الحضارات والثقافات الإنسانية بكل أثارها وفروعها من علوم وأداب و فلسفات ثقافاتها لم تَخَلَّق منفردة ومنعزلة عن بعضها البعض،أي بمعنى أن كل حضارة وثقافة لأي شعب من الشعوب تولد في ذاك الشعب وتأخد من وتعطي حإلى الحضارات والثقافات الأخرى سواء تلك التي سبقتها تاريخيا أو زمنيا وكذلك الحضارات والثقافات الموازية لها زمنيآ أي تلك التي تعيش معها في نفس الفترة التاريخية.
ففي حوض البحر المتوسط ظهر الفينيقيون الذين قاموا بإكتشاف الحروف الفينيقية مما كان له من أثر على بقية شعوب البحر اللأبيض المتوسط وكذلك كان من آقدم الحضارات تلك اليونانية وعباقرتها الفلاسفة من أمثال أرسطو طاليس والمسمى المعلم الأول وأفلاطون وسقراط وغيرهم من علماء الرياضيات والكيمياء والفيزياء من أمثال أرخيميديس وفيثاغورث وكذلك أبو التاريخ هيرودوت وصاحب أول أوديسا هوميروس …ولاشك أن إزدهار علوم الهندسة متمثلا في بناء الأهرامات الضخمة والتحنيط في بلاد الفراعنة أي مصر اليوم شاهدا على تقدم الحضارة الفرعونية..وقد تم إكتشاف في عام 1958 مايعرف اليوم بإسم “المومياء الأمازيغية” أو “المومياء السوداء” أو مومياء “وان موهي جاج” والتي عثر عليها فريق حفر إيطالي بقيادة” فابريزيو موري “في جنوب ليبيا شرق مدينة غات في وادي “تشوينت” في منطقة جبال أكاكوس ، وعمر هذه المومياء يرجع إلى قرابة ستة ألاف سنة أي أقدم من المومياء الفرعونية في مصر بحوالي 1500 سنة* . ولا يمكننا إنكار ما قام من حضارات كالتي قامت وعرفت في آسيا وبالذات في بلاد الهند وبلاد الصين وغيرهم وما لهذه الحضارات من تأثير في الفكر الإنساني…
ولا شك أن إزدهارالعلوم أيام الدولة الإسلامية وبالذات أيام الدولة العباسية في بغداد والدولة الأموية (الإمارات الإسلامية) في الأندلس حين إنتشر علم الكلام والترجمة وعلوم الطب والرياضيات بين الكثير من المفكرين والفلاسفة من أمثال الفرابي الفارسي والذي كان يسمى بالمعلم الثاني لنهجه المشابه للفللاسفة الإغريق وبالذات أرسطو طاليس والذي كان معروفآ بالمعلم الأول، ويذكر التاريخ ما قام به هذا الفيلسوف التركي/الفارسي** من مجهود جبار وعطاء في علم الفلسفة وإلتقائه الفكري مع أراء المعتزلة ة وإختلافه معهم أيضا معهم.
كذلك يذكرنا التاريخ بما قام به إبن سينا الفارسي والمسمى في أوروپا “Avesina” من تطوير علم الطب وكتابه “القانون” وما قام به عالم الرياضيات الخوارزمي الفارسي أيضآ والذي إخترع الصفر.
كذلك يذكرنا التاريخ أيضا ما تم به وصف كل من الفرابي وإبن سينا والخوارزمي بالزندقة والكفر من بعض المعاصرين لهم من المتزمتين والغيبين لإختلافهم معهم في وجهات نظرهم ولإصرارهم ولرفض التفكير العقلاني لا الغيبي في تفسير أمور الدنيا والحياة.
كذلك يحدثنا التاريخ عن قاضي قرطبة الفيلسوف الأمازيغي إبن رشد والمعروف في أوروپا بإسم “Averos” أيام دولة الموحدين وكيف طلب منه الخليفة القيام بترجمة فلسفة الإغريق والتي كان الخليفة متعطشآ لمعرفتها.وكيف قبل إبن رشد بهذا التكليف وإستعان ببعض اليهود في ذاك العمل.وكان أول وأكثر ما تميز به إبن رشد إلتزامه بالعقلانية ومن المنادين بالفكر العقلاني حيث أنه كان يقول لابد من قرائة القرآن بإستخدام العقل لفهم تطبيقه …وتعمق هذا القاضي في فهم الفلسفة الإغريقية وكانت له عدة كتب تبين هذا التعمق والأطروحات التي طرحها والتي تبين وجهة نظره ..وكان له مواقف إلتقى فيها بالفلسفة “الفرابية” وأخرى حين إختلف معه فيها.كذلك بين موقفه المخالف بالكامل مع فكر إبن تيمية وبين أن التعارض هو أساس الخلاف بين الخطاب الفلسفي والذي يعتمد البرهان والخطاب الذي كان موجودا بين الفرق التي لا تعتمد البرهان …
وكان له عدة مؤلفات منها “تهافت التهافت” وغيرها من الكتب والتي تم للأسف حرقها من قبل المناوئين له وللفكر العقلاني. غير أنه ولحسن حظ الثقافة آن ذاك أنه تم الحصول على بعض من كتبه والمكتوبة بالعبرية وليس العربية وترجمت إلى لغات أوروپية .. وتمكن إبن رشد بالنجاة بجلده والهروب إلى بلاد المغرب.
وتم، بعد أن ترجمت كتبه إلى اللغات الأوروپية، تدريسها في مختلف الجامعات الأوروپية القائمة آن ذاك وعرفت بكتب إبن رشد “Averos”
ما أود ذكره أن ليس هناك من حضارة أو ثقافة يمكنها أن تكون معزولة عن باقي الحضارات والثقافات أو أنها أساس كل الحضارات التي تليها أو أنه تمت سرقتها وأن الحضارات الأخرى لم يكن له أن تتواجد لو لم تتواجد هذه الحضارة…!
هذا هو للأسف ما يدعيه دوي التفكير الأحادي من القومجيون العرب والفاشيون الذين يدعون أن الحضارة “العربية” هي أساس حضارة الغرب الحالية وأن الغرب كان يعيش في عصور الظلام في الوقت الذي كانوا هم فيه في أوجه النهضة أو ما كان يدعيه فاشيستي روما موسوليني من أن حضارة روما هي أساس الحضارات التي تلتها…! ويتناسى القومجيون العرب ما كانت عليه شبه الجزيرة العربية من تخلف حضاري وقت ما كانت عليه أثينا وروما والهند والصين والحضارة الفرعونية في مصر وما كانت عليه شمال أفريقيا في دولة قرطاج ودولة نوميديا من تقدم وما قدمته وطرحته للفكر الإنساني…!!!؟؟؟ هذا الطرح القومجي الفاشي يقودنا إلى أن نسأل هل قام العرب بسرقة الحضارات الأخرى ليبنوا حضارتهم؟ ونجيب بالطبع لا، ولماذا لم يقل اليونانيون أن حضارتهم هي التي كانت أساس الحضارة الرومانية ولم يقولوا أن روما سرقت حضارتهم…إن الحضارات هي نتاج إنساني ولا يحق لإي وطن أن يدعي أنه هو مؤسس هذه أو تلك الحضارة وإنكار الآخرين دورهم فيها.
إن الفكر القومجي العروبي الأحادي يبني أطروحاته دائمآ على الكذب الزائف والإدعآت مثل “العرب هم أساس الحضارة الحديثة” والعرب هم من إكتشف “الصفر” و” العرب هم من إكتشف الطب” و “علم الجبر” و”علم الكيمياء” متناسين أن مكتشف الصفر الا وهو الخوارزمي والذي كان فارسيا ولم يكن عربيآ وعاش أيام نهضة وإزدهار الدولة الإسلامية وأتهم آن ذاك بالزندقة نتيجة لإتباعه الفكر العقلاني. وأن إبن تيمية العربي والذي أخد عنه الوهابيون أساسهم الديني المتخلف والذي مازالت تحاول حاليا المملكة العربية السعودية تصديره بالطرق المختلفة في العالم، كان إبن تيمية يدعوا إلى حرق كتب إبن حيّان علامة الكيمياء ومحاربة الفكر العقلاني..
إن العروبيون بتاريخهم المزيف مازالوا يتباكون عَلى فقدان العرب المسلمين للأندلس ولا يعتبرون أن الوجود العربي الإسلامي في الأندلس إنما كان إستعمارا وأن طرد العرب من الأندلس لم يكن إلا تحرير الأندلس وإرجاعها إلى الأندلسيين.
ما أود التركيز عليه وتبيانه أن الحضارة هي ميراث إنساني يتسم بالإنسانية ولاحدود له ومتداخل ومتمم بعضه لبعض.
أعطت الحاضرة الإغريقية إلى الحضارات التي تلتها وأكملت الحضارات التي تلتها،بما في ذلك الحضارة الإسلامية، مسيرة الحضارة الإنسانية.
أين تقع منطقتنا اليوم حضاريا مِما وصلت إليه دول أوروپا وأمريكا واليابان والصين؟ وبالذات اليابان التي تم تدميرها خلال الحرب العالمية الثانية!!!!وكذلك ألمانيا التي تحولت إلى ركام في الحرب الثانية؟
و أين يقع مكاننا اليوم حتى من دول صغيرة في آسيا وما وصلت إليه في السلم الحضاري؟
نحن مازلنا نبكي تحت هذا الفكر الأحادي الذي يلتزم البكاء على الماضي والإصرار عَلى السير في نهجه بدلا من تبني مقومات العصر من حداثة والإعتراف بأساسياتها؟
صحيح أن الخوارزمي إخترع الصفر وكان له دور كبير في تطوير علوم الرياضيات الرقمية ولا شك أن ما وصل إليه العالم اليوم من تقدم في علوم الرياضيات والفيزياء إعتمد على هذا الإكتشاف البارع إنما هو إكتشاف إنساني ولكنه لا يعطي الحق بالتوقف في الماضي المنتهي والرجوع إليه بدلا من ألدفع به إلى الأمام مع عجلة التاريخ والزمن….
—————–
*بالرغم من أن المومياء عرفت ووجدت في مصر الفرعونية إلا أنه في نهاية خمسينات القرن الماضي تمكن عالم أثار إيطالي من وجود للمومياء لطفل صغير أسود البشرة في ليبيا تعود إلى فترة تصل إلى ستة ألاف سنة أي ألف سنة في القدم من تلك المومياء الفرعونية.وتوجد هذه المومياء في متحف طرابلس
**هناك من ينسب الفرابي إلى مدينة فراب في تركيا ومنهم من ينسبه إل بلاد الفرس وإسمه هو “أبو النصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ”،وجاء ليعيش في بغداد بعد أن بلغ سن الخمسين.
مرتبط
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.