سوريا: ” اختراق المتاريس”

أزول بريس- متابعة : سعيد الهياق//

” إن متعة النص هي تلك اللحظة التي يبدأ فيها جسدي ملاحقة أفكاره الخاصة ” رولان بارت.

تأملات في ما يتوارى خلف ظلال عتبة النص: حيث يُمكننا اعتبار العتبة وما يترتب عليها من مؤثرات دلالية بمثابة إشارات مُحملة ببصمات غادقة في مُعادلة التفاعلات التي على أساسها تبنى النصوص التي يُمكننا إدراجها في خانة النصوص المُتكاملة وفقاً لعلم الكتابة.
ولنأخذ عنوان النص ( كش ملك ) للشاعرة ليلى الصيني نموذجاً:
الناسوت الذي يطل بكامل شغفه على سهول الدهشة الموغلة بالجمال الملفوف بملوحة الدمع الذي يبث صدى فعل المُكاشفة المُرادفة لفعل المُلامسة عبر دهاليز الشغف المكنوز خارج أرحام الموتى.
هُنا تطل المُبدعة الدكتورة ليلى الصيني عبر هذه الواحة من خلال نصها المعنون ( كش ملك ) وهنا سنسير إلى العتبة دون المجازفة في العبور إلى ما وراء فعل الصدى أي أوراق النص الدقيقة لنقرأ النص معاً:
كش ملك
…………
صباح مشرق يستقطب آلاف العصافير
لتتلو أنشودة المطر في حضرة الشمس
وتبدأ رحلة الفرح في خاصرة الوقت
فحفيف الورق الأخضر يطرب الريح
يتغلغل في عمق النشوة فصلا من فصول العشق
تلك البحيرات الممتدة على طول المدى
تغزل من ريش النوارس أجنحة
ليحلق الحب طائرا برغم أنف المارقين
وليسحر الألباب صوت القصيد برغم الصمت
ورغم حرفي المبهم .. المكتنز بألف عبارة
تسللت قصيدتي سيفا بغمد الرؤى
فمثلي لا يخون الملح ويعرج على الأكتاف
ولا يعرف التملق للفعل الماضي
وأكره السير على الأشلاء
فالخنساء آية ما كانت مملوكة
أو صعلوكه
ولن أكون إلا شهرزاد يغفى على صوتي الملوك
فقصيدتي حديقة عامة … وقلمي مشاع
يقلب وجهها من يشاء وسنبلاتي ينثرها المساء
أيها القابعون خلف المنصة في كواليس الانتظار
لتعلموا أن الرواية قد انتهت
والنجوم قد غادروا خشبة المسرح
ابقوا في الظل لملموا أوراق التذاكر التالفة
ولتطفئ الأضواء….. مات الملك.
نهاية النص.
هُنا يُمكننا أن ندرك أبعاد فعل الإشهار كش ملك أي مواجهة العمق ومحاولة تطوير ماهية الذات, وهنا يتعلق الأمر بكائن أنثوي قائم في نسيجه الداخلي على ركائز عاطفية ترتكز على بؤر الغرائز المحورية التي تُحصّن وتحدد كيمياء الجسد بالنسبة لأي أنثى, والتي بدورها تجد منظومة من التابوهات التي تحول دونما المساس بها، ولكن الشاعرة ليلى الصيني تُمارس نوعاً من العصيان على الموروث بالنسبة للمرأة. فعندما تُعلن مواجهة إحدى الركائز الأساسية فهي تجتهد لتوازن المُعادلة بفك الارتباط مع أحد أعمدة الكينونة والبحث عن مساحات جديدة لبدائل تُناسب فعل التمرد على الروح والجسد معاً.
ففي ماهية العلاقة ما بين اللاوعي لدى الشاعرة والسلطة الاجتماعية، ثمة تفاعلات وتباينات تفضي في أحايين مُتفرقة إلى مشاريع هُدَن قد تتحول إلى فسحة كيميائية تُنشّط خانة الاحتواء في جوف الذاكرة. وفي الرواق الآخر ثمة ملامح تتوارى ومن مسافات متقاطعة في تلاقيها الشفيف مع معظم المحاولات الثائرة لاستعادة مصادر ذاكرتنا العميقة. وفي السياق الصارم للصراع الداخلي في أعماق الذات تتبلور أحجام ما أُنجز وما هو قيد التحقق. إضافة إلى ما يُمكننا إدراجه في خانة الأمنيات.
ليلى الصيني تبحث عن تجديد الخطاب الحسي مع ذاتها وعبر الكشف الندي لملابسات تفكيك مصادر الذاكرة وحتى ذلك الصراع الأزلي ما بين الحياة والموت.
هنا نصل إلى سؤال موجه بذاته: هل الدلالة بمعظم تشعباتها والتي تستحضر هنا عبر عملية كش ملك تستحق منا المجازفة واختراق المتاريس المُتعارف عليه والموروثة في تراثنا. والبحث عن انزياحات مؤثرة في أجواء الكينونة والتي تُعد بوابة العبور إلى بذور مصادر ذاكرتنا العميقة ؟!

بقلم : محمّد مجيد حسين

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد