” الفترة المورية” الأمازيغية في تاريخ المغرب..

  • الحسن زهور //

برجوع الباحثين المغاربة إلى كتابة تاريخهم اي تاريخ شمال غرب أفريقيا ما قبل الاسلام، تستوقفنا بعض المفاهيم التي يستعملها البعض منهم اليوم كمصطلح “الفترة المورية” أو ” المور”، وهو مصطلح دال على لحظة تاريخية من تاريخ المغرب؛ وعندما يتم تنبيههم بأن “المور” هم الأمازيغ لذلك فعليهم توظيف تعبير ” المور أي الأمازيغ” يكون الجواب بأن توظيف “المور” هو مصطلح تاريخي يطلق على فترة من تاريخ المغرب قبل الاسلام؛ لكن عندما تسأل هؤلاء الباحثين المغاربة: أليس المور هم الامازيغ؟ تراهم يتهربون من الإجابة بادعاء الموضوعية العلمية، ليجيبوا بأن هذا المصطلح هو مصطلح موضوعي يطلق على فترة من فترات تاريخ المغرب قبل الاسلام.

ولكي لا نجرد تاريخنا المغربي من هويته نقترح على هؤلاء الباحثين حلا وسطا يجمع بين “الموضوعية” التي يدعونها والوطنية التي ندعو إليها (لأن كتابة التاريخ بدون حس وطني يجر الباحث إلى انزلاقات خطيرة سنتحدث عنها)، وهو أن يوظفوا تعبير “المور الأمازيغ”. وسيرد هؤلاء بمراوغات أخرى بقولهم إن “المور” مصطلح تاريخي موضوعي، وسيبررون مراوغاتهم بأمثلة كقولهم بأن المصريين يطلقون على فترة من تاريخهم مصطلح “الفترة الفرعونية”, وبأن اللبنانيين يطلقون ” الفترة الفينيقية” على فترة من تاريخهم … فبدورنا (يقول هؤلاء الباحثون المغاربة) نطلق مصطلح”الفترة المورية” على فترة من تاريخنا المغربي قبل الاسلام، لأن المصطلحات العلمية التاريخية -كما يزعمون- مصطلحات موضوعية محايدة.

فهل المفاهيم والمصطلحات التاريخية موضوعية ومحايدة؟

بعض المفاهيم والمصطلحات في بعض العلوم الانسانية كالتاريخ ليست محايدة؛ فالأسماء والمفاهيم تتطور حسب التطور الزمني للمفاهيم وحسب المنظور الايديولوجي للباحث، مثلا ” الفتح الاسلامي” هو ” الغزو الاسلامي أو العربي”، لكن الاكثر شيوعا هو ” الفتح الاسلامي” كمصطلح تاريخي ايديولوجي، أما “الغزو الاسلامي أو العربي” فلا يستعمل نظرا لحساسيته. إذا فبعض المفاهيم التاريخية المستعملة ليست محايدة ولا موضوعية وإنما هي ايديولوجية، ونفس الأمر في توظيف ” الفترة المورية” في تاريخنا المغربي فهو توظيف ايديولوجي عند بعض الباحثين المغاربة قصد نفي أمازيغيته.

مثال آخر: كلمة “بربر” مثلا في أغلب الكتابات التاريخية السابقة، قبل أن تكتسح المفاهيم الوطنية للحركة الثقافية الامازيغية الساحة، تطلق على الامازيغ في أغلب الكتابات القديمة ، واليوم تغير هذا المفهوم وتم توظيف لفظة الامازيغ الذي وظفه ابن خلدون سابقا، فهل سيستعمل هؤلاء الباحثين المغاربة اليوم كلمة البربر بدعوى انه مفهوم تاريخي موضوعي؟ حتما لا، لا يستطيعون توظيفها لأنهم سيتهمون اليوم بالعنصرية و الظروف تغيرت كثيرا، رغم أن هذه الكلمة هي تاريخية. ونفس الشيء بالنسبة لمصطلح “المور” الذي يتشبت به بعض المؤرخين والباحثين المغاربة في توظيفه كمصطلح “موضوعي”محايد.

لنأخذ مثلا اللبنانيين، فهم يتحدثون عن الفترة الفينيقية كفترة تاريخية من تاريخهم، لماذا؟ لأنهم اليوم انقطعوا عن تاريخهم وأصبحوا اليوم يفتخرون ب”عروبتهم”؛ وكذلك المصريون حين يتحدثون عن “الفترة الفرعونية” كفترة تاريخية من تاريخهم، لأنهم انقطعوا عن تاريخهم منذ أمد بعيد وأصبحوا الآن يفتخرون ب”عروبتهم” (جمهورية مصر العربية)…

في المغرب الامر مختلف، فتاريخ الامازيغ ( وكل المغاربة أمازيغ هوية وحضارة) لم ينقطع قط منذ ما قبل الميلاد إلى اليوم، فالامازيغة هي هوية المغاربة الاصلية وما زالت حية الى اليوم ودخلت الامازيغية الى الدستور المغربي كلغة رسمية لجميع المغاربة، لذلك المصطلحات الموظفة تاريخيا مثل ” المور” (ومنها اسم maroc, marroco) لها امتداد في حاضرنا وفي ثقافتنا ومازلنا نعيشها في هويتنا وفي ثقافتنا وحضارتنا وفي دستورنا عكس المصريين و اللبنانيين و التونسيين وغيرهم… فلم تمت الأمازيغية اليوم في المغرب لكي نوظف مصطلح المور توظيفا حياديا، كما يوظف المصريون الآن مصطلح الفراعنة، واللبنانيون مصطلح الفينيقيين، والعراقيين مصطلح البابليين والأشوريين… وغيرهم من الشعوب الأخرى…

نحن الآن ما نزال في بداية كتابة تاريخنا قبل الاسلام من منظور وطني وليس من منظور غربي او شرقي كما كان سابقا، لذلك تقتضي الكتابة التاريخية الوطنية في وقتنا الحاضر توظيف المصطلحات التاريخية الوطنية لا المحايدة (والحياد موقف)، لماذا؟ لأن المغاربة ما يزالون مغتربين عن تاريخهم لما قبل الاسلام بسبب هيمنة ايديولوجية القومية العربية في الستينات الى نهاية التسعينات ومحاولة الاسلام السياسي وسم فترة ما قبل الاسلام في المغرب بالجاهلية. فبعد انتشار فكر الحركة الثقافية الأمازيغية وبعد الخطاب الملكي التاريخي 2001 تغيرت الكثير من الرؤى السياسية والايديولوجية وساهم كل هذا في عودة المغاربة إلى هويتهم الثقافيةالوطنية.

عندما يستعمل المؤرخون المغاربة كلمة ” المور” كمفهوم “محايد” بدعوى الموضوعية التاريخية اي بدون توضيح من هم المور اي ” المور هم الامازيغ” فإن الكثير من المغاربة سيتوهمون ان المور قوم آخرون لا علاقة لهم بالأمازيغ نظرا لهيمنة ايديولوجية شرقية في المغرب ما زالت مخلفاتها الكارثية نعيشها إلى اليوم، والتي جعلت الكثير من المغاربة ينسلخون عن هويتهم وعن ثقافتهم وتاريخهم…

المفاهيم التاريخية ليست محايدة، ف” المور” ككلمة “محايدة وباردة” إذا استعملها المؤرخ الاجنبي فهذا شأنه لكن ان يستعملها المؤرخ المغربي دون توضيحها ( في هذا الظرف الذي لا نعرف عن تاريخنا لما قبل الاسلام الا النزر القليل نظرا لتهميشه) هنا يدخل الباحث المغربي التاريخ في مجال الحياد السلبي، والحياد السلبي موقف ايديولوجي مناوئ لهويتنا.

نعطي مثالا آخر عن أن بعض المصطلحات في العلوم الإنسانية كالتاريخ ليست محايدة، ف الصحراء المغربية و “الصحراء الغربية” مصطلحان لنفس الارض، لكن توظيف كلا منهما يختلف حسب المنظور الوطني الى الارض أوحسب المنظور التجزيئي إليها.

“المغربية” مصطلح وطني يعتمد على الشرعية التاريخية والثقافية والدينية لا نقبل التنازل عن توظيفها بدعوى الحياد والموضوعية ارضاء لكتابات المؤرخين الأوروبيين ودولهم مستعمرة لنا سابقا، لأن التنازل عن المغربية خيانة لتاريخنا ولوطننا؛
أما “الغربية” فيستعمله المؤرخون الاوروبيون كمصطلح استعماري، كما يستعمله بعض أعداء وطننا وبعض دعاة التجزئة من المغاربة المؤدلجين بدعوى الحياد، والحياد موقف سياسي. فإذا كان الباحث وطنيا متشبتا بوحدة وطنه وبهويته المغربية سيستعمل “الصحراء المغربية”، أما إذا كان انفصاليا أو مؤدلجا بايديولوجية غير وطنية سيستعمل المفهوم الآخر.

نفس الشيء في توظيف كلمة المور ” حافية” اي محايدة بدعوى “الموضوعية” التاريخية او بدعوى شيوع هذا المصطلح عند الاوروبيين، هنا يكون الباحث محايدا، والحياد هنا موقف ايديولوجي يتنافى مع الحس الوطني، في حين أن الحس الوطني يقتضي توظيف تعبير ” المور أي الأمازيغ” في هذه الفترة التي نعيشها لأن المغاربة ما يزالون يجهلون تاريخهم لما قبل الاسلام، فتوظيف ” المور” ككلمة محايدة “حافية أي أبازين” ستجعل الكثير من المغاربة يعتقدون أن المور هم شعب آخر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد