عبد السلام خلفي : ذكريات جميلة مع المرحوم دا الدغيرني

أزول بريس – من الذكريات الجميلة مع دا الدغرني، رحمه الله، أنه في سنة 1996، كنت مع جماعة من الحاصلين على الدكتوراه معتصمين في الاتحاد المغربي للشغل. وبعد أن قضينا بعض الشهور معتصمين تحت تهديدات وحصار العسكر وقوات التدخل السريع، قررنا أن نستقر بالمعتصم نهائيا، فإما الشغل وإما الاستشهاد. في تلك الفترة شكلنا عدة لجان منها لجنة الثقافة. وبما أنني كنت مناضلا في الحركة الأمازيغية انذاك وكنت أعرف المرحوم السي أحمد الدغرني حق المعرفة، فقد كنت استدعيه ليلقي بمقر الاتحاد محاضرات ومداخلات عن الأمازيغية وثقافتها. ولازلت أتذكر ان يوما استدعيته، ولما انهى محاضرته اخذ الجمهور (كان بالمقر آنذاك أكثر من 100 دكتور) يطرح أسئلته. فاكتشف إن أغلب هؤلاء امازيغ ينتمون إلى المناطق الأمازيغية. فأخذ الكلمة مرة أخرى وقال لهم:
-انني الاحظ ان اكثركم امازيغ. أين هم الآخرون أبناء المدن العريقة؟
ثم أطلق ضحكة، وقال لهم:
– انتوما كامبو، لو كان درتو حزب ديال التكنوقراط الأمازيغ ودخلتو الانتخابات، كنتو دابا برلمانيين ووزراء، وتردو الاعتبار للامازيغية… ولكن ما دمتم بغيتو تخدمو اوصافي ما عمركم تطفروها..
وعندما خرجت معه إلى شارع محمد الخامس، سألته ما إذا كان صادقا فيما قاله، فكان أن قال لي:
-ايمازيغن خاصهوم اتعلمو باش اديرو السياسة، وايلا ما داروش السياسة ما عمروهم اتعلموا..
بعد سنوات سيطرح السي الدغرني مشروع الحزب السياسي. هل كان محقا في ذلك؟. التاريخ هو الذي سينصفه، هل كان محقا ام خاطئا. لكن الحقيقة الأخرى هي أن السي الدغرني أثر عميقا في الحركة الامازيغية، وسيكون من الصعب أن ينسى بسهولة.
أواخر سنة 2000 زرت المرحوم دا الدغيرني بالرباط. كان ذلك أحد أيام الآحاد. وجدته ينتظرني عند باب العمارة حيث يوجد مكتبه الذي ظل يتخذه لسنوات طويلة مقراً لاجتماعات الشباب من الحركة الثقافية الأمازيغية الذين كانوا يأتونه من جميع أصقاع المغرب. لقد كان مبتهجاً ذلك الصباح. سألني عن أحوالي بالجامعة (يقصد جامعة الأخوين التي كنتُ أستاذا بها). أخبرته أني تمكنتُ مع الصديق مايكل بيرو من تأسيس مجموعة بحث أمازيغية وأننا سنعمل على تنظيم بعض الأنشطة داخل الجامعة في إطار تمسمونت الأخوين التي عملنا أيضاً على تأسيسها بمساعدة طلبة الأخوين. قال لي وابتسامة عريضة على محياه:
– إيوا غير هادي غادي نشربو عليها شي قهوة…
اتجهنا إلى مقهى باليما. في الطريق التفت إليّ وقال لي:
– قول لي.. ما رأيك في تأسيس إطار سياسي ديال إيمازيغن؟
فاجأني سؤاله. قلتُ له:
– السي الدغيرني، راه الأمازيغية أكبر من إطار سياسي.. من حزب… راها مشروع مجتمعي كبير، أوخص جميع الأحزاب تتبنى هذه القضية، وتكون في البرامج ديالها… راه إلى درنا الحزب غا نقزمو القضية.. أو زايدون ما عندناش النخب الكافية باش نديرو هاد الحزب… ما عندنا لا نخب سياسية ولا نخب اقتصادية ولا نخب ثقافية… عندنا شباب معطل وأساتذة جامعيين ومحامين بحالك و…
التفت إلي وقال لي:
– شوف نقول لك .. راه إلى ستنيتي الأحزاب السياسية إيديرو ليك الأمازيغية والله لا طفرتيها… واش اللي معشش فيه الفكر القومي يمكن إفكر كيما كتفكر نتا…
واصلنا المسير… وفجأة قال لي:
– بغيت نكول ليك راه هادي هي الفرصة ديال إيمازيغين.. راه في العهد السابق ما كانش ممكن نديرو شي حاجة للأمازيغية، ولكن دابا إييه.. الحركة الأمازيغية إلا بغات تكون فاعلة من داخل الدولة وتقدم شي حاجة للأمازيغية والبلاد ديال إيمازيغن، خاصها تتنظّم، قبل ما تدوّر الدولة على شي تنظيم آخر باش يحكم معاها… راه معندناش الوقت.. خاصنا نتحركو، وإلا راه تدوز عامين حتى تلات سنين تكون الدولة ضبرات على لي يحكم معاها…
وأنا أستمع إلى السي الدغيرني، أذ ث إرحم ربي، تذكرتُ ذلك اليوم الذي رجع معي في سيارتي من أكادير حيث اجتمعت لجنة البيان الأمازيغي والعديد من الأطياف الأمازيغية. ففي الطريق، وكان معنا السي أوعاس أحمد، حدثنا عن سان أوجستين الذي اضطر إلى أن يتعامل مع المخزن الروماني لكي يؤسس لمزوغة دينية في شمال إفريقيا. وحدثنا أيضا عن الخوارج الذين بدورهم أرادوا أن يؤسسوا لمزوغة دينية إسلامية. لقد كتبتُ مقالاً عن هذا الموضوع آنذاك نشر على صفحات العالم الأمازيغي، تساءلتُ فيه عن نوعية الفكر السياسي الذي يطرحه السي أحمد الدغيرني. هل بالفعل يمكن استلهام النماذج التراثية التاريخية في التعامل مع إشكاليات الهوية في علاقتها بتكتيكات السياسة؟ ربما قد نجد شذرات أوضح في كتاباته الأدبية (رواياته عن ابن تومرت وابن علي الكومي ومدينة الفناء). فهو عندما يتحدث عن النموذج الديموقراطي الأمازيغي الذي استلهمه ابن تومرت عادة ما كان يتحدث عنه بوصفه إحدى مرجعيات العمل السياسي الذي أسس من أجله حزباً تم منعه. في إحدى اللقاءات الفكرية بالحسيمة بدايات التسعينيات حدثنا عن هذا النموذج السياسي واعتبر ما سيأتي بعده انتكاسة للديموقراطية الأمازيغية.
وأنا أكتب هذه الشذرات تذكرت كذلك ذلك الاجتماع الذي جمعنا بمنزل محمد شفيق للتوقيع على بيان الاعتراف بأمازيغية المغرب. لقذ كان الحضور كثيفاً، وكان المرحوم الدغرني جالساً إلى جانبي. من ضمن الحضور أيضاً كان المرحوم عبد الحميد الزموري أحد الموقعين. في ذلك اليوم بدا لي السي محمد شفيق غاضباً لأن البيان الذي كان من المفروض أن يتم إرساله الى الوزير الأول عبدالرحمان اليوسفي تم تسريبه إلى القصر الملكي. من فعل ذلك؟ كل الأنظار توجهت إلى المرحوم الدغيرني. لم ينبس ببنت شفة، ولم يقل شيئاً. وعندما خرجنا، سألته. قال:
– آش إيدير ليكم اليوسفي؟ سيرو للدار الكبيرة …
فهل بالحزب كان يمكن للأمازيغ أن يدخلوا للدار الكبيرة؟
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد