شعوب ودول شمال أفريقيا والشرق الأوسط: ذاتية وتخلف وطمع الحكام
ما زالت تعيش شعوب ودول الشمال الأفريقي والشرق الأوسط بل تترنح بشكل متفاوت نسبيا، في قاع سلم الثقافة والحضارة ألذي وصلت إليه الإنسانية.
فهي مازالت تحلم بحضارة قديمة ودفينة في الماضي ولم تدرك أن شعوب العالم المحيطة بها دخلت مرحلة الحداثة وتعيش في نهاية الربع الأول من القرن الواجد والعشرين بل إن الكثير منها تجاوز مرحلة الحداثة ودخل مرحلة ما بعد الحداثة, بينما هي ما زالت تعيش في القرن السابع وما زالت تتغنى بغزوات العرب الذين جاؤوا من بوادي شبه الجزيرة العربية ومازالت تنادي بالرجوع إلى ماضي قام على الغز وسبي النساء والأطفال واستباحة الأراضي…
هذه البلدانِ، التي لم تدخل بعد عصر الدول والأوطان التي بنيت وأسست على مفاهيم الحداثة، “ما زالت تنادي بالفكر القبلي المتخلف وتعتز بما يسمى الأمةُ* الواحدة المنتمية إلى كذبة “العروبة” بالرغم من اختلافاتها الإثنية والعرقية، حيث يتواجد الأكراد والبابليون والآشوريون والتركمان في الشرق الأوسط والأمازيغ والطوارق والتبو والأفارقة في الشمال الأفريقي وتعرضت شعوبها إلى ثقافات وحضارات مختلفة ظهرت وازدهرت في البحر المتوسط وأسيا..
هذه البلدان لم تذرك بعد بل ولم تقبل ما يطرح من أفكار ونظريات جديدة وحديثة لمفهوم الوطن وما يمليه هذا الوطن من بعد للمواطنة والمواطن وما له من حقوق وما عليه من واجبات. مازالت هذه البلدان تحكم بالعقلية القبلية والطائفية وزمام الأمور يتم حله من طرف “رئيس الدولة أو الملك” أي بطريقة شيخ وعقلية شيخ القبيلة “الأب الذي لابد من طاعته” وليس بالنقاش والحوار السياسي الديمقراطي بين أحزابها السياسية في البرلمانات وتنظيماتها النقابية الديمقراطية….وهي ما زالت تغط في سبات عميق بأحلام لماضي عتيق…
يرجع هذا الفكر السائد أساسا إلى تبني الفكر الأحادي ” بشكل متفاوت بين هذه البلدان” هذا الفكر الذي لا يعترف ولا يعرف ماهي فكرة الأوطان التي أفرزتها الحداثة وينتمي إلى الفكر القومي الكاذب الذي ينتهي إلى الفاشية كما هو الحال مع كل فكر قومي وليس القومية العربية فقط.. وللأسف أنه حتى بين من يسمون أنفسهم “يساريون أو حتى ” تقدميون” أو حتى “ماركسيون” نجد أنهم مازالوا تحت التأثير القومي العروبي بل إن هذا التأثير يحد من إمكانية تحررهم من الماضي المتخلف ويبقيهم سجناء الفكر القومي السائد في منطقتي الشرق الأوسط والشمال الأفريقي.
هذه البلدان وبالذات التي تقع على شواطئ البجر الأبيض المتوسط تتنكر حتى لانتمائها المتوسطي ولا تعترف بأنها بلدان متوسطية، خوفا من أن تتهم بأنها تنكرت لـ “عروبيتها” و”إسلامها”؟؟؟ مع أن الانتماء الديني هو أولا وقبل كل شي ارتباط شخصي وذاتي ولا يتعلق بالإنتماء والهوية الوطنية وموقع الوطن الجغرافي…..ينتمي الإنسان المؤمن بالخالق ويرتبط به روحيا وذاتيا…والارتباط بالدين ليس له علاقة بالارتباط بالوطن…..إن الخلط بين الارتباط بالدين والارتباط بالوطن هو منطلق غير صحيح وغير صائب لأن هذا الارتباط يعمق الفكر الأحادي والذي سيؤدي إلا تبني الفاشية لأنه يفرض الفكر الواحد وينكر التعددية.. فالأوطان التي ظهرت مع الحداثة والعلمانية تعتمد التعددية لديمقراطيتها هذه التعددية التي تفتح الأبواب لحرية المعتقد وحري الانتماء السياسي والحزبي والفكري الثقافي وتعترف بتعددية المكونات العرقية والأثنية للمجتمع.
هذا ما جعل الصهيونية أيدولوجية فاشية لأتها ربطت إنشاء دولة إسرائيل بالديانة اليهودية، وهكذا أيضآ نجد إنسجام أيدولوجية القومية العربية في ذات السياق في ندائها لما يسمى “الوحدة العربية الشاملة”… ونجد هذا أيضآ في فكر الإسلام السياسي وعلى رأسه فكر الإخوان المسلمين….ألأوطان التي تتبنى الحداثة تتبنى هوية ذات طابع طبيعي وجغرافي لا عرقي ولا ديني لأنها تتبنى التعددية وترفض الفكر الأحادي.
لا شك أن ما جاءت به فترة ما تسمى “التحرر الوطني” في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الفارط في منطقتي الشمال الأفريقي والشرق أوسطي من انقلابات عسكرية بديكتاتورياتها ووصولها إلى الحكم أو ما كان يسمى “حكومات البرجوازية الوطنية” زاد في تعميق الفكر الأحادي الذي زاد من إنتشار البرانويا والخوف والإبتعاد عن تطور الفكر الإنساني في العالم حتى أنه سمي “الفكر الآخر” و”الفكر المستورد” وبذلك زادت ربكة الأمور وتفاقمت على الصعيد الإجتماعي والسياسي والفكري.
لم ينتج عن هذه الانقلابات العسكرية وعسكرة الأنظمة السياسية ولا تدخلات الجنرالات في تحديد من يتولى الحكم فيها غير الفشل الذريع الي أن أدى إلى إنهيار الإقتصاد والصخة والثقافة وتفشي الفساد وإنتشار الرشوة, ولعل ليبيا خير مثال لنا في ذلك.
ولعل خير ما قاله الفيلد مارشال أو “المشير” مونتغومري الذي هزم روم الألماني في أحد أهم المعارك التي أدت إلى إنهيار النازية والفاشية عندما حاول “تشرشل التدخل في بعض الأمور العسكرية “دع السياسة للسياسيين والعسكر للعسكرين.”
واليوم وفي ليبيا نجد العقيد حفتر والذي تمت هزيمته النكراء في التشاد عندما حاول مع القذافي إستعمارها في عام 1988 يعين نفسه “مشيرآ” لمجموعة من العصابات ويسميها “الجيش العربي الليبي” ويصبح بيدقآ في يد “المشير” المصري ودولة الإمارات لتنفيذ مخططاتهم في ليبيا ويدعى أنه يقوم بمحاربة الإرهاب.. ويقوم في نفس الوقت “المشير” المصري وبعد توليه رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية بإتخاد قرار “أن الأزمة الليبية لابد أن تحل أفريقيآ”، بالرغم من أن هذه المنظمة لم تفلح منذ نشأتها في حل أي أزمة في أفريقيا. ويقوم “المشير” المصري خلال مؤتمر “عربي” أوروبي عقد الأسبوع الماضي بالدعوة لإيجاد حل مشترك للأزمة الليبية. ويحضر هذا المؤتمر المهندس السراج رئيس حكومة الوفاق الليبي والذي هو بيدق آخر في يد المليشيات المسيطرة على طرابلس والمتضامنة مع جماعات الإسلام السياسي ليلقي كلمة لا يفهم منها أي طرح سياسي سوى إرضاء إيطاليا والميليشيات التي تلقى دعمها من دولة قطر ونركيا. ويلتقي بعد هذا البيدقان في دولة الإمارات ليعلنا أن الحل هو القيام بالانتخابات!!! الانتخابات هي لا شك ما يطلبه وطالب به الليبيون ولكن هاذان البيدقان يصران على البقاء في منصبيهما بقاء أبدي..ولماذا اختيرت دولة الإمارات الممولة والداعمة للمشير حفتر؟؟ ألم يكن ممكنآ الوصول إلى هذا الإتفاق في ليبيا؟ أم أن تعليمات خليجية هي التي خططت لهذا لغرض الذي لا نعرفه؟؟
هاذان البيدقان ومن معهما، بدلا من توليهما أمور ليبيا وحل أزمتها حقيقيآ نجدهم يلهثون وراء مصالحهم الذاتية ويبتعدون كل البعد عن طريق حل أزمة الشعب الليبي وبناء ليبيا الوطن وتمهيد طريق الديمقراطية الذي من أجله قامت انتفاضة 17 فبراير.
*محمد شنيب/ طرابلس/ مارس 2019
*كنت قد تعرضت في مقال سابق لتوضيح وجهة نظري في الفارق بين مفهوم الأمة ومفهوم الوطن, وبينت أن مفهوم الأمة هو مفهوم قديم ولا يمت للعصر الحالي ويختلف عن مفهوم الوطن الذي جاء مع ظهور العلمانية والحداثة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.