عدمية رسمية..

أزول بريس - عز الدين بونيت

أكتب مرة أخرى عن ما يجري في الجزائر، لأنه أضحى مثيرا للقلق، ونحن نقترب من حماقة كارثية، لو ظل السلوك الرسمي الجزائري نحو المغرب، على هذه الدرجة من العدمية.
ها نحن نرى أن تبون فضل تسييس الكارثة عوض التركيز على مواجهتها، والخروج منها إلى ما بعدها بأقل الخسائر.. ذلك منتهى ما أوصله إليه ذكاؤه.. لنذهب معه في هذا المسار الذي اختاره.
بالأمس أعلن كل من المغرب وفرنسا انهما مستعدان لمد يد المساعدة للجزائر في مواجهة الكارثة التي تحيق بها. وقد حصل ذلك بأسلوبين مختلفين:
تبنى المغرب أسلوب استئذان السلطات الجزائرية مع تحاشي ذكر منطقة بعينها ، في إشارة واضحة لمن يستطيع قراءة دقائق الديبلوماسية، إلى ان وضعية منطقة القبايل شأن داخلي جزائري خالص، وفي إشارة الى الاعتراف الكامل بتمثيلية النظام القائم في الجزائر للدولة وللشعب الجارين.
لكن فرنسا تبنت أسلوبا مغايرا، في إعلان عرضها للمساعدة: قال ماكرون في تغريدة له انه يتضامن مع الشعب الجزائري في محنته، وأنه قرر (دون اي صيغة للاستئذان) ان يرسل طائرتين للإخماد وواحدة للقيادة تتوجه كلها الى منطقة القبايل (تحديدا وبالاسم).
لم تجرؤ الطغمة وإعلامها المأجور، على على الاعتراض على المساعدة الفرنسية، او الاحتجاج على تجاهل التنسيق مع سلطات البلد. بل بالعكس، سارع تبون الى الاعلان عن هذه المساعدة، و”زف” للمواطنين خبر وصولها. اما المساعدة المغربية، فقد تمت مواجهتها بالتجاهل التام، حتى بالشكر والرفض المهذب. لماذا هذا الموقف الغريب والبغيض وغير المسؤول؟
لم يكن بمقدور تبون والطغمة ان يرفضوا التدخل الفرنسي المباشر، لأنهم يعلمون موقف ماكرون السياسي العام في هذا الموضوع. فهو الذي دعا في السنة الماضية الى تدخل دولي لمواجهة حرائق الأمازون، ضدا على موقف الحكومة البرازيلية اليمينية، وقاد حملة ضغوط دولية تحت مبدأ ان الغطاء الغابوي للأمازون ليس ملكا للبرازيل وحدها، بل هو من صميم الإرث المشترك للإنسانية جمعاء بالنظر الى دور هذه الغابة في التوازن البيئي على كوكب الأرض.
ما لم يصرح به ماكرون حين أعلن تدخل بلاده للمساهمة في إطفاء حرائق الجزائر، هو ان الحكومة الجزائرية لا تملك لوحدها العبث بالثروة البيئية التي توجد في عهدتها. لهذا فهم تبون الرسالة (أو ربما تم إفهامها له بالخشيبات عبر القنوات الديبلوماسية) فلم يجرؤ على العنتريات المألوفة له ولمن معه إزاء فرنسا في اوقات الرخاء الديبلوماسي. يمكن القول إن طغمة الجزائر اليوم قبلت ان تضع نفسها ضمنيا، تحت الوصاية الفرنسية، لا أقل ولا أكثر.
ولأننا لا نتوقع بلاهة(أو ربما صفاقة) سياسية أكثر من هذه التي يتصرف بها تبون ومن معه، فقد فاته ان يتوخى ضرب عدة عصافير بحجر واحد، لو كان سياسيا محنكا، وذا طوية صافية:
* فاته أن يغطي على الوصاية الفرنسية، وتبعاتها، ببقية من كرامة (لو كانت موجودة)، من خلال الترحيب بالدعم المغربي، على الأقل حتى لا يكون مضطرا لتفسير قبول تدخل فرنسي مفروض، ورفض دعم مغربي معروض.
* وفوت على نفسه اغتنام الفرصة التي عرضها عليه المغرب مرة أخرى للشروع في تكسير الجليد بين البلدين والتحرر التدريجي من المواقف العدائية التي ظل يغذيها إزاء جاره الغربي منذ سنوات.
وفوت على نفسه فرصة الظهور بمظهر البطل المنقذ الذي يعرف كيف يطوي الصفحات العكرة من اجل الوقوف الى جانب شعبه في محنته بأقل الخسائر وبأكبر الأرباح، ويعلن بشجاعة أن اولوية الأولويات هي إخماد النيران، لصالح الحفاظ على ثروات شعبه والثروة البيئية للإنسانية ولمنطقة البحر الأبيض المتوسط..
* وفوت على نفسه فرصة عدم السماح لعدوه الغربي بتسجيل مزيد من النقط الديبلوماسية الإيجابية على حسابه والظهور بمظهر النازع نحو السلم لوحده.
ولا شك ان هناك لائحة أخرى من الفرص ضيعتها بلاهة سلوك تبون السياسي في خطابه عن النيران.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد