لمحات من تاريخنا المعاصر: التعريب الايديولوجي في المغرب.

بدأت بوادر التعريب الايديولوجي في المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي اي بعد أن قضى الاحتلال الفرنسي على المقاومة المسلحة للقبائل الأمازيغية، لتستغل النخبة المدينية في فاس وغيرها هذه الفرصة للعمل السياسي مستغلة ظهير ماي 1930 بطريقة ذكية وخبيثة للانطلاق في مشروعها السياسي. ابتدأ هذا العمل السياسي بتكتيك يرتكز على أمرين:

أولا، مهادنة الاحتلال الفرنسي بتهنئته اولا سنة 1934 بالقضاء على ما سمته هذه النخبة ب”تمرد القبائل”، والمطالبة بالاصلاحات السياسية؛

وثانيا، البدء في تعريب المغرب معتمدة على معارضة الظهير الذي سمته بخبث “الظهير البربري” لشيطنة الأمازيغ ليسهل عليها تعريبهم، ولقيت هذه الحملة الأخيرة ترحيبا ودعما واسعا من المشارقة(زيارة شكيب ارسلان لطنجة).

لكن لم يبدأ التعريب الايديولوجي والثقافي في الانطلاق بأقصى سرعة لربح الوقت ولاستغلال هيمنة الحركة الوطنية على دواليب الدولة المغربية الحديثة إلا بعد الاستقلال، حيث سيفصح عتاة التعريب عن استراتيجيتهم : الحركة الوطنية بشقها المحافظة ويمثلها هنا علال الفاسي، وشقها اليساري ويمثله هنا محمد عابد الجابري.

لنأخذ الشق المحافظ، فقد كتب علال الفاسي مقالا يتحسر فيه على أجداده (وينسبهم إلى العرب القادمين من الشرق) الذين آثروا الغنائم والاموال أثناء غزوهم للمغرب على نشر العربية، فلو نشروها – كما تمنى- لتعرب البربر وانقرضت الامازيغية التي هي مشكل عويص على العروبة وعقبة كأداة أمام التعريب .

ورد هذا في ما كتبه علال الفاسي في مقال له بعنوان “فعالية اللغة العربية” نشره في مجلة اللسان العربي عدد 3 يونيو1965: “قضية العربية في المغرب قضية مزمنة والحق يقال، فهي ليست بنت اليوم ولا ناشئة فقط عن أثر الاستعمار في وطننا، ولكنها في أصلها ناشئة عن تقصير أجدادنا العرب في إكمال مهمة التعريب في المغرب…”

وحينما حل عهد الاستقلال شعر المخلصون من أبناء الوطن بضرورة تقوية الكيان الوطني، وتدعيم الوجود الذاتي الحر، وكان اول ما فكروا فيه مسألة اللغة التي برزت في شكل الحاجة إلى المغربية وإلى التعريب” ص8.

وتابع في نفس المقال: “إنني اوجه قبل كل شيء اللوم لأجدادنا من رجال العرب الذين حملوا رسالة الإسلام والعربية لهذا الوطن ، فإنهم عوضا عن أن ينكبوا على العمل لاستكمال مهمتهم التاريخية المقدسة، شغلوا أنفسهم بالتطاحن على الغنائم وعلى مقالد الحكم، وخلفوا في وطننا مشاكل اجتماعية لا يمكننا ان نتجاهل مصدرها إذا كنا نبحث عن الداء ونلتمس الدواء” ص 9.

لم يطرح مشكل الأمازيغية في المغرب إلا بعد الاستقلال حين قامت الحركة الوطنية بشقيها المحافظ واليساري موظفة كل الوسائل المتاحة لتعريب المغرب ولاستئصاله هويته وثقافته الأصلية أي استئصال اللغة الأمازيغية مستغلة وموظفة في ذلك كل وسائل الدولة الرسمية وغي الرسمية بتوجيهها إلى تحقيق هذه الغاية، تؤازرها في ذلك بعض الحكومات والدول القومية العربية في مصر والشرق الاوسط.

ولكن هل تستطيع أية قوة ما اقتلاع شعب من جذوره وهويته وثقافته؟ نعم تستطيع إذا كانت المناعة الهوياتية للشعب ضعيفة.

فماذا لو نجحت مشاريع الحركة الوطنية السياسية (الحزب الوحيد على غرار الأحزاب القومية في الشرق) والثقافية (التعريب الايديولوحي) لا قدر الله؟

الجواب هو في ما نراه اليوم في الدول التي طبقت هذه المشاريع (سوريا، العراق، ليبيا…).

الحسن زهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد