ليبيا الأسطورة والأحادية

تعيش شعوب منطقة الشمال الأفريقي والشرق أوسطي على أوهام الفكر الأسطوري والغيبي وتنتظر حدوث المعجزات التي ستأتي يوما ما بمعجزة تخلصها من مشاكلها المتفاقمة يوميآ وليأتي ذاك القائد الذي سينتصر لها ولماضيها الكاذب والذي لم يكن قط موجودآ..

تصورت هذا القائد في شخص صلاح الدين الكردي والذي يقال بأنه فلح في طرد الصليبيين من فلسطين  وهزيمته لشارل قلب الأسد الملك الإنغليزي، وكذلك رأيته حتى في شخص جمال عبد الناصر المصري الذي روج على مدى خمسينات وستينات القرن العشرين للفكر القومي العروبي وبشكل كلّف الشعب المصري موت اللألاف من  الشعب المصري في حروب لم يكن فيها للشعب المصري لا ناقة ولا جمل، كمايقول مثل عربي، سوى المحاولات الفاشلة لإظهار الديكتاتور جمال عبدالناصر بمظهر قائد “أمة العرب” ذاك الخيال الكاذب الذي كان يطرح الفكر الفاشي القومجي العروبي والذي أسقط المنطقة في هزائم (كحروبه مع دولة إسرائيل الصهيونية وكذلك حربه المفتعلة في دولة اليمن)أثرت وبالدرجة الأولى على الشعب المصري من جميع النواحي البشرية والإقتصادية والتي أدت أيضآ إلى خسارة أراضيه.

وفي ليبيا البلاد الشمال أفريقية المتوسطية سيطر الفكر القومجي العروبي ذو الجذور الإسلاماوية وبالذات بعد الحرب العالمية الثانية على فئات مختلفة من الليبين سواء كانوا عرب أو حتى أمازيغ وليصدقوا كذبة النظام الملكي بقيادة الملك محمد إدريس السنوسي الذي تمكن من الوصول إلى حكم ليبيا ويتنكر لكل المناضلين الليبين وليختزل نضال الليبين في شخص عمر المختار الذي كان فَقِيه يدرس القرآن في أحد الجوامع وقد قام بمقاومة الغزو الإيطالي في برقة تحت القيادة السنوسية التي حولت نضاله وقتله من قبل الطليان إلى أسطورة خرافية.

تنكر السنوسي لمناضلي ليبيا الذين أسسوا الجمهورية الطرابلسية الحداثية ونكران كل أبعادها التاريخية التي كان من الممكن أن تكون نواة  ونبراس حضاري حديث مضيئ في منطقة جنوب الحر الأبيض المتوسط وإحتمالية تطور دولة ليبيا  بمؤسساتها  الليبيةالحديثة تحت دستور مواكب للعصر ونظام سياسي بأحزابه ونقاباتة وليكون إعلان لدخول ليبيا مرحلة الحداثة .

لكن الفكر الأحادي المصبوغ بالطابع القومجي العروبي الذي تناسى بل حتى أنكر  جهود أبطال المقاومة في طرابلس الغرب ومجهوداتهم الجبارة التي تجسدت في إنشاء أول جمهورية في العالم الإسلامي آن ذاك وبداية الطريق نحو الحداثة وقام بالتركيز على إضفاء طابع البداوة والقبلية وأكثر من هذا هو تعميق الأحادية وذلك بإختزال النضال الليبي في شخصية واحدة هي شخص عمر المختار، بل قام بإلغاء وجود الأحزاب السياسية التي تتولى النضال السياسي وإعتبارها تنظيمات تمثل الخيانة وتهدد إستقرار ليبيا.

بعد إنتهاء النظام الملكي الذي حكم ليبيا إبتداء من ديسمبر 1951 حتى أطاح به نظام الديكتاتور الإرهابي القذافي في سبتمبر 1969 نجد الليبين اليوم لا يذكرون تاريخهم النضالي المجيد؛ فقد زادت حدة النظام الأحادي في حقبة القذافي وتعمق الفكر الهمجي متبنيآ فكرة الإختزال الشخصي في شخص عمر المختار بل قام القذافي بدفع الملايين لإظهار فيلم عمر المختار الذي قام بإخراجه مخرج هوليود السوري الأمريكي العقاد محاولا التركيز على “النضال البدوي” وإ براز الفكر القومجي العروبي والذي كان يقصد منه التركيز بطريقة إبراز الفكر الأحادي على شخصية معمر القذافي “القائد الملهم”. بل وصلت جرأة نظام القذافي بإعلاانه بداية “الثورة الثقافية” في أپريل عام 1973 التي قام فيها بأشنع طرق التخلف التي حدد فيها شعاراته المتخلفة ومن أبرزها:

-إيقاف العمل بجميع القوانين

-الحزبية إجهاض للديمقراطية وكل من تحزب خان

-رفض الفكر الإنساني وتسميته بالفكر المستورد

-حرق الكتب الثقافية أيآ كانت

-سجن  أصحاب الفكر المستورد أيآ كانت أفكارهم

هذه السمة المتأصلة في بلدان المنطقة التي لم تعرف ولم تتبنى فكر الوطن والمواطنة الحقة؛ بل تبنت وأصرت على تعميق الفكر البدوي القبلي الذي يؤمن بضرورة وجود دائم لشيخ القبيلة الذي تُؤتمر  برأيه ومشورته وعدم مخالفتها له في أي شيئ كان.وفضلت العيش بهذه السمة المتخلفة التي لا تتمشى مع طبيعة عصرنا الحالي. هذا الأمر أدى إلى إنفصام حاد في شخصية شعوبنا ولكنه إنفصام مدَرك ومعروف مع سابق الإصرار ومتجليآ في تصورات السادجة التي تعتمد الفكر والإتجاه الغيبي الذي يحاول الكثير تغطيته ببعض التصرفات “الفهلوية والكاذبة”…

فإبتداء بنظام الملك إدريس الذي تنكر للتاريخ ليبيا وإبعاده لفكرة الجمهورية بل إبعاده لفكرة الجمهورية التي كانت تعبر عن الخط والإتجاه الحداثي العصري علاوة على إبعاد الدور النضالي الذي قام به أبطالها وفي مقدمتهم سليمان پاشا الباروني الذي سجنه حكام ليبيا في العهد العثماني الثاني حتى قبل بدء الغزو الإيطالي كما يذكرنا التاريخ بمقاومته  الشرسة للغزو الإيطالي لسنوات عديدة إستمرت لسنوات عديدة مما إضطر السلطة الطليانية إلى إقصائه من ليبيا ليعيش في سلطنة ُعمان وأخيرآ ليموت في بلاد الهند؛هذا المناضل الذي لا يعرفه الكثير من الليبين  لا هو ولا غيره من المناضلين الذين كانوا معه كأمثال  رمضان السويحلي وأحمد المريض وعبدالنبي بالخير وخليفة بن عسكر وغيرهم من أبطال النضال الليبي بل ُقلص وإختزل كل نضال الليبين في الحركة السنوسية  وشخص عمر المختار.بل تم التنكر حتى لدعاة ليبيا والذين قدموا الغالي والرخيص في سبيل إستقلال ليبيا والذين نذكر منهم كمثال ولا للحصر المناضل محمد فرحات* ومحمد زارم والزعيم بشير السعداوي رئيس حزب المؤتمر** كذلك نجد أن نظام همجية القذافي كان يسير في نفس خط النظام الملكي المتنكر لماضي النضال الليبي وروحه العصرية والمتجلية في إعلان الجمهورية الطرابلسية في عام 1918.فلم يعترف القذافي إلا بإضفاء البداوة على النضال الليبي والتركيز فقط على شخص عمر المختار.

ومن المؤسف له أن نجد أن حتى قيادي السابع عشر من فبراير يقومون بنفس الدور ويلاحظ هذا في إبراز الأحادية العروبية وبالذات في المقابلات التي يقوم بها ممثل***ليبيا في الأوطان المتحدة”United Nations”.

كان كلا من النظام الملكي ونظام القذافي سجين المد القومي العروبي ونكران الهوية الليبية والتي يمكن تحديدها بواقعها الجغرافي الشمال أفريقي البحر المتوسطي.وكانت هناك محاولات من الحكومة الليبية بين عامي 1967 و1968 للتصدي لهذا المد القومجي العروبي غير أن المحاولة لم تمتد لفترة طويلة****.

جاء بعدها العسكر ليتبنوا الفكر القومي العروبي بهمجيته وفوضويته التي إستمرت إثنان وأربعون عام ليذوقوا الليبين فيها أسواء سبل طمس الشخصية الليبية وتهميش مكوناتها ونسيجها الإجتماعي المتنوع.

هذا الموضوع يطول ويحتاج إلى دراسة عميقة وكتتابة الكثير للتعرف على خلفيات التاريخ الليبي ومؤتراثه في بناء العقل الليبي اللذي وللأسف لم يتخلص بعد من الأفكار العروبية التي مازالت تعيش تحت تأثير الأساطير والخرافات المتبنية للفكر الأحادي والتي مازالت تعارض وتقف ضد التعددية. آن الأوان للتعرف على تاريخنا الليبي الحقيقي والنظر له بموضوعية مبنية على التعددية والحداثة.

محمد شنيب / ميلانو إيطاليا//

—————هوامش

*محمد فرحات كان من المناضلين الأوائل الذين وقفوا ضد الغزو الإيطالي وكان رفيقآ ل سليمان پاشا الباروني وكان أول ليبي تخرج محاميآ من جامعة السربون في پاريس

**قام الملك إدريس بالإتفاق مع البريطانيين على طرد المناضل بشير السعداوي ليلة إعلان إستقلال ليبيا 24.12.1951 وحرمانه من رؤية الإستقلال الذي وهب له كل حياته.أما محمد زارم فقد إلتجاء إلى تونس ليموت هناك في منفاه.

***يلاحظ قيام السيد الطاهر الّسني (بالرغم من مواقفه الجريئة والجيدة التي إنتقد فيها دولة الإمارات العربية وأحيانآ الدول الأخرى المساندة للعقيد حفتر في هجومه اللامبرر والشرس على مدينة طرابلس) في إظهار صورة عمر المختار خلفه بدلا من إبرازه صور  تنم على التراث والهوية الليبية، ولكأن عمر المختار هو كل ليبيا.

****يذكر هنا ما قام به رئيس الوزراء  الشاب “عبدالحميد البكوش”الذي تولى رئاسة الوزارة لفترة وجيزة قاربت من السنة مركزا على إبراز الشخصية الليبية والهوية الليبية في مواجهة التيار القومي العروبي .وقد قام نظام القذافي بسجنه.عاش في المغرب بعد خروجه من السجن وحاول القذافي قتله أثناء عيشه في مصر.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد