اليمن: قاضي يجسد ثقافة الاعتراف بالجميل للمدرس وينقذه من السجن…

في حي من أحياء العاصمة صنعاء؛ت وجه أحد التجار إلى المحكمة. وكان خصمه مدرس الرياضيات. وكانت شكوى التاجر بتماطل المدرس عن سداد الدين والمقدر بمبلغ 278000 ريال يمني. وعجز المدرس عن سدادها بسبب إنقطاع المرتبات.

وأمام الحاكم وقف الخصمان وإذا بالقاضي ينظر من فوق نظارته ويتأكد من المدرس المديون. أهو ذلك المدرس الذي عرفه منذ سنوات حين كان يلبس ملابس أنيقة ويقف أمام طلابة بكل ثقة ؟
أهو ذلك المدرس الذي علمه وكان يحفزه؛ ويشجعه ويزرع فيه روح العلم والمثابرة ؟

ماذا فعل به الزمان وكيف استطاع أن يحول هذه الهامة الوطنية والشكل الجميل
إلى إنسان شاحب الوجه محدوب الظهر؛ رث الثياب ؟فقد طحنه الزمان بكلكاله
ومزقه قطع مرتباته.

وفجأة ينادي القاضي على حارسه ويكلمه بصوت منخفض ويهز الحارس رأسه وينطلق. وبعد أن استمع القاضي إلى رد المدرس.
ولماذا لم يسدد ماعليه من دين للرجل الشاكي ؟

وكان هدف القاضي إنتظار إشارة من الحارس. وإذا بالحارس يعطيه إشارة دون ما شعر به أحد الحضور.

ومن هنا أعلن القاضي أن المدرس قد دفع ماعليه من دين في خزانة المحكمة
واستغرب المدرس
من سدد الدين عنه
من يا ترى !

هل أخوه عرف بالخبر وباع سيارته الصغيرة التي يعمل عليها ليعول اسرته ؟
أم أخته المتزوجة في عمران باعت خاتمها ؟
وأرسلت بقيمته لسداد دين أخوها.

وبعد إنتهاء الجلسة خرج المدرس وكله تساؤلات مَنْ سدد الدين ؟ ولماذا لم يجد جواباً لما يدور في خاطره ؟

وإذا بالقاضي يخرج بسيارته الجديدة ويقف في منتصف الطريق؛ ويقول تفضل يا أستاذ محمد نوصلك معنا.
نظر الأستاذ محمد فإذا هو ذلك القاضي. فركب السيارة وظل الصمت يخيم طول الطريق إلى أن وصل المطعم المجاور للمحكمة. ونزل القاضي والمرافقين والمدرس معهم.

ودخلوا المطعم وبدا أحد المرافقين للقاضي يطلب الأكل وجلس القاضي يمازح الأستاذ ولكن الأستاذ نسي أن الذي أمامه هو ثمرة خير مما زرع المدرس في مسيرته؛ وأداء رسالته التعليمية.

وظل الاستغراب يخيم على الأستاذ.
من هذا القاضي ولماذا يعاملني بلطف ؟
ولماذا لم يخبرني من سدد الدين ؟
ولماذا خرج من المحكمة وأخذني معه ؟

وبدا القاضي يناقش المدرس ويكسر حاجز القلق والخوف والاستغراب ويمازح الاستاذ
حتى اطمئن الأستاذ.

وبدأ يسأل القاضي ويقسم عليه لماذا كل هذا الكرم والتعامل الذي قلما نجده في هذا الزمان ؟ وهنا تمالك القاضي نفسه وحبس حزنه وألمه وأطلق نهدة طويلة ونفس عميق.

وقال يا أستاذ محمد أنا أحد طلابك في الثمانيات في مدرسة الثورة. وأنت من كنت تقول لي سيكون مستقبلك زاهر . وكنت تقول أتمنى أن أراك قاضياً. وكنت أبحث عنك كي تراني.
وبدأت دموع المدرس تنزل لا إراديا حين تذكر ذلك الطالب الذكي المؤدب النبيل.
وقال أنا من سدد الدين. ولو كنت أعلم أنه أنت ما وصل الشاكي ولا قدم شكواه.

وبعد الغذاء أخرج القاضي ظرفاً صغيراً فيه مبلغاً من المال؛ وكان الأستاذ يقسم ما يأخذ من فلس.
وإذا بالقاضي يقسم بالله بأن هذا المبلغ قيمة مقاضي للأسرة. وأخذ عنوان الأستاذ ورقمه لكي يتواصل به لاحقا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد