لحسن طالبي مربي الأجيال والفنان الإنسان

 

بقلم الفنان عمر أيت سعيد //

كم كان الحظ حليفا لنا في طفولتنا، بين ربوع الواحة أطلت سعادتنا ، بين الربى والحقول سطعت شمسنا بأثوابها الذهبية وفي مدرسة ” خميس دادس ” كان لنا لقاء مع أستاذ الألوان والجمال الفنان سي لحسن طالبي برفقة زملائه الذين يشكلون ثلة من المدرسين العظام ، الذين شكلوا سويا فريقا منسجما معطاء صنعوا الحدث وبنوا منا أجيالا من الأطر والكوادر قدموها للمجتمع بتضحياتهم و عملهم المنير .

سي ” لحسن طالبي ” كان من بينهم نجما ومدرسا غير عادي، كان مدرسا أنيقا ،وتميز بنكران الذات ومحبا للنجاح الجماعي ، حاول التأسيس بمعية إدارة تربوية عالية المستوى بقيادة “”سي عسوا الغزيل ” عليه سحائب الرحمة والمغفرة، وأصدقائه حيث استطاعوا أن يخلقوا لنا جوا من التعلم الإيجابي والتربية والاحتضان للجميع .
منذ 30 عاما كنا كالعصافير الصغيرة التي تحتاج الى تعلم كل شيء بدءا بالمشي الى الجري ثم التحليق الى المدن المجاورة لإتمام المسارات الدراسية ، كنا في حاجة الى أعشاش تستر عيوبنا ،ونقائصنا ، كان آباؤنا بصفة عامة لا يفقهون الشي الكثير في العلوم واللغات ، لكن الفريق التربوي الذي يترأسه سي الغزيل وهيئة التدريس أمثال سي لحسن وأخرون كانوا لنا حضنا رحيما ومعطاء .
عشنا فصولا دراسية ربيعية رغم البرد والفقر والهشاشة الاجتماعية لكن الجميل في قريتنا أن الكل تقريبا كان يأكل نفس الوجبات ، نفس الأسلوب في اللباس، وذلك يجعل الجميع في كفة واحدة. كانت مدرسة ” خميس دادس” شرارة للعلم والعطاء والاجتهاد وكانت مبادرات سي لحسن تبهرنا كل مرة ، فحينما فكر بمعية زملائه الأساتذة بناء مسرح إسمنتي داخل المدرسة . فرح الجميع لأن المسرح رمز وكنز يحبه الجميع فهو أبو الفنون .
كانت طموحات سي لحسن عالية جدا. كان بنوي بناء الطفولة ليس فقط في الجانب المعرفي والعلمي لكنه كان يسعى الى بناء شخصيات الأطفال نفسيا وحركيا ومهاراتيا ، من أجل شخصيات تتجاوزسقف الأمية لترتقي وتسمو بفضل التوازن المعرفي والوجداني والنفسي . بعد فكرة المسرح الإسمنتي التي أدهشت الجميع فكر سي لحسن في أشياء كثيرة ونستعرض هنا بعضا منها فمثلا كيف يمكن أن ننسى قصة فاكهة ” الخوخ الأحمر” الذي زرعه بمعية الأطفال حيت ثم زرع الكثير من شجيراتها وسط ساحة المدرسة ، وقام بالاعتناء بها بمعية الأطفال وسقيها المنتظم حتى أينعت الفاكهة ونضجت وكانت المفاجئة في زوال أحد الأيام كلف ”سي لحسن أحد التلاميذ ليوزع ويتقاسم مع تلاميذ المدرسة ثمار فاكهة الخوخ اليانعة، يا لها من لحظة رائعة تلك التي عشنا فيها لحظة التقاسم والتضامن والعيش المشترك. لحظة أسعد فيها الأستاذ الجميع تلاميذ وتلميذات أمهات وأباء وبصم بصمته بربط الجميع بالجذور وبالأرض المعطاء …
كيف لنا أن ننسى ” جرة الماء الكبيرة ” التي كان يحضرها ‘سي لحسن ” الى قسمنا وفيها ماء صاف لنشرب بهدوء حينما نحس بالعطش، وحينما يحل فصل الشتاء لا يبخل علينا بإحضار بقراج من الماء الساخن لكي يدفئ البارد من الماء لكي ننعم بالشرب المريح والصحي. هي لمسات إنسانية تبدو بسيطة لكن دلالاتها وعمقها تخترقان الوقت والزمن وتحيلان على علو كعب الأستاذ في إنسانيته ورحمته بالطفولة الناشئة .
هو أستاذ ومدرس غير عادي، هو فنان، كيف لنا أن ننسى ذلك القسم الذي زينه وخلق فيه عالما من الجمال، ذلك القسم بألوانه وبرسوماته التي تحمل قططا مبتسمة وأشكالا هندسية مبهرة ، وقصصا تؤثثه وصفوفا من الطاولات. كان كل صف يحيل على محصول من المحاصيل الزراعية ، صف للشعير أخر للقمح وأخر للذرة فمن اجتهد من التلاميذ حل بصف القمح معززا ومن كان مستواه التحصيلي متوسطا حل بصف الذرة أما من تهاون فمأواه صف الشعير كضيف غير عزيز الى أن يعود الى رشده ويجتهد أكثر فاكثر كي يرتقي من جديد الى الصفوق الأمامية، أستاذ جعل من القسم عالما إيكولوجيا قبل أن تظهر أفكار الإيكولوجيا في المنظومة التربوية المغربية فخلق لنا من القسم عوالم للطبيعة والجمال ….
كيف لنا أن ننسى حينما كنا نرسم قصبات والمسطرة في أيادينا وهو يقول موجها لنا ” يا أبنائي : ” الرسام الحقيقي لا يحتاج الى مسطرة ففي عيونه كل المقاييس و الموازين …”
كيف لنا أن ننسى حين كان يأخذ تلك الكرة الجلدية ،المزركشة ،الجميلة، الصغيرة فيخبرنا أنه يمكنه أن يصاحبنا الى الوادي عبر طريق الحقول المزهرة ، الى وادي دادس الجميل، فتغمرنا الفرحة لأننا كنا نعلم أننا سنقضي برفقته ساعات للعب والمتعة …
كيف لنا أننسى حينما يطلب من أحدنا دون حرج أن يساعد فقيرا من التلاميذ بنحو راق ، لأنه فنان وإنسان يحب لنا الخير ويرجو الفلاح والصلاح للجميع .
وفي الختام ونحن على يقين أن كل تلميذ يملك في جعبته الكثير من الذكريات الجميلة ليحكيها في حق سي لحسن، وفي حق كل الأساتذة الذين بذلوا مجهوداتهم ليساهموا في تعليمنا وتربيتنا. أما الآن وقد تم إحالتكم على التقاعد فكن مرتاحا يا معلمنا وأستاذنا فقد كنتم نعم المدرس ونعم الأب والرفيق، لقد بنيتم فينا رأس مال رمزي نفتخر بكم ولا شك ستفتخرون بنا أنتم وكل أصدقائكم من الأساتذة والمديرين الذين اشتغلوا بمعيتكم.
ونحن أبناؤكم لا يسعنا إلا الدعاء لكم بكل الخير ونشكركم جميعا على عطائكم وحسن تحملكم للمسؤولية .
بقلم ذ.الفنان عمر أيت سعيد

 

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد