في رد على الشيخ العبادي ..من يدعو إلى إحياء الخلافة يريد إقامة حركة داعشية مغربية

العباديالحسين اسكان//

    استغرب الكثير من المغاربة، وبدهشة بالغة ما شهدوه، في قناة اليوتوب، من حديث محمد عبادي شيخ جماعة العدل والإحسان عن وجوب إحياء الخلافة الإسلامية، وأنه لا يجوز شرعا أن يبقى منصب الخلافة أكثر من 3 أيام. مثل هذا الحديث لا يفاجئ أي باحث في تاريخ الإسلام، لأن كتب التراث من حديث وفقه وتاريخ، مليئة بالأدلة الدينية والتاريخية على ضرورة إقامة ما يسمى “الخلافة الراشدة” علما أن ما شاهده الناس هو الحلقة الأولى فقط، وسيذكر أدلة إضافية في حلقة أو حلاقات أخرى، ربما سيأتي على ذكر الحكم الفقهي لدى السنة: “من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة الجاهلية”، هذه الحجج الدينية كان لها تأثير لدى المسلمين القدماء لدرجة  كان بعضهم لا يؤدي صلاة الجمعة بدعوى عدم وجود إمام يدعى باسمه في خطبة الجمعة.

 وما يدعو إليه هذا القيادي هو بالضبط ما تدعو إليه داعش، ولا يختلف عما دعا إليه  قبلهما عدد كبير من  علماء الإسلام مثل ابن تومرت في المغرب الذي جرب معه المغاربة الفكرة الداعشية قبل 9 قرون، وكان جدي 30 قد شارك فيها (سأعود لتوضيح ذالك في مقال خاص هنا).

       بدون الدخول في استقصاء هذه الحجج الدينية ومدى صحتها من عدمها. ما يهم هنا  هو طبيعة نظام الخلافة الذي تدعو إليه كل الحركات الإسلاموية وبدون استثناء، وليس العدل والإحسان فقط؟ وهل هو قابل للتحقيق في عالم اليوم؟ ولماذا فشل كل التجارب التاريخية السابقة لإحيائه؟ وهل فيه مصلحة للمسلمين، حسب القاعدة الأصولية : “حيثما تكون المصلحة، فثم شرع الله”؟

     يعرف كل مطلع على الثقافة الإسلامية أن العصر الذهبي للإسلام هو فقط 30 سنة أي العصر الذي يسمى عصر “الخلافة الراشدة” أو “الخلافة على منهج النبوة”، سنرى مدى رشد هذا النظام بعد قليل. لقد جعلت الثقافة الإسلامية من هذه الفترة الوجيزة النموذج المثالي والقدوة التي ليست بعدها قدوة، وأن أي مسلم لن يبلغ مستوى الصحابة مهما حاول، ولن يصل، أبدا، لمكانة أولئك الأبطال الخارقين لأنهم أفضل من مشى على الأرض من البشرية، لذالك وصفوا الخلافة بالرشد، يعني  هذا الوصف ضمنيا كل متأخر زمانا عنهم، يعتبر قاصرا. لنسأل التاريخ من هو القاصر ومن هو الراشد في نظره، بخصوص هذه القضية؟

    يمكن القول، بالاعتماد على المصادر التاريخية الإسلامية، أن العصر المثالي الوجيز كان عصرا اضطرابات وحروب تكاد تكون مزمنة، أي ما يسمى بمصطلح  “الفتنة الكبرى” لدى المسلمين (انظر كتابا لطه حسين يحمل بهذا العنوان وغيره) أو ما نسميه اليوم بمصطلح “الحرب الأهلية”. طيلة هذه المدة الوجيزة لم يتوقف هؤلاء الصحابة عن الشقاق والاقتتال، كما يظهر من تسلسل أحداث هذا العصر النموذجي المضطرب:

1ـ في الدقائق الأولى لوفاة الرسول(ص): ظهر أول شقاق بين بعض المهاجرين والأنصار وهو الخلاف حول من يخلف النبي، حتى قبل دفنه، في سقيفة بني ساعدة. هذه السرعة بتعيين الخليفة أبي بكر سنة 10هـ. اتخذ عبادي التعجيل بتعيين الخليفة، حتى قبل دفن الرسول، حجة على ضرورة إقامة الخلافة بسرعة قصوى، لا أظن أن أحدا من المعاصرين يمكن أن تصل قساوة قلبه إلى هذه الدرجة، في موقف كهذا.

2ـ في اليوم الموالي لوفاة الرسول، انتفض جل العرب المسلمين، عند علمهم بذالك، في شبه الجزيرة، باستثناء المهاجرين والأنصار بالمدينة ومدينة وقريش بمكة التي كانت تحارب الإسلام إلى سنة 8 هـ، أي قبل عامين فقط من وفاة الرسول. في هذا اليوم اندلعت حرب أهلية سميت بحروب الردة، وقد دامت سنتين 10-12هـ، أي عهد الخليفة أبي بكر، أخمدها بحد السيف خالد بن الوليد المشهور “بسيف الله المسلول”، ومع انتهاء حروب الردة اتجهت الجيوش لاحتلال العراق والشام ومصر وإفريقيا، ورغم تدفق خيرات هذه المناطق الخصبة إلى بيت المال ( خمس الغنائم) بالمدينة، إلا أن ذالك لم يحل دون اغتيال الخليفة عمر بسبب الظلم الذي شعر به قاتله، وكلما تدفقت الغنائم تزايد الشقاق بين الصحابة، وبلغ ذروته مع قدوم جنود الحاميات المقاتلة بالأقاليم المفتوحة(العراق ومصر دون الشام)، ليحاصروا عثمان بمنزله شهرا، واتخذ الأنصار والمهاجرين بالمدينة موقفا محايدا في هذا الصراع، وانتهى الأمر بمقتل الخليفة عثمان سنة 36 هـ، وبمقتله اشتعلت نار “الفتنة الكبرى” والانشقاقات بين الصفوف: صراع بين علي مع معاوية الذي انتهى بمقتل الخليفة علي سنة 40هـ، كما دخل علي في حرب  مع كبيرين من كبار الصحابة  المبشرين بالجنة طلحة والزبير، والمساندين من طرف أم المؤمنين عائشة وانتهت بمقتلهما في معركة سميت باسم “معركة الجمل” الذي كانت عائشة تركبه. وأثناء هذه الفتن ظهرت المذاهب الإسلامية الكبرى، بعد معركة صفين (الخوارج عن علي، الشيعة أي أنصاره، أما المحايدون فسيصبحون، فيما بعد ذالك أهل السنة، ومنذ ذالك الوقت أصبح الاقتتال مذهبيا مند هذه الفترة المبكرة). فأنهارت الخلافة بالمدينة وانتقل الحكم للشام.

    هكذا نرى أن 3 خلفاء من أصل 4 قتلوا، والخليفة الرابع أبو بكر لم يقتل لأنه حكم فقط سنتين وقيل قتل مسموما. هكذا لم ينعم الجيل الأول من العرب والمسلمين، خلال 30 سنة،  لا بالسلام ولا بالوحدة المذهبية، بالرغم من اغتناء الصحابة، بسبب الغنائم المترتبة عن تقدم الفتوحات الإسلامية، شرقا وغربا، خلال هذه المدة. لو كان هذا النظام الراشد والنموذجي قائم على أسس متينة، مثل النظم الحديثة، لما انهار بهذه السرعة الكبيرة (30 سنة)، لدرجة أن الصحابة الذين أقاموه شهدوا انهياره قبل وفاة من لم يقتل بينهم في حروبهم الداخلية أو الخارجية.(بينما عاش المغاربة أكثر من ثلاثة أجيال، دون حرب، منذ 1930 إلى اليوم).

     هذا هو النظام السياسي الإسلامي المضطرب هو الذي يتعين الرجوع إليه، حسب ما تعتقد الحركات الإسلامية وكل حزب يدعي المرجعية الإسلامية من السلفيين والإخوان المسلمون، بمن فيهم إخوان البجيدي المغربي. ونسوا أو يتناسون أن الكثيرين قبلهم، وفي مناطق مختلفة، حاولوا إحياء نظام الخلافة وفشلوا، منهم الموحدون بالمغرب مثلا الذين جرب معهم المغاربة فكرة الداعشية قبل 9 قرون. وتحاول،الآن، داعش أن تعيد إحياءه رغم فشل المحاولات السابقة لهم، ويقلدهم محمد عبادي اليوم. لا أحد يستفيد من العلم ولا من الدراسات التاريخية. الفأر وحده هو الذي يقع دائما في المصيدة.

  أما السبب التاريخي لانهيار هذا النظام  بهذه السرعة وسبب فشل المحاولات اللاحقة لإحيائه، فإنه يكمن في التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية (ديوان العطاء الذي أنشأه الخليفة عمر سنة 13هـ مثلا) التي لا يعرف عنها المتأسلمون أي شيء وقد حاول ابن خلدون أن يقدم تحليلا جزئيا لهذه الظاهرة في مقدمته. (ولمن يريد الاطلاع على هذه الأسباب وغيرها فليرجع لكتابنا عن الدولة والمجتمع في عصر الموحدين، الرباط 2010.) أما عن الأسباب الثقافية لهذه الاضطرابات يمكن  الرجوع إلى مقال لنا في جريدة “نبض المجتمع” العدد 24 لشهر ابريل 2016 تحت عنوان: لن تعيش أمة “السلام عليكم” بسلام حتى تتخلص من سيف حمو رابي.

   وحتى إذا سلمنا مع المتأسلمين بضرورة إحياء هذا النموذج لأنه راشد، فإن ذالك  يستحيل في الظرفية التاريخية التي وصلت إليها الإنسانية الآن، مقارنة بالظرفية التاريخية العالمية لقيام الخلافة، التي اتسمت بضعف القوتين العظمتين آنذاك: الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية . كما أن العالم  شهد تحولات كبيرة وثورات مختلفة، في عدة مجالات، منذ العصور الوسطى والحديثة والمعاصرة إلى اليوم، منها الثورة الكونية في حقوق الإنسان، فسكان أي بلد لن يقبلوا الفتوحات تحت أي ذريعة، أو نهب أموالهم  وسبي نسائهم باسم الدين كما حدث في “العصر الذهبي” الذي قدسه هؤلاء. ولن يفيدهم بالتهديد بضرب الرقاب كما قال الشيخ عبادي. في يومنا هذا. فكفى من اجترار الأحلام التي فشل القدماء في تحقيقها، يجب تحديث أحلامكم لتلائم العصر، على الأقل، إذا لم تستفيقوا من نومكم بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد