قبيلة أيت سمك: المركز الصحي بتافنكولت النشأة الأولى من “دار الأمومة ” إلى” دار الإسعاف الأهلي “!

بقلم : عبدالكريم أضرضور

إبان الإستعمار الكولونيالي الفرنسي للمغرب، فتكت بالبلاد أمراض خطيرة ، لا تُبْقِي وَلَا تَذر، في مقدمتها حمى التيفويد والطاعون والتيفوس والجدري …،

ولعل من أسبابها الطبيعية انتشار المجاعة الشديدة التي دفعت الساكنة في القرى والجبال إلى أكل الجراد وبعض النباتات البرية من فصوص ” الخروب “” أينري” لتعويض النقص الحاد في الإنتاج الغدائي، لم تسلم قبائل سوس ومنها قبيلة أيت سمك من آفاتها ،لعل وباء التيفوس من أخطرها، مرض معد ، ينتقل إلى الإنسان أحيانا بواسطة القمل والبراغيث والقراد، وتارة عبر ناقلات الوباء ومستودعاتها من مواشي ودواب، ما دفع بعض سكان المنطقة إلى الحرص الشديد على نظافة المنازل وأماكن العبادة ودكاكين الأسواق ومرافقها، وحماية مصادر المياه من عيون وآبار من التلوث، ولأجل ذلك عينوا حراسا أو ما يسمى محليا “أمشاردو ” يقوم بحراسة منابع المياه ويقضي بتغريم كل من يلوث مياه جداولها ومنابعها، لم تجد الساكنة القروية المحلية بأيت سمك ، في فترات انحباس المطر وتفشي الأوبئة، ملاذا سوى المرابطة والإنزواء والتضرع إلى الله.

وكان ظهور وباء “التيفويد” سببا مباشرا في أفتتاح “دار الأمومة” وتوسيع خدماتها ، أحدثت من طرف المستعمر الفرنسي بمركز إدارته بتافنكولت سنة :1942 ، وإن كانت الغاية من تشييدها تحقيق مآرب كولونيالية ، وفق مقاربة معينة، إذ تقتصر أنشطة هذا المرفق على تتبع الحمل و مراقبته ومساعدة أزواج الطواقم الإدارية والعسس والشواش وأعيان الحماية على التوليد وترشيد الأمهات الحوامل، قبل وبعد الوضع ، وتقديم علاجات لمواليدهن ، تحت إشراف السيدة ازابيل Isabelle الممرضة بالمستشفى الجديد بتارودانت – المختار السوسي حاليا – أرملة وزوجة طبيب الإسعاف الأهلي بول شاتنيير دفين تارودانت الذي لقي حتفه قبل سنوات بعد صراعه المزدوج مع وباء التيفوس.

ميدانيا بالمستشفى الجديد يعالج المرضى، وذاتيا بعد أن انتقلت إليه العدوى ، عينت الأخوات ” إلسا” و”سارة” – الأخوات كما هو معروف عند الكهنوت المسيحي – والقابلة رقية من أصل واد نفيس اول طاقم استشفائي بدار الأمومة، بيد أن المستعمر بعد أن أجتاحت جائحة التيفوس المغرب بشكل خاص بل زحف الوباء على القارة الكولونيالية ، فتحت الدار في وجه أهالي القبيلة وأطلق عليها ” دار الإسعاف الأهلي”، ساهمت المؤسسة بشكل قوي في تقديم إسعافات للساكنة.

ومن المؤسف حقا ، أن الوباء حصد أرواحا كثيرة ، تحدث الإصابة بسبب تناول أطعمة أو مياه ملوثة ، مما يُسبب حمى شديدة مصاحبة بغثيان وصداع أو فقدان للشهية بين إمساك وإسهال حينا أخرى ، كانت كل الظروف وقتها تساعد على إنتشاره، جوع وجفاف وقلة نظافة، هجم المرض المعدي الساكنة القروية لأيت سمك، وهيمن الذعر والخوف على قلوبها ، تتساقط جثثا ، سنوات بعد وباء الكوليرا المعروف لدى المغاربة ب “بوڭليب” مرض غطى الأجساد ببثور ترشح قيحا وتنزف دما.

ولإنعدام معطيات وإحصائيات حول واقع الصحة بقبائل سوس وقبيلة أيت سمك بشكل خاص ، بسبب غياب بل فقدان جزء من محتويات الأرشيف الصحي للمركز الأهلي بتافنكولت، ما فوت فرصة القيام بتتبع ومقارنة مسار تطور هذه الأوبئة التي دهت القرية وأصابت الناس، وشهدت شيوعا وانتشارا في جبالها وسهولها.

منحت الرواية الشفوية المحلية ،من أفواه كبار السن ، واللجوء الى بعض الوثائق الإستعمارية المحدودة جدا، بصيصا وقبسا يبرز حجم معاناة الساكنة المحلية جراء هذه الأمراض الفتاكة التي اجتاحت الوطن كله ، جوائح مرعبة تحولت إلى شبح مخيف تطارد مخيلة الأهالي وأثرت بشكل كبير على سلوكهم ونمط عيشهم ، روايات رسمت صورا قاتمة حول الأعداد الهائلة من الضحايا ، شهادات متواترة عن الآباء والأجداد حول انكباب المتطوعين في حفر القبور ودفن الموتى، حصيلة الوفيات ترتفع بشكل يومي ومذهل.

لحقب متقطعة توالت على قبيلة أيت سمك وجاراتها من مختلف قبائل رأس الواد ، جوائح ساهمت في استنزاف قواها البشرية والطبيعية، ومما يفيده بعض الأرشيف الإستعماري من معلومات محدودة حول بعض الأوبئة التي عانت منها ساكنة هذه المناطق جراء وباء التيفوس ، إليكم توزيعا لعدد حالات الوفاة ببعض مشيخات التابعة لمركز إدارة المستعمر كما يلي :

-09- وفيات بمشيخة إحنكيرن .
-07 – وفيات بمشيخة تاركة لحنا وأغلبها من المسنين.
08 – وفيات بمشيخة أنزال مابين ذكور وإناث.
– 11 – وفاة بمشيخة أوناين ما بين الذكور والإناث.
06 – وفيات بمشيخة أيت بوبكر .

وخلال سنة 1958 أي بعد حصول المغرب على الإستقلال أخذت “دار الإسعاف الأهلي” تسمية جديدة ليصبح “مستوصفا قرويا” بتافنكولت المركز .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد