لا أخيفكم شرا.. عفوا لا أخفيكم سرّا، وأنا أقرأ رواية “فزاعات منتصف الليل” للكاتب لورنس ستاين، انتابني شعور بأنه يتحدث عن واقع “المثقف” المغربي زمن الحجر الصحي، الذي لم يتعوّد على السهر حتى منتصف الليل، أو إلى ما بعده؛ لِما تتطلبه وظيفته عادة من “الاستيقاظ باكرا”.
تتحدث الرواية عن فزاعات وُضِعَت لحراسة الحقول، ولكنْ – بعد منتصف الليل – تتشكل هذه الفزاعات وتتحول إلى مخلوقات شريرة تطارد سكان القرية لتأكل أطفالها، وترعب أهلها، لكن سرعان ما تعود إلى حالتها الطبيعية قبل شروق الشمس لتؤدي وظيفتها الوديعة والنافعة والمُصلِحَة.. هذا ما جعلني أقارب موضوع الرواية وأقرّبه من واقع لمسته من خلال العالم الافتراضي في زمن الحجر. فبعد أن أعلن المغرب حالة الطوارئ، وأغلقت المدارس والمعاهد والجامعات أبوابها، وجد المثقف نفسه مجبرا على السباحة في البحر الأزرق (فايسبوك).. منهم من تعوّد عليه، ومنهم من يحاول التأقلم مع قوة أمواجه وعنفها وتنوع ضرباتها، إلا أن ما أرهق تفكيري، وجعلني في حيرة حقا، ظهور فزاعات فيسبوكية ليلية، تنتمي إلى حقل الثقافة، لا تتوانى عن نشر كل ما يسيء إلى حقل الإبداع الثقافي بسبب أو بدون سبب، ضاربة في مصداقية كاتب أو فكرة كتاب أو مقالة باحث، مهما كان توجهها، معبّرة عن رأي مناقض لكل الأفكار متقلبة؛ فما رفضته اليوم ضد تيار مدافع عنه تدافع عنه غدا ضد التيار الرافض له.. هي، إذاً، حربٌ ضد مساحة الحقول ونوع المحصول وكميته.. هي فزاعات من نوع بشري، تجوب عالم الافتراض باحثةً ومنقبة عن فريستها لتنشر تدوينات (الفزع)، مُرْفَقةً بعبارات العدمية والشؤم والتيئيس، تنشر ما يَنِمّ عن مناصرةٍ لثقافة الشك والتخاذل والهروب إلى الأمام، وتعبئة مضادة لتدمير أو تحييد القلاع والحقول الثقافية المثمرة؛ فهذه الفزاعاتُ أصبحت تشكل تهديدا لمستقبل المغرب الثقافي؛ لِما تروّجه من حقد على كل منتَج إبداعي.
نتذكر جميعا ذلك الصراع المعرفي بين قطبي الثقافة المغربية والعربية عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، اللذين كانا على طرفيْ نقيض، وكان كل واحد منهما يَرُدُّ على الآخر بكتاب من الحجم الثقيل، وليس بمنشور باهت وإعجاب بلون عالم الافتراض.. كانا يسعيان، بدأبٍ واجتهاد، إلى الوصول إلى مضمون صحيح، وفكرة جديدة، ورؤية موضوعية لواقع الثقافة العربية، بعيداً عن الدردشات والتعليقات الاعتباطية.
نحن لسنا ضد حرية التعبير، ولكن ضد ثقافة الفزاعة الضاربة في كل إنتاج معرفي، وهذا سبب من أسباب انتكاسة الحقل الثقافي؛ على حد قول محمد بنيس، الذي أشار، في كتابه “الحداثة المعطوبة”، إلى خيبة المثقف، وهو يرى ما بناه، ودافع عنه، يعيش على إيقاع انتكاسات متتالية، أو يوشك أن ينهار؛ لأسبابٍ منها الموضوعي، المرتبط بمختلِف التطورات التي يعرفها العالم المعاصر، ومنها الذاتي، المرتبط بصميم البنيات النفسية والاجتماعية المعقدة للإنسان والمجتمع العربيين. ومن هنا، نستشفّ الحرب التي يخوضها المثقف على ثلاث جبهات.. بين التطورات المتسارعة قصد المواكبة، وبين الجهل المتفشي، وبين المثقف الفزاعة العدميّ!
يوسف بن الطيب
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.