ما زالت هناك أصوات مخنوقة تتجرع الألم، لم تستطع البوح بحقوقها، بالرغم من كثرة المطالبات الدولية لحماية حقوق تلك الفئة المستضعفة المضطهدة تحت شعار السلطة الذكورية، التي بطنتها عادات وتقاليد لم يأتِ الله بها من سلطان. لا تستطيع تلك الفئة البوح بها على القاضي؛ لأنه هو خصمها..
المعنَّفون في مجتمعنا من نساء وأطفال قضية شائكة بين إنكار حدوثها؛ لأننا مجتمع يختبئ خلف التحفظات الثقافية والدينية على المعاهدات الدولية التي تشجب هذا العنف؛ الأمر الذي يشجع أكثر على استمرارية مناخ من الحصانة الأخلاقية والقانونية، تجعل العنف وضحاياه في ازدياد، ومحجوبين عن الأنظار إلى حد كبير.
فتحت حجة التأديب يحق للزوج منع زوجته أو الأخ منع أخته من الخروج من المنزل “وأد من نوع آخر”، وتحت حجة فحولته التي لا تُكبت يحق له أن يضربها تحت ذريعة التأديب، فيهدر من إنسانيتها، ويفقدها حياتها إن شكّ بها، يشتم، يسب ويضرب ويهدر من كرامتها لتأديبها.. لكن إن أقدمت المرأة على تأديب زوجها أو أخيها فستُحاكَم كمجرمة يجرِّمها القانون، فلا يوجد هناك قانون يكفل للمرأة الحق في تأديب زوجها أو الأخ إذا نشزا، طالما يحافظ مجتمعنا بذكره وأنثاه على أقوال السلف “الرجال بالبيت رحمة لو كان فحمة”.
الدين الإسلامي كرَّم المرأة، وصان حقوقها، لكن القوانين والعادات والتقاليد طغت؛ فأصبحت سجناً ارتفعت أسواره، وليست إلا مظهراً يصف المرأة كمخلوق درجة ثانية، تختلف عن الرجل، وجردتها من الصفة البشريّة. فإسقاط هويتها الإنسانية لا يحتاج إلى استفتاء، بل من المعيب أن يكون هناك استفتاء حول حق مشروع لها، وإن كنا داعمين لحقوقها مناصرين لقضيتها الإنسانية، لكن يبدو أن شيئاً يكمن في الموروث الكامن في داخلنا من سلوك المجتمع.
نحن بحاجة إلى معالجة مشكلة العنف ضد المرأة من جذورها، من خلال تغير النساء اللاتي يمنحن الأعذار للرجل ليمارس العنف ضد أهل بيته تحت حجج ومبررات واهية، خاصة أن القصص التي تدور حول دور الإيواء لا تبشر بالخير.
تحت تلك الشعارات تُنتهك كرامة المرأة أو الأطفال، ولا أحد يحسب لهم حساباً، فالأغلب يعتقد أن المرأة مجرد عورة وفتنة وناقصة عقل، دون أن يفهم المعنى الصحيح للحديث، ولا يكترثون بأن الرب كرّم الإنسان، فلا يحق لأحد أن ينتهك كرامته تحت أي مسمى. فداخل المنازل تتلقى المرأة الشتائم، وبمجرد أن تقوم بعمل ما يلتفت الجميع لها، وإذا اكتشفوا أن عملها لا يتناسب مع تفكيرهم المتخلف يبدؤون بممارسة التعنيف بالشتم، وأحياناً يصل إلى الضرب. وللعنف أوجه كثيرة، منها النفسي (العاطفي) والجسدي والجنسي.. إلخ من أشكال العنف المختلفة. ويتأثر هذا العنف بدرجة تقدُّم التخلف بالسياق الاجتماعي الذي توجد فيه، فالعنف يزداد حيث تواجه المرأة أو الطفل مستويات معيشية متدنية، والعكس صحيح.
وبعد هذا يقولون المرأة في مجتمعنا مكرَّمة لا ينقصها شيء..؟؟
لو شعرتم بربع الذي تشعر به المرأة عندما تُنتهك كرامتها لكان موقفكم مع المرأة وليسَ ضدها لترويج أخلاق أو قيم أو دفاع عن حقوق هي فكرة جَدَلية في الماضي، وكانت مثل تلك الأفكار مرتبطة بممارسات قمعية ورؤى ضيقة، إلا أن القدرات الأخلاقية عندما يتم صياغتها وتوضيحها بطريقة تتوافق مع المُثل الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتهدف إلى تعزيز التنمية الروحانية والاجتماعية والفكرية لجميع الأشخاص، فإنها ستشكّل مجتمعاً خالياً من العنف.
في نهاية المطاف، فإن المرأة والطفل والعائلة ومحيط المجتمع يقعون جميعهم تحت حماية الدولة؛ لذلك تكون الحاجة لقوانين مسؤولة ومستنيرة أمراً له ضرورته القصوى، وعلى الحكومات عدم التخلي عن واجباتها الدولية في معاقبة ومنع العنف والاستغلال الممارَس ضد النساء والفتيات والأطفال، وتخصيص موارد كافية لتطبيق القوانين، ولكن يجب ألا تحددها الإصلاحات القانونية والمؤسسية؛ لأن الأخيرة تعالج الجريمة الظاهرة فقط وليس بمقدورها إحداث التغييرات الجذرية اللازمة لإيجاد ثقافة يسود فيها العدل والمساواة على القوة الجسدية والسلطة الفاشية القاسية.
يجب أن تتقدم الجهود الرامية للقضاء على وباء العنف ضد النساء والفتيات والأطفال، وتُدعم من قِبل مستويات المجتمع كافة، من الفرد إلى المجتمع الدولي، لإصلاح البعدين الداخلي والخارجي؛ فهما متبادلان؛ لا يصلح أحدهما دون الآخر.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.