في وداع الأستاذ محمد شحرور /1
بقلم محمد همام .
توفي الأستاذ محمد شحرور،رحمه الله، لينضاف إلى كوكبة من المفكرين غادرونا في السنوات الماضية. وكانت لنا علاقة وطيدة ومازالت بمشاريعهم العلمية وأطروحاتهم الفكرية؛خصوصا ماتعلق منها بقضايا الدين والتدين والخطاب الديني والفكر الإسلامي والحركات الإسلامية، وقضايا التجديد والتنوير والحداثة والديموقراطية…رحل محمد أبو القاسم حاج حمد، ومحمد عابد الجابري، ومطاع صفدي، وجورج طرابيشي… واليوم محمد شحرور، رحمهم الله جميعا. كان هاجسهم جميعا تجديد الخطاب الديني الإسلامي، وبث الفعالية العقلية في تفكيرنا، وتجاوز منطق العقل( المستقيل)، أو العقل ( الكسول) المسكون بالتبريرات، وتمجيد الذات،وادعاء الأفضلية على الناس بغرور كبير، واتهام كل محاولة اجتهادية نقدية في قضايا الدين والتدين والخطاب الديني، ب( الخيانة)، و(التآمر)، ثم الانزلاق إلى المواقف الحدية المتوحشة، ورمي المخالفين ب( التحريف)، و(التضليل)،و(الزندقة)،و(الكفر)…وهي تهم نال منها الأستاذ محمد شحرور قسط كبير،حيا وميتا. ولم تراع كتائب( الشق على الصدور)، القادرة على التسرب إلى أعماق نفوس الناس، ورصد معتقداتهم ونياتهم ومقاصدهم! لم تراع حرمة أموات، ولا حدود الله الذي يعرف وحده خائنة الأعين وما تخفي الصدور.ولم تراع هول الموت وقسوته على أسرته وأهله وهو لم يوار التراب بعد.هذه الحملة المتوحشة على الرجل تعبر عن انحدار أخلاقي، وعن أزمة ايمان وتدين عند الكثيرين من المهووسين بالدين.
ويمكن تصنيف فئات المتحدثين عن وفاة الرجل إلى الآتي:
1- فئة من محبي الأستاذ، وأفرادها في الغالب من كارهي الحركات الإسلامية، اتخذت وفاته فرصة لتصريف حساباتها وخصوماتها السياسية مع الإسلاميين حيثما كانوا. لكنها للأسف لا تعرف شيئا عن مشروعه الفكري. ويظهر من سجالاتها أنها تخوض حروبها أكثر مما تدافع عن أطروحات الأستاذ الفكرية.وهذه مشكلة أخلاقية وفكرية هي الأخرى؛ عندما ندافع عن أفكار لا نعرفها.
2- فئة تريد إقحام الأستاذ محمد شحرور ومشروعه الفكري في محاور الصراع الإقليمي المتفجر في الخليج العربي، بحكم إقامته في بلد عربي، وتعاونه مع بعض مراكزه الفكرية. بل تريد أن ترسخ فكرة أن محمد شحرور حديث الظهور، وأن مشروعه الفكري حديث النشأة، أو ربما جاء استجابة لطلب أحد محاور الصراع الإقليمي! مع أن هذا المشروع الفكري، اتفقنا معه أو اختلفنا، وبالمناسبة اختلف مع الكثير الكثير من منطلقاته المنهجية ومرتكزاته المعرفية ومخرجاته التحليلية، يقرب عمره من نصف قرن، تفكيرا وجمعا وترتيبا وتأليفا ، لتبدأ حلقاته في الظهور منذ الثمانينات من القرن الماضي.وهذه الفئة تسيء إلى مصداقيتها الفكرية، وتساهم في تسميم الأجواء الثقافية بالصراعات السياسية الظرفية، كما تساهم في رهن المثقفين للأجندة السياسية، وتنزع عن المثقف والباحث المصداقية والاستقلاية والنزاهة، فتبدد رصيدها العلمي والفكري، وتخدش صورتها البحثية.
3- فئة من السلفيين المتربصين بالفكر النقدي وبالباحثين أصحاب الأطروحات النقدية الجديدة في الخطاب الديني والفكر الإسلامي وقضايا التنوير والتجديد حيثما وجدوا. هذه الفئة المسكونة بالغرور العقدي والنرجسية الايمانية، تلبس على الناس عندما تتحدث عن الأستاذ محمد شحرور باعتباره متطفلا على البحث في الدين وفي قضايا العلوم الإسلامية، وكأنها مناطق نفوذ حيوية محفوظة لها، ولاتسمح لأحد بالاقتراب منها! وهذه الفئة لو توفرت لها السلطة لعلقت المفكرين في المشانق ، وجلدت الظهور وقطعت الرؤوس!وهي خلايا نائمة تستفيق مابين الفينة والأخرى، وتمثل حالة وظيفية مستعدة لتقديم الخدمات القذرة والمساعدة في كبح الأنفاس وإفشال الانتقالات الديموقراطية وهدر حريات الناس باسم الدفاع عن العقيدة وحماية الشريعة.وعليه، روجت هذه الفئة لبعض الكراسات ترصد بعض الأخطاء اللغوية في كلام الأستاذ شحرور وفي عدم توثيقه لبعض الآيات القرآنية وفي اتهامه برفض الحديث النبوي وووو كل ذلك من أجل ترسيخ نظرة تحقيرية للرجل ولمشروعه الفكري.
4- فئة من الإسلاميين تأثرت بالخصومة بين الإسلاميين والحداثيين،هكذا! ومحمد شحرور يصنف عادة ضمن الصنف الأخير. كما أنها لا تعرف شحرورا إلا في البرامج الإعلامية ذات الطبيعة السجالية. وهي، بالمناسبة، من ثغرات الأستاذ شحرور الذي زج بمشروعه الفكري في خضم السجال الإعلامي والحوارات التلفزيونية الحارقة ، مما أثار دخانا كثيفا حول المشروع أخفى البعد المنهجي والمعرفي فيه، بغض النظر عن الموقف منه. يضاف إلى هذا ظهور محمد شحرور ناقدا باستمرار للإسلام السياسي، وصاحب موقف سلبي من الثورة السورية، باعتبارها ثورة إسلاميين استبداديين ضد نظام الأسد الاستبدادي، وهما وجهان لعملة واحدة بنظره. إضافة إلى الكثير من مواقفه و(فتاواه) التي تستفز الثقافة التقليدية للإسلاميين في قضايا المعرفة والاجتماع والجنس والفقه والعلوم الإسلامية بعامة .كل هذا لايبرر خرجات الكثير من المحسوبين على الحركات الإسلامية أو المتعاطفين معها، خرجات افتقدت إلى الحس الأخلاقي والتشبع بقيم التعدد والاختلاف، مع توقير أهل الفكر ، والبحث عن الاستفادات الممكنة من اقتراحاتهم التحليلية والنقدية، كما لايبرر أساليب الشماتة المفتقدة للذوق الإنساني في الحديث عن موت الرجل.
فما هي عناصر المشروع الفكري الذي قدمه محمد شحرور، والذي ضاع في خضم الخصومة والشماتة والدعوة لشحرور، والدعوة عليه، وفي خضم السجال الإعلامي؟
الجواب في الحلقة الموالية غدا.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.