ليبيا ..الإنتهازيون دعاة الديمقراطية

أزول بريس - محمد شنيب طرابلس يوليو 2021

إن الإيمان بالفكر الديمقراطي  وتطبيقه ومعايشته  لهو أهم بكثير من المفهوم الخاطئ الذي يحدده ويربطه بنتائج صناديق الاقتراع فقط  واعتبار هذه النتائج دليل على تطبيق الديمقراطية الحقة والالتزام بإتباعها.

الديمقراطية عرفها العالم بعد تجارب مضنية وطويلة في البحث عن السبيل إلى الوصول إلى فهمها ودخوله للحداثة تطبيقا لها في واقع العولمة…فتجربتنا في ليبيا والتي كانت محدودة ومربوطة بواقعنا الإجتماعي والسياسي المتخلف جدا عن ركب الديمقراطية والحداثة والعولمة في الكثير لما وصل إليه عالمنا اليوم وعلى اعتبار أننا لم ندق حتى باب الحداثة وننفض غبار  عقلية الماضي السحيق ، أقول تجربتنا هذه لم تكن لتكفي حتى تمكننا من وضع خطواتنا الأولى للبدء في هذا الطريق الشاق والطويل.

تجربتنا الأولى بعد القضاء على الديكتاتورية القذافية الغاشمة والتي أتت بانتخابات يوليو عام 2012 انتهت بسيطرة العقلية الجهوية القديمة وسيطرة فكر التيار الإسلامي العميل على البرلمان “المؤتمر الوطني العام”، هذا دفع ،ونتيجة لانعدام الخبرة السياسية إلى ظهور الإتجاه العسكري والذي إستفاد من بعض التيارات القبلية والجهوية  “وبالذات في شرق البلاد” وبقايا المنتميين إلى الديكتاتور القذافي، وبعد ارتباطه بقوى وبالذات عروبية وكذلك عالمية تطمح في استفادة من وضع ليبيا من الناحية الجغرافية المقابل لأوروبا وكذلك نفطها، أقول حاول هذا الإتجاه والمتمثل في شخص العقيد خليفة حفتر وأبنائه وعائلته وانتماءاتهم الجهوية “قبيلة الفرجان” مدعيآ مقاومته للإسلام السياسي هذا بالرغم من ارتباطه الوثيق وعلاقته مع التيار السلفي المسمى “تيار المداخلة” الوهابي من السعودية العربية، وتم التحالف بينه وبين من لا يزال  يدعي رئاسة البرلمان الليبي “عقيلة صالح”.

كان دائما هدف هذا العقيد “حفتر” هو السيطرة الكاملة على ليبيا  وإرجاع الديكتاتورية في أبشع أشكالها (الفردي والأسري والجهوي) ولم يكن ليتوانى لأي رأي لليبيين وطموحاتهم في السير نحو الديمقراطية وبتحالفه مع عروبي الخليج “دولة الإمارات” والدولة الوهابية العربية السعودية وكذلك دولة العسكر المصرية ، فكانت تسمية ميليشياته العسكرية ب”القوات المسلحة العربية”، وبكل وقاحة معلنا أن ليبيا أرض كبيرة وشعبها صغير فلماذا لا يحضر لها  عشرة مليون (حوالي ضعف العدد السكاني لليبيا) مصري ليعيشوا في ليبيا، متناسيا كليا الاختلافات الإجتماعية وما لها من آثار أثنية وعرقية واجتماعية  على المجتمع الليبي ،وبعد هذا بدأ في طريقه المدمر بتدمير المدن الليبية تحت غطاء ضرب الإرهاب ابتداء بمدينة بنغازي وبعدها مدينة  درنة في الشرق الليبي تم تجاهل كل المحاولات لإيقافه واتجه إلى العاصمة مدينة  طرابلس .

وبعد محاولاته الفاشلة بتأييد من روسيا وفرنسا ودعم من يسمي نفسه رئيس البرلمان الليبي “عقيلة صالح” والمعروف بارتباطه بلجان  القذافي(1) هذا الذي ذهب وألقى خطابا في البرلمان المصري طالبا منهم إرسال قواتهم  للدخول إلى ليبيا وبالأحرى المساعدة العلنية لميليشيات “حفتر” وهذا بعد أن أحضر “حفتر” مرتزقة من الڤاغنر الروسية والمعارضة التشادية الجنجاويد والسودانية.

ونتيجة لرفضه الجلوس لطاولة المفاوضات لإيجاد حل للفوضى التي وصلت إليها ليبيا، هو الذي دفع إلى التحالف واستجلاب  القوات التركية وزيادة الابتعاد عن إيجاد حل بالمفاوضات وجلوس الأطراف الليبية للوصول إلى حل .

بعد الهجوم المتعجرف “حفتر ومساندة عقيلة صالح” بما يسمى القوات المسلحة العربية على العاصمة طرابلس.، وارتباطاتهم العميلة مع عروبي الخليج  وعساكر مصر، الغريب أن اليوم نجد أن “حفتر” و”عقيلة صالح” كم يقول المثال الليبي “ظهروا زي الشعرة من العجينة” متلبسين البراءة ومتناسين ما قاموا به من قتل وتشريد وتدمير لليبيين ومتهمين الآن  حكومة الوحدة الوطنية بالفشل في تنفيذ ما كان يجب أن تقوم به، علمآ بأن “عقيلة صالح” والبرلمان لم يعتمد حتى الميزانية بعد  فترة أربعة أشهر  وإصراره على توزيع الوظائف السيادية على أساس جهوي قبلي بدلآ من الرجل المناسب في المكان المناسب .

وحفتر مازال مصرآ على أنه هو حاكم الشرق الليبي  ولا يعترف بسلطة حكومة الوحدة الوطنية  حتى اليوم…!!! فأي برلمان هذا الذي مازال يدعي رئاسته “عقيلة صالح” ؟ هل برلمان عام 2014  والذي انتهت صلاحيته في أكتوبر 2016 وتم تمديد هذه الصلاحية حتى أبريل 2017 …!!! وبالرغم من هذا تمكن هذا الأفاق بتسيير برلمان وبدون عقد أي جلسات واستخدام أسلوب الإرهاب والمافيا في إبقائه وفرض قبول الإعتراف به من المجتمع الدولي؟ لقد تم هذا ومازال تحت إسم الديمقراطية والبرلمان المنتخب وتحت العجرفة وتهديد حفتر ببدء الحرب ثانية والهجوم على العاصمة في حالة عدم انتخابه في الإنتخابات المقبلة وبالتحديد في ديسمبر المقبل.

وبغض النظر عن هذا كله فبالرجوع إلى عنوان الموضوع فإن الديمقراطية لا تتم فقط بنتائج انتخابات كانت في عام 2014  وانتخاب عضو من أعضاء هذا البرلمان آن ذاك رئيسآ له وليس رئيسآ مدى الحياة أي منذ مدة سبع سنوات خلت….!!!

إن الديمقراطية هي عقلية وتفهم وطريقة وأسلوب  حياة…الديمقراطية منظور ينطلق من مفهوم حداثي وعلماني بعيد كل البعد عن حب الحكم والسيطرة والانتهازية.

هذا يتطلب تعليم أجيال من الشعب الليبي بمفهوم التعددية لا الأحادية والجهوية التي توارثناها منذ قرون مضت وما زالت وللأسف طريقة التفكير الجهوية والقبيلة في عقول سواد الليبيين .

فالإنسان الليبي الذي عانى وعاش  منذ أيام المملكة على طريقة الإنتخابات  الجهوية التي تمت أثناء فترة الملك (في غياب الأحزاب والتنظيمات السياسية التي كانت ممنوعة) وطريقة ما نسميه  بالليبي (لعزومات والتهديد والرشاوي) وكذلك ماكانت تقوم به اللجان الهمجية للقذافي ب”التصعيد الجماهيري”  هي التي أدت  في فترة الإنتخابات في ربيع (2014) إلى النتائج التي أدت إلى وصول مجموعات  من الجهويين والانتهازيين لعضوية البرلمان والذين يسيطرون على البرلمان  ويدعون باسم الديمقراطية اليوم إنهم ممثلين لمصلحة الشعب الليبي برلمانيآ وأنهم حريصون على مصلحة ليبيا الوطن.

على هؤلاء فهم ماهي الديمقراطية وما هو الوطن وماهي المواطنة  وما هي المصالحة الوطنية والمصلحة الوطنية وبدون استثناء سواء كان هؤلاء  جهويين وقبليين وعسكريين وأنصار الإسلام السياسي والإخوان المسلمين وبقايا القذافي.

الديمقراطية لا تعطي الحق لا لهؤلاء ولا لزبانية وأبناء القذافي (2)العودة لحكم ليبيا وإلا لما كان هناك داعي لقيام  انتفاضة فبراير من عام 2011 وما سكب من دماء من شباب ليبيا الأحرار.

————————هوامش

(1)”عقيلة صالح” كان في صف القذافي أثناء انتفاضة 17 فبراير 2011 حيث ظهر من المنادين والمبايعين للقذافي في صيف 2011. ومن المعروف كان يلتقي بعض زبانية القذافي ويأخذهم بالحضن حتى بعد تغلب الانتفاضة على نظام القذافي عند دخولهم إلى مدينة  طبرق من أمثال “المجرم الطيب الصافي” بعد وصولهم من مصر عند الحدود الليبية الشرقية .

(2) ذكرت جريدة النيويورك تايمز الأمريكية في مقابلة لها مع نجل القذافي “سيف الإسلام” أنه يعد نفسه للدخول في الرئاسية القادمة في ليبيا مدعيآ أن نظام والده القذافي هو النظام الأمثل لليبيا وأن ما جاء في كتاب والده “الكتاب الأخضر” هو ما يُستدل به حتى في ديمقراطيات أوروبا…!!!!تمت هذه المقابلة في مدينة الزنتان (المفروض أنه مسجون بها) في ڤيلا فخمة حسب ما ادعته الجريدة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد