يخلد المغاربة، اليوم 18 نونبر، ذكرى استقلال المملكة بعد مسار نضالي جمع بين الكفاح المسلح والنضال السياسي والنقابي، في مرحلة لعبت فيها مكونات الحركة الوطنية إلى جانب مقاومة المغاربة دورا أساسيا في طرد الاستعمار.
يرى باحثون أن مسار المغرب التحرري لم يكن شبيها بمسار باقي الدول التي كانت خاضعة للاحتلال، إذ أكد محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، أن المغرب خضع بخلاف الجزائر وتونس وليبيا إلى تقسيم استعماري ثلاثي، وقسم بين منطقة دولية ومنطقة استعمارية إسبانية ومنطقة فرنسية كانت تعتبر المركزية، حيث كان مقر سلطات الإقامة الفرنسية التي بلورت مخططا استعماريا رهيبا، هم إلغاء كل مظاهر السيادة الخارجية، باستثناء الحفاظ على صلاحيات السلطان التقليدية؛ وكانت تبرر من خلالها قرارات وسياسة الدولة الحامية في المغرب.
واستأنفت الحركة الوطنية الكفاح المسلح التي سلكته المقاومة ضد سلطات الحماية بأساليب الكفاح السياسي، من “احتجاجات اللطيف”، والاحتفال بعيد العرش، ونشر الوعي الوطني؛ بالإضافة إلى تقديم عرائض بالمطالب الإصلاحية. غير أن انهزام فرنسا واحتلالها من طرف ألمانيا النازية ودخول الولايات المتحدة في أتون الحرب العالمية الثانية، ونزول القوات الأمريكية بالمغرب، شجع الحركة الوطنية، خاصة بعد مشاركة الملك محمد الخامس في مؤتمر آنفا المنعقد بالدار البيضاء في تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال من طرف حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال.
وكان رد سلطات الحماية على هذه المطالب بنفي زعماء الحركة، كعلال الفاسي، الذي نفي إلى الغابون، ومحمد الحسن الوزاني والمهدي بنبركة، وغيرهم، الذين نفوا أو وضعوا تحت الإقامة الإجبارية في مختلف مناطق المغرب. كما عملت الإقامة على إفشال الزيارة التي قام بها الملك محمد الخامس إلى طنجة، دون أن توفق، حيث ألقى من هناك خطابا يؤكد فيه على الانتماء العربي للمغرب المحتل، ما ردت عليه سلطات الحماية بمذبحة رهيبة بالدارالبيضاء، يضيف الباحث.
واستغلت الحركة الوطنية اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد للقيام باحتجاجات شعبية سنة 1952، ما ادخل الحركة النقابية بالمغرب في معترك المطالبة بالاستقلال. وبالإضافة إلى ذلك بدأت تتكون خلايا المقاومة المسلحة بمختلف مدن المملكة، بعد إقدام سلطات الحماية على نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، لينطلق مسلسل جديد للمطالبة بالاستقلال الذي تدعم بتأسيس جيش التحرير، سواء بشمال المغرب أو بجنوبه.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول شقير، قامت عناصر من الحركة الوطنية بالدفاع عن استقلال المغرب في المحافل الدولية، وكذا استقطاب مواقف الدول العربية والآسيوية لصالح القضية الوطنية؛ ما أدى إلى الضغط على فرنسا التي كانت تواجه بداية حركة التحرير بالجزائر، واضطرها إلى عقد مفاوضات انتهت برجوع الملك محمد الخامس إلى المغرب، وإبرام اتفاقية نصت على استعادة المغرب سيادته بتكوين جيش وطني ورفع العلم المغربي على كل إدارات البلد المستقل.
الظهير البربري
استهدفت فرنسا من خلال الظهير البربري حذف التعليم الإسلامي واللغة العربية من مدارس البربر. وعبر أحد الأساتذة الفرنسيين المستعمرين عن مغزى وخلفية الظهير المشؤوم قائلا: “من الخطر أن نترك كتلة ملتحمة من المغاربة، لها لغة واحدة، وأنظمة واحدة؛ لا بد أن نستعمل في حقها الشعار القديم فرق تسد”، حسب أحمد الخاطب، أستاذ التاريخ بدار الحديث الحسنية، جامعة القرويين.
وأوضح الخاطب، في حديث لهسبريس حول علاقة الظهير البربري بانطلاق الحركة الوطنية، أن جريدة فرنسية كتبت بتاريخ 27 ماي 1930: “إنه عمل عظيم جدير بأن تهنأ عليه فرنسا”، ثم قالت: “الآن تخلصت قبائل البربر من سلطة الشريعة الإسلامية”، وأضافت: “الظهير البربري أتم للسلطة الفرنسية طرد الشريعة الإسلامية، وتم طرد السلطة المخزنية، وهذا هو أساس السياسة البربرية”.
لكن النتائج، يتابع الأستاذ الجامعي، “جاءت على عكس تقديرات وتطلعات نظام الحماية، حيث ثارت ثائرة الشعب ولاذت الجماهير بملكها وتجدد ما ظل حيا من صلات العرش العلوي بالجماهير المغربية، التي نسي الاستعمار أنها قاعدة التشريع في هذا البلد، وأنها أصل الحكم لديه؛ فالأمة المغربية بحكم خصوصياتها التاريخية وبنيتها الاجتماعية وهويتها الثقافية والدينية التي ترسخت عبر التاريخ لم يكن بإمكانها السكوت عن هذا المخطط الرهيب لنسف مكتسباتها التاريخية في الالتحام بين مكوناتها الاجتماعية من العرب والأمازيغ تحت راية الإسلام والقرآن الكريم واللغة العربية”.
وأشار الباحث ذاته إلى أن الظهير البربري شكل موعدا مناسبا لاندلاع مقاومة سياسية تبنت خيار تأطير النضال الوطني وتوجيهه نحو تكاتف الجهود بين القصر والنخبة والعامة؛ وعرفت هذه المرحلة بمرحلة المطالبة بالإصلاحات السياسية والإدارية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في ظل نظام الحماية، لكن دون أن يعني ذلك أبدا القبول به، واستمرت إلى غاية الحرب العالمية الثانية.
وثيقة المطالبة بالاستقلال
أفاد الخاطب بأن الوثيقة التي قدمت بعد مؤتمر أنفا للملك محمد الخامس، وإلى المقيم العام وكل من ممثلي الولايات المتحدة وإنجلترا، كشفت عن تحول جوهري في الخطاب السياسي للحركة الوطنية؛ وذلك بالانتقال إلى المطالبة بالاستقلال، فتضمنت في حيثياتها إدانة واضحة لنظام الحماية، الذي عرقل مسيرة الدولة المغربية التي ظلت مستقلة طيلة ثلاثة عشر قرنا؛ وذكرت بدور المغرب إلى جانب الحلفاء في الحربين العالميتين، وبإعلان مبادئ الأطلسي، ثم أكدت على رغبة المغاربة في التحرر والاستقلال والحكم الديمقراطي انسجاما مع تاريخهم ودينهم.
ثم قدمت الوثيقة المطالب الرئيسة باسم الشعب المغربي، وهي استقلال المغرب وتوحيده تحت حكم الملك محمد الخامس، والتفاوض مع الدول المعنية للاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه، وانضمام المغرب إلى ميثاق الأطلسي والمشاركة في مؤتمر السلام بباريس…
وكان من النتائج المباشرة للوثيقة، بحسب الباحث ذاته، أنها وحدت النضال الوطني حول مطلب الاستقلال، وفي مقدمة ذلك الموقف الرسمي للملك المؤيد للوثيقة، ثم توالت عرائض التأييد الشعبية من مختلف المناطق والجهات ومن مختلف الشرائح المجتمعية على القصر الملكي، معبرة عن تضامنها مع مطلب الاستقلال والتحرر.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.