لفرض الانجليزية في الدكتوراه بعد 10 سنوات ؟

ولكن من أين لها الجرأة على مواجهة قوة اللوبي الفرانكفوني المتحكم في كثير من دواليب الاقتصاد والسياسة، فهي فقط تملك الجرأة على مزيد من المس بالمكتسبات القليلة لأبناء هذا الشعب الضعفاء والفقراء.

نحن أمام خطة واضحة عناوينها الرئيسية، تبخيس دور الجامعة العمومية، وتوفير مزيد من الشروط أمام الاستثمار الخصوصي في مجال التعليم، في أفق القضاء النهائي على الجامعة كمرفق عمومي.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد