“شيء من الجنون يكفي” ديوان الشاعر عبد العزيز المنتاج الأول، وباكورة أعماله الإبداعية، الذي صدر مؤخرا في طبعته الأولى عن منشورات النورس، يتوزع على 142 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم تسعا وستين قصيدة تعمد الشاعر عدم ترتيبها زمنيا، كلها بوح واعتراف يحمل فيه رصدا للموت والحزن وسوداوية النهايات… محاولا استنطاق شواهد القبور، وإعادة دورة الزمن أو على الأقل توقيفها ومساءلتها عما وقع، وكيف سُلّت الأحلام من أعين الحالمين لتتحول إلى مآسي و أحزان… متكئا على أساطير لا تفارقنا مثل سيزيف، لوركا، المتنبي، الحلاج، قابيل، حنظلة، سالومي… وعلى لغة شفيفة تشير وتلمح، قبل أن تقول الأشياء وترسم معاناة الذات الشاعرة المتقلبة على صفيح ساخن في خضم قضايا وجودية مؤرقة.
لجوء الشاعر المنتاج إلى الرمز هو محاولة للإمساك بالمعنى في تعدده وتفرده وبث الحياة في خلجان اللغة الموقعة عبر التوازي ولعبة البياض والسواد والمزاوجة بين الجمل القصيرة والجمل الطويلة، يبدو الرمز في “شيء من الجنون يكفي” منفلتا من أسر الزمن، كأننا نعيش الماضي في تجليات أكثر مرارة وحزنا، إذ المشَاهِد تعاد و تتكرر كأننا بلا أمل ننام..
تطغى على قصائد الديوان تيمات كثيرة متعددة ومتنوعة، أبرزها الحزن والجنون وخيبات الأمل، والبحث عن الخلاص في طلب الموت واستعجاله… وأسئلة وجودية مرتبطة بالقيم، وداعية إلى التسامح والعيش في سلام، كتلك القصيدة التي جاءت على لسان هابيل، في إشارة إلى استمرار سفك الدماء حتى يومنا، هذا علما أن القاتل والقتيل ليسوا سوى إخوة…
يقول فوكو “في كل ثقافة هناك تجاوز للغة، قد يكون الجنون واحدا منها… فالجنون لغة أخرى” ويبدو أن ديوان عبد العزيز المنتاج “شيء من الجنون يكفي”، يركب الجنون مبنى ومعنى ما دام الجنون اختلافا، خاصة أنه لا يقوم على نظام محدد، ولا يخضع لا لترتيب زمني ولا لانسجام غرضي، إذ لم يتردد الشاعر في وصف الطلل والبكاء عليه بشعر حر، وفي عصرنا الحالي، أو دعوة امرأة إلى التحرر من كل ما عليها، أو مناجاة الموتى أن ينتظروه ، ليعلن هروبه من هذه الحياة، ومما حوله من قبح، فلكي نعيش لحظاتنا هذه، دون أن نبكي أو نتألم، لا شك أننا سنحتاج إلى شيء من الجنون، وهذا الشيء القليل من الجنون، بالنسبة للشاعر عبد العزيز المنتاج يكفي للعيش والإبداع.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.