أعمدة الثقافة الأمازيغية في النصف الثاني من القرن العشرين يرحلون…

الحسين بويعقوبي//

كان النصف الثاني من القرن العشرين مرحلة حاسمة في التاريخ الطويل للثقافة الأمازيغية التي صمدت لأكثر من ثلاثة وثلاثين قرنا رغم غلبة طابعها الشفوي ومجاورتها للغات ذات تقاليد عريقة في الكتابة (اللاتينية،العربية، الفرنسية…). وترجع أهمية هذه المرحلة إلى التغيرات الكبرى والجذرية التي عرفتها “بلاد الأمازيغ” جراء 132 سنة من الاستعمارات الايطالية والفرنسية والاسبانية، وتأثيراتها على البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحاضنة للثقافة الأمازيغية وخاصة داخل جبال الأطلس ودجورجورا وصحاري الطوارق والمناطق النائية، التي أخرجها الاستعمار من عزلتها وأدخلها في العولمة والسوق الدولية. ولئن كانت هذه الفترة قد تركت تدوينا مهما لجزء من الثقافة الأمازيغية وتراكما معرفيا مهما في مجالات مختلفة، رغم السياقات والأهداف المؤطرة لهذه الكتابات، فإنها وبفعل الاختيارات السياسية والإيديولوجية للدول المستعمرة وضعت أسس إقصاء الأمازيغية بعد استقلال دول هذه المنطقة التي سارت على نهج الإقصاء وعدم توفير أي شروط لنماء وتطور هذه اللغة طيلة النصف الثاني من القرن العشرين.
لم يكن هذا الوضع ليمر دون رد فعل وعلى مستويات عدة من طرف حاملي هذه اللغة والثقافة، سواء داخل بلدانهم بشمال إفريقيا أو في فرنسا التي هجروا إليها (بضم الهاء) منذ فترة الاستعمار ثم هاجروا إليها في سنوات الاستقلال. لقد اتخذ رد الفعل هذا أوجها مختلفة بدءا بالإصرار على الحفاظ على اللغة شفويا داخل البيوت، متحدين بذلك إقصاءها في المدارس، ثم الإبداع الفني الغنائي والأدبي، الذي كان أداة لنشر الوعي الهوياتي، فظهور جمعيات ثقافية تأسست لهذا الغرض ثم باحثين أكاديميين أمازيغ وأجانب وفاعلين سياسيين…
لقد حمل سليمان عزم (1918-1983) هم المهاجرين القبائليين في فرنسا قبل ظهور ايدير(1949-2020) ومعطوب لوناس (1956-1998) ليطرحوا موضوع الأمازيغية، وحمل الحاج محمد ألبنسير(1937-1989) وعموري امبارك (1951-2015) وعبد العزيز الشامخ (1951-2014) ومحمد رويشة (1950-2012) ولحسن بوفرتل(1952-2011 هم وضعية هذه الثقافة بالمغرب، ثم ظهر باحثون أكاديميون أسسوا لخطاب علمي حول الأمازيغية وعلى رأسهم مولود معمري (1917-1989) بالجزائر وقاضي قدور ( 1952- 1995 ) وبوجمعة الهباز ( 1943- 1981 )علي صدقي أزايكو (1942-2004) ومحمد المنور ( توفي 2018 ) بالمغرب وكتاب جمعوا بين الكتابة والعمل الجمعوي كموحند أعراب بيساود (1924-2002) وابراهيم أخياط (1941-2018) ومحمد مونيب (1934-2017) وموح أبحري وعبد المالك أوسادن (توفي 2014) ومحمد شاشا (توفي 2016) ومحمد خيرالدين (1941-1995) وآخرون…
لقد وافت المنية كل الأسماء التي ذكرتها مع الاعتذار لمن نسيت ذكره، إما أواخر القرن الماضي أو في بداية القرن الحالي. وخلال هذه الأيام فقدت الثقافة الأمازيغية مهتمين كبيرين بالثقافة الأمازيغية، الباحث الفرنسي كلود لوفيبير والفنان الجزائري ايدير اللذان كان لهما إسهام كبير في الدفع بالثقافة الأمازيغية إلى الأمام طيلة النصف الثاني من القرن العشرين. لقد صرح ايدير قبل سنتين بأنه مرتاح لاعتراف الجزائر بالأمازيغية لغة رسمية (حوار مع بيربير تي في)، وهو ما عبر عنه علي صدقي أزايكو منذ 1994 حين دعا المرحوم الحسن الثاني إلى تدريس “اللهجات المغربية”، ثم بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001 (حوار شخصي معه) وكأنهما بموقفهما هذا أحسا بأن جهدهما طيلة عقود لم يذهب سدا بل بدأ يحقق بعض النتائج.
يطرح رحيل عدد من أعمدة الثقافة الأمازيغية في النصف الثاني من القرن العشرين بما راكموه من إنتاج معرفي وأدبي وقدرتهم على التأقلم وأحيانا تحمل تبعات سياقهم السياسي واكراهاته أسئلة عديدة. لقد أسهموا بعملهم على واجهات عدة في انقاد الأمازيغية من الانقراض في فترة ما بعد مخلفات الاستعمار، فزاو جو بين البحث والإبداع والاحتجاج والترافع إلى أن حققوا الاعتراف الرسمي بلغتهم وثقافتهم ليرحل بعضهم مطمئنا على مساره تاركين سؤال “أي خلف في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين؟”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد