حالة انسانية

    

محمد الزعماري
محمد الزعماري

فوجئت به هناك في ركن منزو على قارعة الطريق المؤدية إلى دار الحي الزيتون بتيكوين، جوار منزل في طور البناء ،جلس وحيدا بجانبه قارورة  مشروب غازي وبين يديه زجاجة كحول يحاول فتحها استعدادا لتناولها بعد مزجها بما في القارورة . أخذت مسافة منه مبتعدا وتجنبا لأي رد فعل منه غير محسوب العواقب، وهو ما كان حيث نطق بلغة عربية فصيحة قائلا:لا تخف، فانا مواطن يحب هذا الوطن حتى النخاع.أثارت هذه الجملة منه انتباهي وبدون شعور توقفت ورفعت يدي محييا كما يقف الجندي محييا العلم،ثم اقتربت منه مادا يدي مسلما ومعبرا عن اعتزازي بكلامه وبهذه العبارة التي لا يتوقع الكثير من الناس أن يسمعوها من شخص في مثل هذه الوضعة.

        ارتاح لالتفاتتي وكرر مرة ثانية كلامه قائلا:صدقا أحب هذا الوطن رغم ما أعيشه من ظروف، فانا لست سكيرا،أنا مريض احتاج إلى علاج نفسي،فانا مدمن ولست متسكعا أو منحرفا،أنا بحاجة إلى العلاج ،ألا استحق العلاج؟.أبديت اهتمامي بكلامه ، وهو المحتاج لمن ينصت إليه ويحترم إنسانيته، فاستطرد قائلا :أنا يا سيدي لست سكيرا،فانا أستاذ مادة الفلسفة،ولظروف أصبحت مدمنا على شرب الكحول ،فانا مريض واحتاج إلى العلاج، أليس لي حق المواطن في العلاج،هل يعقل أن تتخلى عني الدولة بعد أزيد من ثلاثين سنة من العمل؟ أليس من واجب وزارة التربية الوطنية أن تساعدني على العلاج عوض توقيفي لمدة ستة أشهر بعد عرضي على أنظار المجلس التأديبي؟وما مصيري بعد انتهاء المدة هل سيكون بإمكاني العودة إلى عملي وأنا على هذا الحال من الإدمان؟أنا بحاجة للعلاج الآن قبل كل شيء.

       سألته إن اتصل بالنقابة ؟ فراح يسرد على أسماء من اتصل بهم من أعضاء مكاتب النقابات التعليمية وكذا ممثليها باللجان الثنائية شاكرا من ساندوه ومكررا الطلب في أن تقف النقابات إلى جانبه لتلبية طلبه في العلاج،ومن هذا المنبر أوجه النداء باسمه إلى ممثلي النقابات والى مسؤولي وزارة التربية الوطنية باكادير إلى الاستماع لهذا الأستاذ والإنصات لمعاناته والعمل على عرضه على طبيب نفساني لمساعدته على العلاج  مادام له استعداد نفسي للمعالجة.

     حالة هذا الأستاذ لقنتني درسا في عدم الحكم على الأمور قبل استكشافها، وأججت عدة أسئلة في صدري ،فكم من هؤلاء الأشخاص الذين نشاهدهم على هذه الحالة وننعتهم بالانحراف هم في الحقيقة كما قال أستاذ الفلسفة مرضى مدمنون ؟ماذا فعلنا لهم ؟ماذا قدمت الدولة لهم ؟وما دور المجتمع المدني في معالجة الظاهرة؟ أليسوا مواطنين لهم الحق في العلاج أسوة بباقي المرضى وغيرهم من الشرائح التي يتم الاهتمام بها؟

  هذه الحالة الإنسانية أرقتني كثيرا ،واعرضها عليكم لتشاركوني ارقني وقلق البحث عن حلول ناجعة للظاهرة إنصافا لهؤلاء المواطنين وتمكينهم من حقهم في الصحة والعيش الكريم.

                                                                           محمد الزعماري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد