العفو الملكي..دروس وعبر

أزول بريس - بقلم : بوشعيب حمراوي

شخصيا لا أستسيغ قصور الاهتمام الإعلامي والفكري والثقافي والسياسي بمبادرات العفو الملكي الذي يخص به عاهل البلاد محمد السادس مجموعة من السجناء والمتابعين قضائيا، مطلع كل عيد ديني أو وطني. لا أفهم لماذا لا تكون موضوع نقاش وجدل جاد وصادق، من أجل التعريف بمفهوم «العفو الملكي» وقيمته الإنسانية والروحية، ورمزيته الوطنية؟. باعتبار الدور البارز والصرف للملك في الرعاية والاحتضان والتسامح. بعيدا عن القوانين والأنظمة المعهودة لباقي المؤسسات، والتي لها دواليبها ومساطرها وطرق أجرأتها والمفروض أن تتم بكل حياد واستقلالية.
في كل مرة تتعالى بعض الأصوات المطالبة بتدخل الملك من أجل الإفراج عن معتقل أو تمتيعه بالسراح المؤقت أو إدانة بعض الأحكام القضائية المرحلية وليست النهائية. وفي كل مرة ينسى أو يتناسى هؤلاء أنهم سبق وطالبوا باستقلالية القضاء والنيابة العامة والأجهزة الأمنية. حتى أنهم طالبوا في وقت سابق بالتقليص من مهام الملك وتقوية البرلمان، فكيف يمكن للملك أن يتدخل في مسار ملف قضائي رائج. ويقضي فيه. وليس لديه أدنى أدلة أو قرائن تؤكد صدق المطالبين والمحتجين؟. إن لم تكن عبر بوابة «العفو الملكي» المفتوحة في وجه كل المغاربة.
على المغاربة أن يدركوا أن الملك ملم وملتزم بكل مهامه، يعرف ما له وما عليه. ورغم أن الأحكام القضائية تصدر باسم جلالته. فإنه لا علاقة له من قريب أو من بعيد بمحتوى تلك الأحكام التي قد تصيب وقد تخيب عن قصد أو عن غير قصد. ولا كيف تحاك عبر كل مراحلها الأمنية والدركية والقضائية. قد تصدر عن قاض صالح أو عن قاض فاسد. وقد تصدر بناء على تعليمات صحيحة أو باطلة من النيابة العامة، وقد تكون مبنية على محاضر صحيحة أو باطلة محررة لدى أجهزة الأمن الوطني أو الدرك الملكي. فالكل يعلم أننا نشارك الحياة مع الصالح والطالح في كل المجالات والقطاعات. وأن الخير والشر وجهان لعملة بشرية واحدة متداولة في كل بورصات العالم.
قبل أيام وبمناسبة عيد الفطر، أصدر ملك البلاد عفوا خص به 810 مغربيا سجينا أو متابعا قضائيا، بينهم 12 مدانا في قضايا الإرهاب، و17 معتقلا من نشطاء الحركة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة الحسيمة ونواحيها بين 2016 و2017. وهو عفو لا يعني (البراءة من التهم)، ولا يعني الخضوع للمطالبين والمحتجين. فهل نظمت موائد مستديرة لمناقشة الموضوع. وهل تم اللقاء مع المستفيدين لمعرفة حقائق الامور؟؟.. أسئلة كثيرة تطرح مع صدور لوائح العفو الملكي.. هل يأتي العفو الملكي حفظا لماء وجه القضاء الذي يكون قد أخطأ عن علم أو جهل؟ أم أنه يأتي (اسما على مسمى). بمعنى أنه عفو يخص فئة من شعبه أخطأت. ويرى أن بإمكانها التكفير عن أخطائها والعودة لارتداء لباس الوطنية؟. أم أن العفو الملكي مجرد من كل هذا وذاك. وأنه يأتي لتأكيد أن الملك هو أب المغاربة. تقوده غريزة الأبوة وشحنات العطف والحنان، إلى رفع شعار السماح ونسيان كل ما يرتكبه الأبناء. وبمقدوره التجاوز عن كل أخطائهم حتى بدون ضمان توبة أو اعتذار منهم؟.
الحقيقة أن العفو الملكي هو كل ما سبق وأكثر. يأتي العفو الملكي حاملا دفئا أسريا للمعفى عنهم وكل أهاليهم. مانحا إياهم فرص التنقية والتطهير وإعادة الانتعاش. وحاملا لرسائل مختلفة لكل من يشاركون في كل مراحل التقاضي. بضرورة الالتزام بالمهنية والأخلاق والتجرد من كل ما يمكنه أن يؤثر على سير الملفات القضائية.
كثيرا من نطلب من القضاة أن يجنحوا في بعض الملفات إلى ما نسميه «روح القانون». ونحن نعلم أنهم ملزمون بتطبيق قانون المحاكم بأدق تفاصيله. وأن لهم الحق فقط في الاجتهاد حين يغيب النص القانوني. فالقانون هو جسد أو آلة بلا روح. يمكن للمحامين والقضاة وممثلي النيابة العامة وغيرهم من مسؤولي الضابطة أن يتفننوا في «العزف على أوتاره». ولا يحق لهم الاستعانة بأي عضو خارجي. ويبقى الملك هو من يتولى زرع الروح ليس في القانون، ولكن في الوسط القضائي المشحون بآلاف الأحكام القضائية، التي لا يمكن بأي حال أن تكون محط إجماع. ملفات قضائية قد تحفظ، وقد تسافر عبر المحاكم الابتدائية والاستئنافية ومحكمة النقض قبل أن تصدر في حقها أحكام نهائية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد