حين كان الفأس أهم من المال

وأنا أطالع كتاب “الهجرة إلى الشمال، سيرة تاجر أمازيغي” لمؤلفه جون واتربوري (1972) والمترجم إلى العربية من طرف عبد العزيز عزوزي، عن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (2020).

أثارني كيف كان يصف التاجر الحاج ابراهيم أهله السوسيين، خاصة من قرى وادي أملن، وعلاقتهم بالتجارة وبقراهم الأصلية وخصوصا القيم التي كانت تحكم منظورهم للعالم وعلاقاتهم الإنسانية سواء بينهم أو مع غيرهم خاصة اليهود المغاربة الذين كانو يسيطرون على التجارة بالجملة ويسيطر السوسيون على التجارة بالتقسيط في تقسيم رائع للأدوار.

ومما يثير الإنتباه هو قيمة التنافس الشريف والتفاني في العمل والثقة والإرتباط بالقرية الأصلية ومساعدة المبتدئين لولوج المجال، ثم ممارسة البعض للسياسة دفاعا عن مصالح تجارة أبناء جلدته. فأي درس يجب استخلاصه من رجوع سوسي مشيا على الأرجل من وجدة وحاملا فأسه ليحفر به بئرا في قريته الأصلية؟

أليس ذلك تعبيرا عن حب البلد وتضحية من أجله ودعوة للعمل الجاد ذون اتكالية ومساهمة في التغيير بالمبادرة والعمل.

حينها نطق السوسي بالقول “الفأس بالنسبة لنا أهم من المال”، وفي هذه الجملة ما يكفي من القيم إن فهمت فهما جيدا، فهي تحتضن كل معاني العمل والتفاني. فالتوفر على الفأس قد ينتج الثروة حسب مفاهيم اليوم، في حين أن تكديس الأموال قد يخلق أزمات تضر الجميع.

أستحضر وأنا أقرأ أقوال التاجر الحاج ابراهيم وتجارب العديد من رجال الأعمال السوسيين في نفس السياق النقاش الدائر اليوم حول “النموذج التنموي الجديد” وعلى أي قيم يجب أن يقوم ليكون فعالا.

أكيد لا يعيد التاريخ نفسه، ولا يمكن إعادة إنتاج تجارب الأولين بنفس الطريقة لاختلاف السياقات، لكن يمكن الإستفاذة من تجاربهم وخاصة القيم التي كانت تحكم سلوكاتهم ونظرتهم للعالم بدءا بالدوار والقبيلة والعشيرة والمدينة ثم الوطن فالعلاقة بالآخر المختلف ثم العمل السياسي وأهميته.

أمام غياب الوعي بهذه القيم سيقول البعض من جيل اليوم “سأترك لك الفأس فاعطيني أنت المال” وهنا مربط الفرس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد