كريم الشاذلي: أسعى إلى خلق جيل جديد قادر على بناء رؤيا ناقدة عن طريق التفكير العلمي ( حوار حصري)

karim-chadli
كريم الشاذلي

اعدته للنشر حليمة بن الزنك*//

 هو مؤسس ومدير عام  دار اجيال للنشر والتوزيع في جمهورية مصر، حاصل على بكالوريوس اعلام الى جانب الدراسات العليا بجامعة القاهرة، كاتب ومدرب في مهارات التواصل الاجتماعي. حاضر ودرب عشرات الالاف في مصر، الجزائر، فلسطين الاردن، والمغرب.

في البداية اريد ان تقدم لنا نبذة عن مجمل المنجز الفكري لديك من خلال اصداراتك التي ملأت بها الساحة في مجال البرمجة اللغوية والعصبية، وتبحث لنا عن الخيط النابض في هذه الكتابات، خصوصا وان موضوع البرمجة اللغوية العصبية حديثة العهد في شمال افريقيا، عكس ما هي عليه في الدول العربية الاخرى؟

ما اقوم به بعيد كل البعد عن البرمجة اللغوية والعصبية، ولا يمت لها بأي صلة

اذن تفضل واوضح لنا  فيما تختص به كتاباتك ؟

في الحقيقة أن كتاباتي المجملة في عشرين كتابا مطبوعا تختص في علاج قضيتين مهمتين تشمل سبعة كتب الاولى وهي قضية الاسرة والمجتمع، أو بمعنى ادق الاسرة والتربية، ولا اقول هنا تربية الابناء، وانما  تربية المربي نظرا لقناعاتي الشخصية بأن الاسرة في تعاملاتها مع بعضها البعض مع أبناء مؤسسة الاسرة هما النواة الحقيقية لنهضة وعمران المجتمع  حتى والسعادة على مستوى الفرد.

 فالأسرة في الطرح الديني هي مرادف للرحمة والمودة والسكن، وفي الطرح النفسي فهي مرادف للاحتياجات الانسانية البيولوجية من امان وحب في كيان الاسرة، لأنه من خلال معاينتي لحالات الطلاق الرسمي والنفسي داخل الأسرة، اجد أن إعادة بناء الأسرة يحتاج الى ثقافة واهتمام،  وهذا ما اتمنى الوصول اليه من خلال كتاباتي ومحاضراتي وتدريباتي الموجودة عبر جيل كامل في الوطن العرب، جيل يحتاج الى من يتفهمه، ولا يجد الا من يخنق احلامه ويملي عليه ما يجب ان يفعل.

 فجزء كبير من كتاباتي في هذا الصدد ككتب(ما لم يخبرني عنه ابي، افكار صغيرة لحياة كبيرة، اصنع لنفسك ماركة، الخ  ) لا احاول ان اخدعه بل بالعكس اخبره بأن الحياة صعبة نعم وضيقة نعم لكن لا سبيل لنا سوى ان نعمل ولا سبيل لتجاوز صعوبات الخارج الا بتنمية الداخل وخلق فرص جديدة، و أن العيش في دور الضحية لن يقدم لنا أبدا يد العون.

 احاول من خلال ما اقوم به نشر ثقافة الامل والتفاؤل من خلال هذا الجيل الذي امل ان تكون رسالتي  له واضحة و مقبولة الجهد.

اذا كان هذا المجال الذي تشغلون به ليس ضمن البرمجة اللغوية والعصبية فاين تصنفه ؟

في الحقيقة هي تدخل ضمن العلوم الانسانية وهي خليط ما بين علم النفس والاجتماع وعلوم الدين والتاريخ، ويطلق عليها اهل العلم اسم “العلوم الرخوة” فنحاول من خلال هذه العلوم استخراج مجموعة طرق نوسع بها خيارات الانسان في الحياة لفتح افاق اخرى غير التي كانت امام جيل جديد بأكمله نامل من خلالها توجيهه في منحى ايجابي اكثر ما كان عليه سابقا.

المنجز المكتوب لديك، هل تعتبره حزمة واحدة كاملة ام انه مختلف ويخضع لعملية مرحلية ؟

في الحقيقة اصداراتي كانت عبر مرحلتين المرحلة الاولى وهي توجد في ثمانية عشر كتابا كنت افرغ فيها الكثير من الامل والمثالية في دنيا الشباب اما الكتابين الاخيرين (الهزيمة، و انبياء كذبة) فقد اخذت فيه منحى اخر مغاير الا وهو تحريك الرؤيا الناقدة عند الشباب، لأنه في نظري ورغم ايماني بكل ما كتبته، الا انني اجد ان الشباب يحتاج الى شحن وترسيخ روح التمرد لديه وأقصد بذلك التمرد على حزمة التقاليد والعادات التي ورثناها كبيرا عن كببر في مجالات الاجتماع والتربية والتعليم والفكر، فثبت فشلها خلال الاعوام الماضية ومازلنا مطالبين بتكرارها، اذ لو كانت مجدية ومثمرة للخير لما اوصلتنا لما نحن عليه الأن، وهنا أختصر وأقول أنني اسعى من خلال محاضراتي وتدريباتي في هذا المجال الى خلق جيل جديد قادر على بناء رؤيا ناقدة عن طريق التفكير العلمي والمشاكسة الفكرية بحيث تكون لديه مناعة ضد خداعه وأراهن كما أعول على هذا الجيل والجيل الاتي بعده أنه سيحمل تربية مختلفة تماما قائمة على رفض كل مالم يثبت صحته وسيكون مساره الى حد كبير صحيح مبني على التفكير العلمي و التقني بعيدا عن التفكير العاطفي والكلام المعلب.

هذا يقودني لأطرح عليك سؤالا في منحى اخر.  وهو كيف تقيم اختلاف البيئتين الشرقية والشمال افريقية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وخصوصا إذا ما ربطناها بالتقرير الذي صدر عن صندوق النقد الدولي الذي صنف مصر وتونس وليبيا قبل المغرب فيما يخص حالة الدخل الفردي بها وهل هذه التأثيرات لها وقع على المنظومة الفكرية برمتها؟

أنا ارى أن هذا التصنيف غريب جدا وأشكك في هذه الارقام.

هو تقرير صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي.

مصر تعاني حاليا من تضخم مالي كبير وليس من المنطقي ما صدر عن صندوق النقد الدولي فيما يخص هذا التصنيف، فمصر لديها خسائر كبيرة على مستوى الدخل الذي اصيب بالانهيار نتيجة الاغلاق التام لمصادره الاساسية في الدولة وهي قناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين بالخارج والسياحة .

فمصر حاليا تمر بأزمة حقيقية تقودها  حتما  للإفلاس  والانهيار في الايام القادمة.

اذن انت ترى ان الوضع في المغرب وباقي دول شمال افريقيا احسن من حيث التصنيف عما هو عليه في مصر عكس ما جاء في التقرير؟

قطعا واكيد ان الوضع  بالنسبة لي مختلف واقصد هنا المغرب والجزائر لكونهما الدولتان اللتان حظيت بزيارتهما في شمال افريقيا وارى ان الاوضاع الاقتصادية في كلا البلدين مستقرة تماما عنه في مصر واقصد بالأمر هنا طريقة العيش والامن.

هل تعاطيك مع قضايا الاسرة والشباب في البيئة الشرقية هي نفسها في الشمال الافريقي بما في ذلك مصر؟

احسنت هذا هو السؤال المهم، والحقيقة ان الموضوع الذي اتناوله في مجال الاسرة والشباب هو امر طرحته في الشام والسودان وفي مصر والخليج وايضا في المغرب العربي.

تقصد بالشام سوريا ؟

اقصد الاردن وفلسطين فأنا تمكنت من دخول فلسطين ولله الحمد، وتوصلت الى انه لدينا قوائم مشتركة في كل دول العالم العربي وتشمل  غياب العاطفة وعدم الاعتراف الى جانب النزعة الذكورية السائدة ناهيك عن تذمر الرجال من الادوار النسائية الضعيفة فيما يخص بعض الملفات الاسرية كالرومانسية مثلا.

 لكن يبقى لكل مجتمع خصوصياته فمثلا الاردن  تصنف كونها متقدمة في اسرع طلاق, مصر مثلا تحتل اعلى نسبة طلاق في العالم حسب تصنيفات الامم المتحدة, وهذا مثال لبعض المشكلات التي تختص بها بعض المجتمعات, الى جانب ذلك هناك مشاكل  اخرى كعدم التغير وايضا في التركيبة الديموغرافية  لهذه البلدان حيث نجد على سبيل المثال لا الحصر نسبة النساء اكثر من الرجال, لكن هناك مادة اساسية اطرحها والتي تتقاسمها كل المجتمعات العربية. اما فيما يخص الخصوصية التي ينفرد بها كل مجتمع فانا احاول دراستها وفهمها. لكن ارى ايضا ان مشاكل وازمات المجتمع المغربي قريبة الى حد كبير من المجتمع المصري ومختلفة كثيرا عن المجتمع الجزائري رغم قربهما الاستراتيجي، فالمشاكل في الجزائر يغلب عليها الطابع الصحراوي البدوي واقصد بالمشكل هنا جفاف في العلاقات.

على اي مقاربة سيسيولوجية اعتمدت في طرحك لهذا الجانب، خصوصا وان اغلب السوسيولوجيين يؤكدون ان المغرب والجزائر وتونس هي ثقافيا تصب في منظومة واحدة عكس نظيرتها الشرقية؟

حقيقة اعتمدت على الاستماع والمشاهدة الخاصة، فخلال ثمان سنوات الماضية انا ازور المغرب تقريبا بمعدل مرة في السنة فمن خلال احتكاكي استماعي الى كلا الطرفين( الرجال والنساء) اثناء محاضراتي وتدريباتي( ودائما استثني هنا تونس وليبيا لعدم تمكني من زيارتهما)، ارى ان الشعب الجزائري رغم طيبة قلبه فهو يعاني من جفاف في المشاعر وعدم البوح، لكن نجد في الغالب ان المشاكل الاسرية التي يعاني منها المغرب هي نفسها في مصر من حيث التوترات، الندية، الخيانة، ومن خلال هذا لمست حقيقة قرب المجتمعين المغربي والمصري في المزاج العام.

كيف تربط هذه التحديات بموضوع القراءة؟ وكيف السبيل لنشر هذه الثقافة التي تراهن عليها في كتاباتك ؟

انا ارى ان موضوع القراءة الان افضل بكثير من السابق، فعلى عكس ما يقال بان الماضي كان احسن من حيث القراءة وعدد القراء فأنا ضد هذا تماما.

لكن الارقام تفند ما تقول، حيث تؤكد ان معدل القراءة الان لا يتجاوز الصفر.

بالنسبة للاستقراءات المسحية فأنا لا اثق بها لعدة اسباب، والاختلاف الوحيد الذي اراه هو في تحديات الكتاب نفسه، وهي تحديات التكنولوجيا. فالإنترنت اخذ دور الكتاب اما بالنسبة لموضوع القراءة فالحقيقة ان المغرب اكثر البلدان استيرادا للكتب وهذا يحسب له عكس بلدان اخرى  يصعب فيها ذلك مثل الجزائر  وقد صرح لي احد شاحني الكتب بانه يشحن للمغرب( 2كونتنتر يعني 300كرتون للكتب شهريا من مصر الى المغرب) فالمغرب يملك مساحة كبيرة للقراءة والقراء والدليل على ذلك  هو كم المحاضرات الهائل واماكن توقيع الكتب في المغرب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذا الكم من القراءة والقراء يبلي حسنا؟ وهذا ما يحتاج منا جهدا ومزيدا من الوقت حتى تبدأ القراءة في التأثير على القراء والحقيقة ان التحدي الذي يواجه الكتاب هو في المساحة المخصصة له في وسائل التواصل الاجتماعي.

كتاباتك كلها موجهة للغة العربية هل قمت بترجمتها الى لغات اخرى؟ وهل كتبت بلغات اخرى غير العربية؟

اكتب بالعربية لأنها لغتي، ولم اكتب بلغة اخرى غيرها،  لكن ترجمت اصداراتي الى لغات اخرى حية وغير حية كالإندونيسية والكردستانية والملاوية اضافة الى برايل لغة المكفوفين.

بذكرك للغات الحية والغير حية . ما رأيك في التحديات التي تواجه الثقافة الامازيغية امام باقي الثقافات؟

صراحة هذا الجانب لست ملما به ولست قارء  جيدا له . ولو تتكرم وتشرح لي السؤال لأفهم ؟

اقصد ان دول شمال افريقيا تخضع حاليا لصحوة ثقافية لتفعيل اللغة الامازيغية  فما هو في نظرك التحدي الذي تواجهه امام اللغة العربية وباقي الثقافات الاخرى؟

اظن اني لست الاقدر على الرد على هذا السؤال، وانا لم المس هذا، لكن لا يعني انه غير موجود، وانا بصفتي صاحب ومدير دار نشر فاني لم المس هذا الامر، ممكن انه ليس هناك انتقاء لما يقرأ، لكنه ليس بالمشكلة الكبيرة  طالما انك تقرأ وتكسر الحاجز النفسي السلبي لديك عن الكتاب.

امام هذا الزخم الكبير من الكتب ذات الطرح الذي تحمله. كيف للقارئ ان يفرق بين ما هو صالح وما هو طالح؟

حقيقة اؤمن بقاعدة ” فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض” اذن لا يوجد  شيء غير قيم  يستمر والكتاب ان كان سيئا فسينتهي حتما هذه نقطة والنقطة الثانية هي نصيحة للشباب ان يمتلك دائما العين الناقدة حتى يصل الى ان يقيم، فكل كتاب يحترم عقلك، فهو كتاب صالح وجيد. وكل كتاب يستخف بعقلك وبالمنطق فهو ليس سيئا طالما جعلك تقيمه وتنتقده.

حاوره الحسين ابليح باكادير

 * صحفية متدربة 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد