لماذا تحارب الأمازيغية من قبل أصحاب الخلافة الاسلامية؟

rinas-bouhamdi

ريناس بوحمدي

هذا المقال سبق أن نشرته عدة مواقخ منذ أربع سنوات مضت، تحت عنوان الفرصة التاريخية للانعتاق، والذي أجده راهنيا أعيد نشره تحت العنوان أعلاه لعلنا ندرك إلى أين بنا سائرين هؤلاء الدجالين لعلنا نتعظ,

قراءة ممتعة

ثمّة إنكار لذواتنا وتاريخنا ننتصر له بعقلية المؤامرة، وما لم نعترف أن المغرب أخطأ الموعد مع التاريخ في بداية الاستقلال حين اتجه جهة المشرق باحثا عن عمق دهني لا واقعي ، سنبقى ندور بحلقة مفرغة من العنف والثأر، تطحن البشر قبل الحجر. فعن أيّ مغرب الحداثة نتحدّث ونحن لم نخرج من حجر العقل الطّويل. في مغربنا تدور حروبٌ ظالمة، نصرة النّهب تحت يافطة محاربة الفساد، نغفر بها لمن زور تاريخنا وسرقنا، فما أحوجنا اليوم إلى رباطة جأش لإعادة قراءة تاريخنا من أجل الانطلاق نحو المستقبل لتجد الديمقراطية مكانا لها في الرأس قبل الصندوق.

أليس ترسيم الامازيغية والاعتراف الدستوري خطوة للقطيعة مع خطاب الانتظار انتظار كودو؟

أعتقد أنّ ترسيم الامازيغية سيكون له الكثير من الفضائل الفلسفيّة التي نفتقدها في الثقافة الناطقة بالعربية، وأولها فضيلة التسآل وإعادة النّظر في كلّ الأجوبة واليقينيات الجاهزة التي يعجّ بها الوعي المغربيّ المعاصر، وهو ما يمكن تسميته بالفكر السؤول يعاود التسآل في كل “الحقائق” الجاهزة والمفاهيم التي تلوكها المدرسة والمثقفين إلى جانب الأجهزة الأيديولوجية للدولة المغربيّة منذ نصف قرن، حيث أنّنا نأخذ هذه المفاهيم والظواهر بوصفها “حقائق” مطلقة لا يطالها شكّ، ولهذا مع ترسيم الامازيغية ستطرح الأسئلة بشكل جذري ووجيه. ولعل أول هده الأسئلة سؤال الحضارة والانتماء بحيث لا يخلو خطاب بالإشادة بما ينعتونه (الحضارة العربية الإسلامية) وما أنجزته هذه الحضارة؛ وبما أن الامازيغية خبرت كل الأديان التوحيدية وتفاعلت مع مختلف شعوب المنطقة لتعي تمام الوعي أن الحضارة ليست منجزا دينيا أو عرقيا إنما هي منجز إنساني ساهمت فيه البشرية بدون تمييز ديني أو عرقي فالمتأمل للهيكلة العمرانية للقبيلة الامازيغية لا تخطئ عينه تموقع أماكن العبادة سواء الإسلامية منها أو اليهودية على هامش التجمع السكاني وبربط هذا باستئجار الفقيه كأجير لدى القبيلة و مع الفلسفة التشريعية للقوانين الامازيغية ومبدأ التداول على السلطة وفصلها؛لسوف يستشف منكل هذا المفهوم الامازيغي للحضارة والانتماء المخالف تماما للحساسية العربواسلامية إزاء تمركز الفكر الغربي “حول تاريخ الغرب” والذي أدى بالفكر أن يتحول إلى ردة فعل عاطفية و ارتكاسية إلى الهوية الميتافيزيقية أو ما ذهب إليه عابد الجابري في “تكوين العقل العربي” من أطروحة عجيبة تستند على ثلاثية الذهن الكسول (اليمين-اليسار-الوسط/التزمت-التطرف-الاعتدال) تحت مسميات العقل البياني والعقل ألبرهاني و العقل ألعرفاني وهي مسميات لشيء واحد وهو “الذاكرة الجامدة” التي تتكئ على الماضي ومن ذلك الماضي أسوأ ما فيه، غيبياته وآراء المشعوذين وفتاوى العاجزين فضلا عن بعض أبيات الشعر في الفخر أو الهجاء؛ ونصوص هي لزوم ما لا يلزم؛وكل هذا فقط لإثبات للعالم أن العرب والمسلمين “شيء أخر” وبشر مغاير لا تسري عليهم مقولات الفهم الإنساني كما حددها كانط أو هوسيرل على سبيل المثال.

الفضيلة الثانية التي تتيحها الامازيغية من حيث هي لغة غير مرتبطة بنص مقدس يكبلها- كما العربية التي هي لا تاريخية حنطت و جمدت نهائيا َ منذ عصر التدوين- هي جعل مثقفيها يعيشون لأفكارهم وفلسفتهم على عكس المثقفين العرب الذين يمارسون التقية اتجاه المجتمع فيقعون في انفصام مزمن، وهي مشكلة عميقة الجذور تعود إلى “طبيعة اللغة العربيّة” فهي بالإضافة إلى لا-تاريخيتها فهي تعلو فوق التاريخ محصورة الكلمات مضبوطة التحولات ولا يمكن أن تستجيب لمتطلبات التطور الزمني لأن الخلل يعود إلى الإطار المرجعي للتدوين ثم الفصل بين اللغة والفكر في جميع تخصصات اللغة وعلومها سواء في مجال النحو أو في مجال الفقه حيث طغى الملفوظ القرأني على مقاصد الشريعة مما حتم انغلاق باب الاجتهاد والسقوط في إشكالية التعليل؛ وهو ما أدى كذلك في مجال علم الكلام إلى اقتصاره على ثلاث مسائل مسألة خلق القرآن مسألة التأويل ومسألة الإعجاز البياني ثم ما يعاد اجتراره حديثا تحت يافطة ” الإعجاز العلمي”؛ لنصل إلى مجال البلاغة حيث الدخول في إشكالية اللفظ والمعنى كان اشد وأقوى لتقيد البلاغيين بالمواضعة اللغوية السلفية تحديدا واعتبارها سلطة مرجعية أعلى مما جعل للفظ (المحسنات البديعية) سلطة لا تعلو عليه سلطة أخرى وخطورة هدا التوجه البلاغي تتجلى في تعويض الفراغ وإخفاء التناقض على صعيد المعنى والفكر من خلال الإيقاع الموسيقي المصاحب للخطاب المسجوع الذي يوجه السامع إلى نظام الكلمات وتلهيه بل تصرفه عن نظام الأفكار وتشل الرقابة العقلية مما يتيح للمعنى إن كان ثمة معنى الانسياب إلى اللاوعي فيتم قبوله دون نقاش ومن ثم سلطة الخطاب التي يتستر بها خطاب السلطة دينية كانت أو سياسية وبالتالي فالخطاب في اللغة العربية يعطل الرقابة العقلية لدى السامع والمتكلم و الإيقاع الموسيقي المكثف الذي يرافق المحسنات البديعية يغطي على فقر المعنى و يخفي التناقض في الأفكار وهنا تحديدا الوظيفة التخديرية للغة العربية وما النفاق الاجتماعي المتفشي في أوساط المجتمع المغربي بالخصوص لدى الشريحة المتعلمة إلا احد تمظهرات هذا التخدير.

فاللغة أوجدت للإنسان نظاماً يُمكِّنه من الإدراك ومُقاربة العوالم المُتباعدة. وهذا النظام هو الذي مكن الإنسان والجماعات البشرية من الاتفاق على الرموز وربط العلامات بمدلولاتها ثمَّ إعادة تفكيك ذلك كله إذا ما دعت الحاجة إلى تغيير ماهية الحقائق وإجراء تحويرات عليها. وهنا يكمنُ فعلُ اللغة؛ في القدرة على الإبانة والكشف والحجب، إضافة إلى قدرتها على ابتكار الرموز وتحويلها؛ فهي تحوِّلُ المحسوسات إلى مدركاتٍ، وتحوِّلُ المُدركات إلى محسوسات؛ وهذا ما تفتقد إليه اللغة العربية لا لقصور ذاتي فيها ولكن لخضوعها إبان عصر التدوين لتطوير قسري غير طبيعي فرضه الفقر المعجمي الذي تعانيه فما كان للخليل بن أحمد الفراهدي غير وضع قوالب افتراضية فوزع عليها النطق العربي متعاملا مع الحروف الثمانية والعشرين كمجموعة أصلية واستقى منها كل المجموعات الفرعية الكامنة فيها و التي تشمل على عنصرين إلى خمسة عناصر مستنفذا كل التراكيب الممكنة فقام بعملية الاشتقاق الصناعي التوليدي ( مثلا: شك، أشك، شاك، كاش، شكا…. ) إلى أن تم له استخراج جمع الألفاظ التي يمكن أن تتركب من الحروف الهجائية العربية من حرفين إلى خمسة حروف فبلغت الألفاظ التي جمعها حسب ما ينقله بعض المؤرخين ما يناهز خمسة ملايين لفظ أو مجموعة حروف. ولعل إدراك ومقاربة المثقف العربي للعديد من المفاهيم يتجاذبه ملفوظ المفهوم الذي هو بنية داخل عائلة من البنيات اللفظية (عقل عقال معقل اعتقال ….) بما هو تفكير داخلي و المعنى الذي غالبا ما يكون تصورات هجينة وذالك لسبب فيزيولوجي يتجلى في أن الجزء الأيمن من الدماغ البشري المسئول عن حل الوظائف والمهام التجريدية ومعالجة المعلومات المقولبة والقادر على إدراك وفهم الاستعارة والمجاز لا يشتغل بتاتا عند القراءة بالعربية لعدم التعود عليه منذ بداية التعلم إذ أن الشق الأيمن من دماغ المتعلم لا يتفاعل مع الكتابة بالحروف العربية لتعقيدها إضافة أن بعضها تبدو كغيرها تماما،لكنها تختلف في طريقة اللفظ،وبالتالي يتغير المعنى وما يزيد غموضا وإرباكا في ذهن المتلقي وهذا أخر ما توصلت إليه سلسلة دراسات أجرتها كلية علم النفس بجامعة حيفا ومركز ادموند سافرا لأبحاث الدماغ حول تعلم اللغة العربية وبسبب كونها من أصعب اللغات( إذ أن المدة المتوسطة لتعلم لغة ما كتابتا ونطقا هو 800 ساعة بينما العربية لا تقل مدة تعلمها (2200 ساعة) عن ضعف مدة تعلم اللغة الصينية المصنفة في المرتبة الثانية بعد العربية من حيث الصعوبة)؛ هذا يعني أن الأطفال الذين يكتسبون لغات أخرى غير العربية يستخدمون شقي الدماغ الأيمن والأيسر في مرحلة التعلم الأولى للقراءة، في حين أن الأطفال الذين يتعلمون قراءة اللغة العربية لا يحتاجون إلى مشاركة الجانب الأيمن من الدماغ. ومن هنا يمكن فهم تمثلات مفهوم الحرية مثلا في الذهنية العربية بحيث الحر هو من استطاع حماية نفسه من عنف الآخرين تماما كما الحر (من الحرارة) الغير المسيطر عليها (ه) أو الحرة (الأرض ذات الحجارة السود ) التي يتجنبها الإنسان؛وليس الحر من يمارس حرية التفكير والإبداع والتعبير بالذات وعن الذات الخلاقة وبالتالي الذهنية العربية لا تفهم الحرية بمعناها الفلسفي، أي القدرة على التفكير والمسلك الخلاق الجديد، إنما نفهمها كوضع اجتماعي مقرون بالحصانة المادية والعنف اتجاه الأخر. وقس على هدا المنوال مفهوم العقل مع رزنامة عائلته من البنيات اللفظية لفهم أن العقل العربي منذ بداية تشكله وحتى الآن يفرز تفكيراً جامداً ويؤكد وعياً سلبياً. لا نحتاج أن نؤكده بالدلائل، فما حدث منذ بداية القرن الذي مضى وما جرى من وقائع وأحداث يثبت ذلك بل ويؤكده. فهو عقل لا يعرف ما يريد وعاجز عن تحديد ما يريده وهو غيبي حين يتحدث عن أهدافه، مفرداته مبهمة وقدراته منهكة، يقبل حين يجب أن يرفض والعكس صحيح.لربما يحاججنا البعض بالحضارة “العربية الإسلامية” فان كان المقصود تلك المجموعة من العلماء التي ظهرت ما بين القرنين الثاني والرابع الهجري فلم يكن بينهم أي عربي غير الكندي وهو فيلسوف متواضع جدا إذا قيس بغيره،وفوق كل هذا ما الذي يمنعنا أن نساءل أنفسنا لمادا لم تظهر هده الطفرة زمن الأمويين حيث العنصر العربي النقي هو السائد، وظهرت في عهد وسم بالشعوبية حيث البلاط العباسي تديره ثقافات غير عربية من فارسية ورومية وقبطية وأمازيغية….الخ؟ بله لما لم تظهر بظهور الإسلام إن كان الدين أي دين يصنع الحضارة؟ وأخرا ليس أخيرا لما اختفت ولم تترك خلفا ؟ أما إذا كان محاججنا يقصد الجانب المادي كالمعمار والعمران والري ,فالعرب عديمي المعرفة بالأنهار لإنشاء السدود وابتكار هندسة للسقي،ولم يكن لهم أدنى معرفة بالمعمار لأنهم ببساطة أهل خيام متنقلين اقتصادهم يتأسس على الغنيمة والسري والسبي. لو كان للإسلام حضارة تنشئ معماراً ما جعل الإزار عازلا بين مرقد عائشة ومسجده ,وما وقف النبي يخطب في مسجده فوق جذع نخله ،ثم لو كان للإسلام حضارة تنشئ معماراً لما اختلفت مساجد المغرب عن مساجد العراق والحجاز وأفغانستان شكلا وهندسة, بله لكان المركز الجغرافي للإسلام الذي هو جزيرة العرب هو النموذج المثالي للحضارات العظمى, لخرجت شعوب الغرب وأمريكا واليابان اليوم تطالب بالشورى بدل الديمقراطية,لوفر العالم الغربي كل هدا الجهد والمال في الأبحاث الطبية واكتفى بالحبة السوداء دواء لكل داء إلا الموت.و أوجد تقنية تعليب بول الناقة لتصل المريض في أقصى ألاسكا وأعد الترجمات للطب النبوي إلى لغات العالم….الخ .

الفضيلة الثالثة التي نتعلّمها مع ترسيم الامازيغية هي فضيلة التّفكير مع الفلاسفة والمفكّرين؛ في قراءتنا لنصوصهم ، بدل إعادة إنتاج أطروحاتهم ومقارباتهم للأشياء و ذلك لخاصية تتميز بها الحركة الامازيغية وهي متابعة نشأة الحداثة الأوربيّة وصيرورتها متابعة فلسفية ، وخاصة التساؤل حول الدلالات التاريخيّة للكوجيتو من خلال (هويتي- وجودي) ما يعنى أوّلا بروز الذاتيّة بوصفها التجلّي الحرّ للفرديّة والحرّية وبالتّالي المسؤوليّة،ثم المساءلة عن ماهية “الفكر باعتبار اللغة مسكن الكينونة” ؛فالأولى أي الحريّة في اختيار قناعاتنا وأفكارنا، وأذواقنا، وتحمّل مسؤوليّة أفعالنا وهو المؤسس لخطاب الحركة الثقافية الامازيغية كمسألة حقوقيّة وسياسيّة مهمّة, أما الخاصية الثانية فتتجلى من خلال تراكم أدبي باللغة الامازيغية بكل تعابيرها حيث تأخذ بيد القارئ إلى دروب التّفكير والشّك تدربه على اجتياز الصدمة بعد التحرر من يقينيا ته الجاهزة وكسله العقائدي المزمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد