اسمه الرسمي هو “حميد شريت” ازداد سنة 1949 بمنطقة جرجورة بالقبايل نواحي تيزي وزو. مساره الفني غامض، مليء بالصدف والمفاجئات والصمت. لكنه حافل بالمنجزات والنجاحات الباهرة، بل بالمعجزات. درس الجيولوجيا واشتغل في حقول النفط بالصحراء. وتعلم الموسيقى منذ حلوله بالمدرسة الابتدائية بتشجيع من استاذ العلوم الطبيعية. والده كان راعيا للغنم في سفوح القمم، والدته كانت شاعرة، وجدته ايضا. وكان ادير الطفل يحضر في جلسات نساء القرية يأتين إلى منزله، ليستمعن إلى اشعار جدته وأمه.
بالصدفة، لم يحضر فنانا إلى الإذاعة لتسجيل أغنية للأطفال، في سنة 1973، وتقدم الشاب إدير لتعويضه وسجل أغنية، وسمعتها أمه ولم تعرف أن ابنها هو الذي أنشدها، وكانت هذه الصدفة هي باب التاريخ الذي ولجه ادير الشاب. ذهب الى الخدمة العسكرية، وعاد وسجل أغنية افافا اينوفا سنة 1976. ثم تلاه بالبوم آخر سنة 1979.
وغاب عن الساحة الفنية طيلة عقد الثمانينات، وظهر في فرنسا في بداية التسعينيات، بنضج فني وابداع متدفق، وبدأ طريقه بثبات، كما ظهر مع الشاب خالد في سنة 1996 في أغنية مشتركة بينهما اثناء حفل انساني.
انفجر الابداع والموسيقى في دواخل ادير كبركان فني جارف، مباشرة بعد اغتيال الشهيد الفنان الأسطورة الامازيغي “معتوب لوناس” ابن بلدته القبايل، سنة 1998، واتضح أن موت لونيس كانت بمثابة ولادة جديدة لادير حيث شارك في أمسية فنية تكريمية لروح الشهيد معتوب بفرنسا، وبعدها في 1999 قام باعادة تسجيل وتوزيع أغنيته الخالدة أفافا إينوفا، بمشاركة عازفين وموزعين موسيقين مرموقين وماهرين دوليا، حينها اشتهرت الأغنية بسيط عالمي، وانتشرت بشكل منقطع النظير، وكادت أن تكون الأغنية الاكثر ترويجا في العالم آنذاك، حيث ترجمت إلى عدد كبير من اللغات.
بعد اغتيال لونيس، كرس إدير ابداعه للدفاع عن الحرية والسلام والهوية الأمازيغية. واخترق صيته كل آفاق العالم، وتجسدت عبقريته في تفوقه ونجاحه الباهر في انتشال الثقافة الأمازيغية من المحلية، من قريته الصغيرة في جبال مهمشة بالجزائر، إلى ثقافة عالمية، عبر ايقاعات موسيقية متجانسة، فاغنية افافا اينوفا هي مستوحاة من أسطورة تقليدية عاشت قرونا من الزمان وتتداولها الألسن في منطقة القبائل المحدودة والمنعزلة جغرافيا، استطاع إدير أن يجعلها أغنية وكلمات يترددها ملايين الناس من جنسيات وقوميات مختلفة…هذه هي العالمية. سألوه يوما لماذا انت قليل الانتاج؟ أجاب: “أنا لا افضل الكتابة عن أشياء لم أعشها.”
إدير كان يشتغل بهدوء، وفي صمت، وبدون ضجيج، له أسلوبه الخاص، له موهبة فطرية، وابداع خالص، لا يتهافت على وسائل الإعلام، بالرغم من أنه يقطن بمدينة باريس، ويطوف كل بقاع العالم، لكنه يفضل الحديث بالابداع الذي يبهر به الجميع، ويدافع عن هويته الأمازيغية بلغة الموسيقى التي يفهمها كل سكان المعمور…غنى مع فنانون عالميون كبار مثل أزناڤور وآخرون، وتألق معهم بأمازبغيته الجميلة، هكذا كان ير ى الثقافة كعابرة للحدود وكمعبر للسلم والتعايش، وكتعبير عن الهوية والذات. إنه في الحقيقة عبقري وفنان ملتزم، قدم الشيء الكثير للحضارة الأمازيغية. كما كرس فنه ليكون شعار الدفاع عن قضايا إنسانية وبيئية.
وتجب الإشارة إلى أن الفنان، إختار اسما او لقبا فنيا، مميزا في غاية الدقة والمعنى، إسم ادير Idir، مصدره تودرت، الذي يعني الحي، هو من بين الاسماء الأمازيغية الجميلة، ذات الدلالات العميقة والخصبة، فهو اسم مرتبط بالحياة، وهو اسم ذكر واسم علم يطلق ايضا على المجموعات البشرية، أو القبيلة، مثلا آيت ادير هي قبائل وعروش كثيرة تنتشر في عدة أماكن بالمغرب، واعرف منها آيت إدير بضواحي تنغير، وايت ادير بأشتوكن منطقة ايت مزال، ثم آيت ادير بايحاحان، دون أن أنسى قبيلة عظيمة ضمن قبائل صنهاجة الصحراء، كانت تسمى آيت ادير، وعربت حاليا في موريتانيا وتسمى “إيداوعيش”، واختيار هذا اللقب الفني كان بتبصر وبذكاء خارق، وهذا لا يخفى على شخصية إدير التي تشبعت بالثقافة الأمازيغية التي ترعرع فيها. وهذا اللقب كان بمثابة رهان حقيقي بالنسبة لفنان ملتزم، وضع على عاتقه، ايصال الأمازيغية الى العالمية، وانتشالها من الموت إلى الحياة، عن طريق ݣيتارة وألحان وايقاعات…كذلك لقب إدير ساهم في تشجيع العديد من الأسر الأمازيغية المناضلة في الجزائر والمغرب وبلدان المهجر، أن يسموا أولادهم باسم إدير، حيث كان شبه منقرض خاصة بالمغرب، حيث تتهافت الأسر على الاسماء العربية وتحتقر الاسماء الأمازيغية بسبب التعريب الذي يشجع على احتقار الذات، ويكرس الهيمنة الثقافية…
هكذا، كان الفنان ادير طيلة حياته، مساهما في نهضة امازيغية معاصرة، يهدم الاساطير والاكاذيب بطريقته الفنية الهادئة، ويكسر الحدود الوهمية بين شعوب شمال افريقيا، وكان رحمه الله دائم الحضور في كل المهرجانات واللقاءات الثقافية التي يدعى إليها بالمغرب، في عدة مدن، من الشمال الى الجنوب، ويتلقى ترحيبا لائقا وتكون سهراته بمثابة عرس نضالي، يحج اليها مناضلي الحركة الامازيغية من كل البقاع، خاصة في مدينة أكادير والرباط وطنجة وتافراوت، ويتم رفع الاعلام الأمازيغية بكثرة من اوساط الجمهور، ويكون هو سعيدا بذلك، حيث كان يرى من أعلى المنصة كيف تردد الآلاف الحناجر اغانيه وكلماته، ويتأكد ان عمله وابداعه يعطي الثمار التي زرعها، بانامله الساحرة وهي تعزف على الݣيتارة الذهبية…إن بلدان شمال افريقيا حين تنشد بالأمازيغية فهي تخاطب الأحاسيس والمشاعر المفعمة بالسعادة والحب والوحدة والحس المشترك والسلم والهناء…أما حين تتحدث بلغة أخرى فإنها تخاطب سوء العلاقات بين الدول، والحدود المغلقة والسياجات، والكيانات الوهمية…
ايدير، انك أيقونة، أسطورة وعبقرية امازيغية، إنك حي بيننا، وروحك سيبقى خالدا…
الرباط، 3 ماي 2020.
عبدالله بوشطارت…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.