فن “الهضرة”.. صليل سيوف الكلام الباعمراني
*وَخَا تِجِيبُو مِئة صَيَّادْ زَاد يَالعْدُو
*السبَع لِ تَخَافُوا مَنُو مَزَّال فْبَلدُو
يَجلسُ الهَضَّارُ مُتَربِعًا على عرش الهَضْرَة ، يَسْبَحُ فوق شُعَيْراتِ (لِويشْ ) ، يَرْتفِعُ للسماء……..
فُرْجَة “العَوَادْ” أو كما يُسميها “الصْبَيَاوِييِنْ” ب (#الهَضْرَة).
هو طقس احتفالي، معروف لذى قبيلتي “اصبويا و مستي” ، المتفرعتين من قبائل “آيت باعمران “غرب واد نون .
شباب سِحْنَاتُهُمْ خَضْراء…(). – في “اصبويا ” يُطْلَقُ على اللونين الأزرق والبني المائل للسُمْرَة ب “أَخْضَرْ” –
فعوض أن يُقَالْ ، هذا رجل أسمر البشرة ، يُقَالْ هذا رجل أخضر ….وتُنْعَتُ السيارة الزرقاء بالخضراء وبابٌ أزرقٌ يُصبح باباً أخضر …..(..) .
سُمْرٌ لُفَتْ حَولَ رِقَابِهِمْ أوشحةٌ سوداء ، شفاههم تُلاعِبُ عيدانا رفيعة . مجتمعين في دائرة صفوفها مرتبة حسب الأكثر براعة في ترديد الأشعار ( التَيَّاتْ ) .
إدا لقيت أحدهم صبيحة الغد سألك متعجبا ( يَاخَي ماگَسَتْ يامس الهَضْرة ) ؟؟!!!
وإذا أنت سألته مستفسرا ، متعجبا أنت الآخر ، ردَّ عليك مؤكدا ( بايتين الهضَّارة يامس فداك الگاطع يلعبوا إلى الصُبْح …)
وإن أنت تعمقت أكثر في الموضوع ورُحت تقلِّب التفاصيل ( وَمُنَاسَبَة آش ).؟؟!!
هذا الطقس الإحتفالي ، عادة تنظمه الناس هناك تعبيرا عن فرحتها في منسبات عدة . كالأعراس والعقيقة والختان …
وأحيانا أخرى حين عودة أحد الشباب من غربة طال أمدها أو من عمرة مباركة أو حج .
فالمناسبة هنا شرط وأحيانا يُرْفَع الشرط (نْحَانُو حْنَا إِلينْ يَتْزَوزْ البَاكُورْ …) يتفق الجمع على نقطة لتقاء . في بيت أهل أحدهم ، غالبا يكون منزلهم معزولاً عن (الدْيَارْ) ف “الفْرَاجَة ” تُنَظَمُ ليلا ، والناس نيام . خِشية أن ( واللَّهِ مَايْجِينَا حْنِينَكْ يَدَنُو يَزَرْگَكْ فَمَدُوزَة ) ….
يجلس الهَضَّارُ مُتَربعا على عرش الهَضْرَة ، يَسْبَحُ فوق شُعَيْراتِ (لِويشْ ) ، يَرْتفِعُ للسماء ، كلما انخرط الجميع في أداء (الرَّشْ الرَّشْ ) .
في طقس الهضرة هناك تراتبية بريئة ، فملحنوا الأشعار يسمون ب ” هَضَّارَة”
وعازف آلة الطبلة – صينية بلون الفضة تُقْرَعُ جنباتها بواسطة ملعقتين – يأتي عَقِبَ رفع الأشعار ، رافعا رأسه للسماء (يصنك للريح ) أي يستمع للحن قبل أن يَنْقُرَ على الفضة .
بجانبه رجلان يُتْقنِان العزف على آلة الطبل أو الدَفْ يتمتعان ب نميمة حلوة . ( وَلدْ امَيليدْ والحَسَنْ السَيْفَر أَشْ او يْوَاسُوا تْبَاركَالاَ للطَارَة ) .
والمرددون للأشعار يُنْعَتُونَ إِنْ هُمْ جَاؤُوا على حميرهم من إحدى الفِجَجْ ، بِ (يَتْفَرْجُوُ ) أي أنهم يُتْقِنُونَ ترديد البيوت الشعرية ،التي يُلحِنُها الهَضَّارْ ، ويرفعونها كلما صاح أحدهم بأمر (يَاوْلَادْ عَمِي وَتَكَلْمُوا ) …
وهناك المُصَفِقُونْ من أُوكِلَتْ لهم مهمة السير قدما بال “الفْرَاجَة ” وهم أيضا تُشَارُ لهم أصابع الفخر ب ( يَتْفَرْجُو ) وبهذا فكلما كانت مناسبة رَنَّ هاتفهم حتى ولو كانوا في العيون جاؤوا على عجل . (تْعَلاَ اللَيْلَة . رْكَبْ مَن شَارْعْ إفني فَلانْدْروڤِيل إلوحَكْ فْتَاحْدَيَرَتْ وُسَوْتَلْ مْعَ الرَگَبَة تَجْبَرْنَا نْشَيرُو عَلَيْك بَالضَوَايَة ) .
بين الطروح لابد للجمع أن يُمازِح بعضه البعض ، هذا يَدخل في تفاصيل الطقس ، بل تُسَمَى الفْرَاجَة جَافَة ًإِن هي خَلَتْ من مُزَحٍ جميلة بين الهَضَّارَة وأصحاب المناسبة أو بين عَازِفِي الإيقاع والمُصَفِقُون ….
تتعالا الضحكات ، فتكون النكتة كالحجارة الملقاة في بركة ماء ، تَرسُمُ دَوَائَرًا ، تكبر إلى أن تصل نِسْوَةً جَلَسْنَ خلف دائرة الفْرَاجَة . هن أيضا تتعالا ضَحكاتُهن من تحت لثامهن .
يَعُمُ الصمت ويُشَدُّ التركيز وتَأْمُرُ إحداهن ولدها كي يَكُفَ عن البكاء حتى يتَسَنَى لها سرقة بعض الكلمات .
إنه الهَضَّارُ ياسادة ، وجد بين شعاب ذاكرته بيتا شعريا .
كانت الكلمات شِعرا حين كان يقلبها بين لسانه ، يمضغها كبقايا “حَلْوة السْكَرْ ” أما الآن فقد أصبحت في عِدَادِ “التَيَّاتْ ” وتُسمى “التَيَّة ”
يستقيم على لحن معين ، – في فُرْجَة الهَضْرَةَ هناك عدة مقامات موسيقية – . يَخْتارُ لشعره لحنا فيطير به فوق الدائرة العظيمة .
حبة أَكْنَارِي شَهِيَةٌ ، يُوزِع منها المُلَحِنُ للجالسين على يمينه ويساره ، يأخدها من حوله فيعطوا منها قطعة للعازفين وقطعة للمُصَفِيقِن ، هنا يَركَبُ كل من هو جالس أو واقف أو ف (أَغْگَمي يُسَخِنُ الطَارَاتْ ) بل وحتى من تربع خلف طبلة الشاي يعزف لحنا برَقْرَقَة صَبِيبِه .
زغاريد وزغاريد ودخان ، لهيبُ جَمْرٍ وأَنِينُ فضة وجلد ماعز صنعته (أَغْلَانَة ) وساعدتها (فَاطِمَتُو) . بارودٌ يصدح خلف الديار وزغاريد ، تصفيق (الرش الرش ) وزغاريد …
أحدهم وقف وسط الدائرة العظيمة . ماذا هو فاعل ، يلبس ضراعة زرقاء عفوا خضراء . إنه يَرْقُص …زغاريد وزغاريد (الرَّشْ الرَّشْ ) حناجرُ رجالٍ وصلتهم حُمَى الرجل الراقِص .
في طقس الهضرة حين تصل الجَولَةُ أو (الطَرْحْ ) مرحلة أعلى من النيرڤانا و الإنغماس في خط موسيقي موحد يَنهضُ من الجمع اثنان ، ذكور ، شريطة أن يرتديا ضراعة أو فوقية ، وهناك من يلف رأسه بلثام .
يرقصان رقصا موحدا أحيانا وأحيانا أخرى مخالفا ، فيه شيئ من الإستعراض والتنافسية .
رَقصٌ بالأرجل ويُسمى ” (الركيز ) ورقص بالأكتف وتلويح باليدين وتعبير عن الإنصهار بواسطة الرأس والعنين .
“عرق يتدحرج من ثنايا تجاعيد جِبَاهٍ سمراء ”
(الرَّشْ الرَّشْ) زغاريد وزغاريد ثم …ثم .
نحاس .
تَنجلي الكلمات ويَصمُتُ الشعر مستسلما للنحاس : (العواد ) آلة يُخْرِجُها رجل من جيبه ، في غالب الأحيان يكون هادئ الطبع إن كَلَمْتَهُ والفْرَاجَة في أوجِّ عطائها لَايَرُدُ عليك ، خِشية أن يتشتت انتباهه . لاَيُصفق ، مُختَبِئٌ خلف الدائرة ، يترقب متى يُشْهِرُ سِلاَحَهُ .
أسطوانة رقية مصنوعة من نحاس ، فيها سبع فجوات تُمَازِحُها أصابع العازِف ، تَخْنُقُهَا تارة وتارة أخرى تَمُدُها بالبرد .
يَخْتَارُ من الألحان مايحلوا له ، المهم أن الجَمْعَ راضٍ عنهُ ، فهم بعد أن يَتَفَرقُوا في الخامسة صباحا ويستفيقون غدا سيدكرونه بالبراعة في الأداء . (إِصُوتْ العَوَادْ )
يتم توقيع الطَرْحِ من طرف عازفي الناي ، فآخِرُ نَفخَةٍ تَطُولُ كأنها مِدَادٌ بلون الزعفران يَرْسُمُ على حصائر (الشتم ) توقيعا إيدناً منه أن الطرح قد انتهى .
(أوى هَااا اللَولْ ) هي جُملة فيها نوع من التحايل ، حتى لا يَغْتَرَّالجمع ويتفرق ، لأن الهَضٌَارَة دائما يَطمَحُونَ إلى قممٍ أكبر وأعلى من النيرڤانا والذوبان في الفرجة .
لذالك اختُرعَتْ عبارة ( أوى هاااا اللول ) يعني أننا لم نصل بَعدُ إلى الثاني والثالث وأننا سوف نصل إلى أكثر من هذا إن أنتم صبرتم وانخرطتم جميعا في الفرجة . شعراء كنتم أو عازفين مُصَفقُونَ ومُزَغْرِدَاتٌ ….
وهاهو يُعَاوِدُ رَفعَ بيتٍ شعري آخر ……..
رحم الله الفنانين والشاعرين الصبياويين التويجري واحماد جيجي وكل من أعطو لهذا الفن روحا .
وسقاهما من نعم جنانه في هذا الشهر المبارك الفضيل.
إنها فُرْجَاتُنَا تُعَبِرُ عن كينونتنا و هويتنا ، نعتز بها ونفتخر .
بقلم: عمر الراضي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.