تارودانت: قراءة نقدية ” رسائل من زمن كورونا” للناقد شكيب أريج.
أزول بريس- متابعة سعيد الهياق//
في عز السواد الأعظم الذي اكتسح العالم على حين غرة، بسبب جائحة كورونا اللعينة. انبثقت من رحم آلام وأوجاع زمن الانكماش على الذات والعزلة القسرية ” رسائل زمن كورونا” لتعيد الدفء لحركية التواصل وتلاقح الافكار عن بعد مع الأديبين المبدع الأستاذ محمد كروم من الضفة الشرقية الأستاذ منير المنيري من الضفة الغربية.
ومع الأديب والناقد شكيب أريج في قراءة نقدية لسبر أغوار “رسائل زمن كورونا”:
هي 24 رسالة تشغل حيزا زمنيا قصيرا يعود لفترة الحجر الصحي. انطلقت أول رسالة من محمد كروم في 9 أبريل 2020 وكانت آخر رسالة من منير المنيري في 5 يونيو 2020 بعد رفع الحجر. هي رسائل تنطلق من الذات لتعانق المشترك، تنطلق من زحمة الحياة لتقف على جوهر المعاني. الواقف على عتبات هذه النصوص البديعة ستبهره طلاوة العبارات وحلاوة المعاني وأناقة الأسلوب واهتمام المتراسلين أشد ما يكون الاهتمام بجزالة اللفظ وغور المعاني. وأعتقد أنه لولا ارفاق المؤلف بصورتين للمؤلفين والتعريف بهما لأوهمنا الخطاب وصيغه في المراسيل أن الأمر يتعلق بشيخين كبيرين أو فقيهين يعيشان في زمن قديم بعيد عن الثورة التكنولوجية المعاصرة.
للتأكيد على ما سلف سأورد هنا بعض العتبات الأولى في هذه الرسائل لأن الكشف عن المخاطِب (المرسِل) مصدر الرسائل هو في نفس الآن من بيان الخطاب وآلياته:
– من صاحب أنيس النظار/ من شيخ الزاوية اليانعة وطريقتها المثلى الواسعة، من مقر الزاوية بالحضرة الرودانية/ من شيخ الطريقة الأكبر ونجمها الأبهر/من الكبريت الأحمر وخاصة الياقوت والجوهر/ من محب العذب الأجاج وناصر المحتاج ولو كان صاحب التاج/ من معلم الصبيان في زمن البهتان..
واستزادة في تجلية هذا الخطاب المحاكي والمماري لآداب التراسل المهجورة في المدونات القديمة سيكون من المفيد الاقتراب من دلالات الخطاب على مستوى المخاطَب (المرسل إليه):
– إلى صاحب الخلجات والخرجات..إلى صاحب شجرة القهر والحب المؤجل والسيدات والبادية والحياطة في الرحلة إلى طاطا/إلى محمد كروم منشيء جمعية ابن سليمان التي روت بأدبها الكبار والغلمان/إلى السراج المنير والقلم المغير، الأستاذ منير/إلى قطب القص والرواية، والرحلة والدراية../ إلى مركشي الأرومة صاحب الأفضال المعلومة، محمد كروم، ومن تبعه من الخواص والعموم/ إلى الشيخ الوسنان، معلم الغلمان، وعاشق البيان/ إلى موئل الألباب ومنتهى البلاغة والإعراب/إلى الأستاذ منير المنيري مربي الطيور الهجينة، ومدلك العجينة/ إلى الزعيم والشيخ، محب الزعتر والشيح/ إلى الأستاذ البصير محب الشاي والعصير/إلى الأستاذ منير شيخ التوابع ومثير الزوابع/ إلى المريد الجائل في المدن وبين الخمائل/إلى الأستاذ مير ضحية الكهرباء في زمن الوباء/إلى منير المنيري كاتب التراجم/ إلى فارس الميادين وفريد المريدين/إلى الشيخ الروداني مضيف السليكاني/إلى جامع الأخبار وناثر الأسرار../إلى الشيخ منير لابس القطمير ومربي الطير/ إلى مفتش الأساتيذ في زمن الكوفيد..
إن المتأمل في هذه المتون يلفت انتباهه الطابع العتيق الذي تغلف به الرسائل مستنهضة مقومات هذا الجنس الأدبي المهجور، ويشعر أنها رسائل تحاكي ما وصل إليه فن التراسل في أوج الاهتمام به، فهي لا تخلو من ألفاظ متناسقة ومحسنات بديعية: طباق، جناس، ترادف، تكرار، أسجاع.. وقد أفردت حيزا كبيرا لآفة وجائحة كرونا فأرخت وأخبرت وحللت وناقشت وساءلت وأجابت عن الكثير من الوقائع المرتبطة بقترة الحجر الصحي بالمغرب خلال سنة 2020 وكانت الرسائل مناسبة أيضا لطرق مواضيع أخرى كثيرة: انتشار التفاهة/ الفن والموسيقى/الصداقة/ أخبار بعض الشعراء والمتأدبين والمتأدبات/ الزواج والعزوبة/الدروس عن بعد/ السياسة والمناصب والكراسي والقوانين المنزلة/ الصحافة/ رمضان..
وقد يحار القارئ أحيانا وهو يراوح بين الجد والهزل في هذه الرسائل التي لم يشأ أصحابها أن يجعلوها مطية للدرس والكد والجد فقط بل قدموا من خلالها فسحة لمن شاء التندر والتفكه فقد حفلت ثنايا الكتب بالسخرية والتلميح الطريف وخفة الدم التي أضفت على المكتوب الجدة زيادة على الحكمة ورجاحة الرأي والجد في كثير من المواضيع.
وأخيرا فقد كان بودي أن أسوق بعض الاستشهادات الدالة على روعة ما تم تحبيره من طرف المتراسلين لكني أكاد أسوق جل الجمل والعبارات التي سكت بعناية ومهارة دلت على اشتداد عود لكتابة لدى الكاتبين. وما يجعل القارئ يسابق الزمن لقراءة رسالة بعد أخرى هي تلك الندية التي طبعت السجالات والمعارضات والمقابلات بين الكاتبين.
واختم ببعض الاقتباسات من الرسائل:
-هل بمقدور مخيلتك ان تتخلص من بدانتها، وتحلق بعيدا فتتخيل الغزلان ترتع في الحدائق؟ ص5
– أغلب النفوس تستلذ النفاق، ولا تفرق بين الفنان والمنان، ومن يذيب الكلمات فيه فيه فيخرجها كأنها خمر صبوح، وبين من يخرجها كأنها كلام سوقي مجروح. ص20
-.. ولأن السفهاء مفارقون للحق، وملتصقون التصاق البق، لا أرى لك منجاة من تفيهقهم ولا مندوحة عن مجادلتهم. سيذهبون في رمي موقفك من الفن مذاهب شتى، ويهاجمونك بأقبح من حتى. ص21
-ولو علم رعاة الفن ان الاذواق تربى، مثل الشهد لا المربى، ما أطلقوا العنان لكل من هب ودب.. ص22
-ولأن الدناءة لا حدود لها وثقوا بالصور العطايا، في طياتها المن والمنايا، فمد المحتاج من جوعه للبضاعة يدا، وألقى من الخجل عى عينيه يدا. ص36
-..أما أهل الصحافة فكالذهب في الرغام، وأهل السخافة كقشرة موز على الرخام. ص36
-إن مسألة الزواج مكفولة للقدر وليس للأجدر أو الأقدر ولناس كما تعلم أصحاب حظوظ، فهذا متنعم بالمال والجاه وآخر بالنساء وقوة الباه، وثالث بالبقر والشياه.. ص45
-..ولكنك آثرت أن تؤرجح الحق حتى سقط، و أن توجع الشيخ حتى سخط.. ص52
– إن من الجهل ما قتل، ومن الرسائل ما تعثر وما وصل. ص55
– ولنا وللسفهاء من المنتخبين خير مؤدب ومعين، فاللهم انصرنا به واسحق أهل السياسة والكياسة ممن يشتمون العاهرة ويبيتون في فراشها، ويأكلون مع الذئ ويبكون مع الراعي، ويكثرون من النسوان والعمارات والغلمان ص60
*رسائل من زمان كورونا . محمد كروم ومنير المنيري, الناشر: الراصد الوطني للنشر والقراءة بدعم من وزارة الثقافة/ مطبعة سيليكي أخوين- طنجة الطبعة الأولى 2020
التعليقات مغلقة.