السياحة بالمغرب: استقطاب 26 مليون سائح في أفق 2030 ممكن، شريطة استخلاص الدروس من التجارب السابقة 

بقلم الزوبير بوحوت

أعطت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، السيدة فاطمة الزهراء عمور، يوم الثلاتاء 30 غشت 2020 انطلاقة أشغال “خارطة الطريق الجديدة للسياحة” بالتعاون مع الفاعلين الرئيسيين ومهنيي القطاع السياحي. (الكونفدرالية الوطنية للسياحة و  عدد من ممثلي الجمعيات والفيدراليات الأعضاء فيها).

وبعد أن أكدت السيدة الوزيرة  على أهمية  قطاع السياحة، قالت  انه مطالب بلعب  دور أقوى في الاتجاه الذي تم تسطيره في تقرير اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي الجديد. لذلك، فإن إعداد خارطة الطريق الإستراتيجية للقطاع بشكل جماعي يندرج في إطار رؤية مضاعفة عدد السياح الذين يزورون بلادنا بحلول سنة 2030 ليصل إلى 26 مليون سائح ، ودلك بالارتكاز  على ثلاثة محاور رئيسية، تتجلى في تعزيز النقل الجوي من خلال الرفع من الطاقة الاستيعابية ومضاعفة الرحلات الجوية من وجهة إلى أخرى، و ملائمة العرض السياحي للطلب الوطني والدولي و تحفيز الاستثمار العمومي/ الخصوصي حول الروافع ذات الأولوية بما فيها الترفيه والتنشيط والسياحة الإيكولوجية.

أولا: الإستراتيجية الجديدة

يجب أن تهدف إلى تحسين المؤشرات الأساسية للقطاع ودلك عبر الرفع من جودة المنتوج ( بما فيه محيطه العام) و تحفيز الاستثمار و الاهتمام الجدي بالسياحة الداخلية ومضاعفة طاقة النقل الجوي مع انخراط كل مهنيي القطاع في كل مراحل الإعداد والتتبع.

إن استقطاب 26 مليون سائح في أفق 2030 ممكن جدا  بالنضر للمؤهلات التي يتوفر عليها المغرب وكدا قربه من أكبر خزان مصدر للسياح وبالنضر كدلك للعلاقة المتميزة التي تربطه مع كبريات الدول المصدرة للسياح بالإضافة إلى الطفرة النوعية التي حققتها المملكة المغربية  في تقوية البنى التحتية ووسائل النقل فضلا عن إعداد المغرب لميثاق جديد للاستثمار من شأنه أن يشكل حافزا لجلب استثمارات أجنبية ضخمة بالإضافة إلى تعبئة الادخار والاستثمار الداخلي.

إن الإستراتيجية الجديدة بالإضافة إلى طموح استقبال 26  مليون سائح في أفق 2030 يجب أن تعمل على استقطاب أكبر عدد  من السياح الأجانب : 18 مليون من السياح الأجانب و  8  من مغاربة العالم مقابل 7 ملايين سائح أجنبي  و حوالي 5,9  مليون من مغاربة العالم سنة 2019  ، كما يجب أن تسعى كذلك إلى تحسين مؤشرات أداء القطاع  من حيت عدد ليالي المبيت التي يمكن أن تصل إلى  80 مليون ليلة سياحية( 48 مليون منها  توفرها السياحة الدولية)، مقابل  25 مليون ليلة سياحية  سنة 2019.كما يجب  الرفع من حصة السياحة الداخلية لتصل إلى 32 مليون ليلة سياحية وهو ما يمثل  40 % من مجموع ليالي المبيت  عوض 30% المسجلة سنة  2019.

ومن جهة أخرى يجب العمل على  الرفع من نسبة ملأ الفنادق إلى 65 % عوض 48 % المسجلة  سنة 2019  وكدا تمديد مدة  الإقامة من ليلتين إلى 3 ليالي وهو ما سيرفع مداخيل العملة الصعبة لتتجاوز 200 مليار درهم في أفق 2030 بالإضافة إلى ارتفاع  مستوى استهلاك السياحة الداخلية إلى ما يقارب 120 مليار درهم .وسيصاحب هدا التطور ارتفاع  عدد المشتغلين بالقطاع إلى حوالي مليون عامل بصفة مباشرة وحوالي 4 ملايين بصفة غير مباشرة. وهو ما سيؤدي لا محالة إلى الرفع من نسبة مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الخام من 2 إلى 3 نقاط إضافية.

ولبلوغ هاته الأهداف،( وبالإضافة للتوصيات التي أصدرتها لجنة النموذج التنموي وكدا رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول آفاق السياحة بالمغرب) يتوجب العمل على  تدارك البطء المسجل في ميدان الاستثمار ودلك باستقطاب  استثمارات ضخمة لإنجاز حوالي 100 ألف سرير سياحي إضافي ( 50 % منها  موجهة للسياحة الداخلية داخل محطات يتم تشييدها على  مستوى الجهات الإثنى عشر بالمملكة.كما يجب أن تشمل إجراءات التحفيز كل المهن السياحية المشار إليها في الاتفاق التطبيقي للبرنامج التعاقدي 2010 وهي وثيقة مرجعية حيت ثمت الإشارة إلى كل المهن الأساسية المرتبطة بالسياحة من الفنادق والمطاعم ( الفصل 20)، ووكالات الأسفار والمرشدين السياحيين ( الفصل 21)  ،و  النقل السياحي ووكالات تأجير السيارات ( الفصل 22) و تجار منتوجات الصناعة التقليدية ( الفصل 23).

لكن بلوغ هدا الهدف يبقى رهين بمجموعة من الشروط الأساسية الواجب تحقيقها وعلى رأسها الاستفادة من الرؤية المستنيرة والتوجيهات السامية  لصاحب الجلالة الملك محمد السادس المتضمنة في خطبه بخصوص إنجاز مشروع  النموذج التنموي الجديد  حيت ركز  على ضرورة  أن ترفع إلى جلالته الحقيقة ولو كانت قاسية او مؤلمة  مع ضرورة التحلي  بالحزم والإقدام والمسؤولية في تنفيذ التوصيات ولو كانت صعبة ومكلفة والعمل على  بلورة  منظــور جديــد، يســتجيب لحاجيــات المواطنيــن، وقــادر علــى الحــد مــن الفــوارق والتفاوتــات، وعلــى تحقيــق العدالـة الاجتماعية والمجاليـة ومواكبـة التطـورات الوطنيـة والعالميـة.

ثانيا : تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد : بعد أزمة كوفيد-19: آفاق جديدة لقطاع السياحة

لقد أولى تقرير النموذج التنموي الجديد،  أهمية خاصة للقطاع السياحي حيت دكر بمكانته من حيت المساهمة في الناتج الداخلي الخام ومداخيل العملة الصعبة وفرص التشغيل التي يوفرها. وبعد التطرق للأزمة التي عرفها القطاع جراء أزمة كوفيد والتطورات التي يعرفها القطاع على المستوى الدولي وكدا الاكراهات التي تعيشه السياحة المغربية، اقترح حلولا موزعة على 6 محاور تتعلق باستكمال عـرض الإيـواء بعـرض تنشـيط وتجـارب متنوعـة ذات جـودة، فـي إطـار مقاربـة منظوماتيـة، وتعزيــز الســياحة الداخليــة باتخــاذ تدابيــر لدعــم الطلــب المحلــي لتعزيــز ولــوج المواطنيــن المغاربــة إلــى عــرض يتلاءم مــع انتظاراتهــم وقدرتهــم الشــرائية، ودعم روح المقاولة في مجال الخدمات السياحية وتعزيز الكفاءات حيت يتيح تطوير عرض التنشيط والخدمات السـياحية إمكانيات  مهمة لدعم روح المقاولة، خصوصا من أجل تطوير الشـركات الصغرى والمتوسـطة ذات النطاق المحلـي، والتكيـف مـع أسـاليب التسـويق الجديـدة للعـرض السـياحي عـن طريـق دعـم التحـول الرقمـي للقطـاع عبر  اتخـاذ تدابيـر لتعزيـز الإبتـكار والتحول الرقمي لدعـم صياغة عروض جديـدة وإدماجها في قنـوات التسـويق لكسـب حصـص متزايـدة مـن الطلـب علـى الانترنيت، وتعزيــز قــدرات القطــاع علــى التكيــف والاستدامة للتصــدي للأزمــات المحتملــة فــي المســتقبل، حيت يجب العمل على تحسـين نوعيـة التشـغيل فـي هـذا القطـاع، وبالخصـوص عــن طريــق توفيــر الحمايــة الاجتماعية لجميــع العامليــن فــي مجــال الســياحة، بمــا فيهــم العمــال  الموســميين.

كما  أن تنويــع الوجهــات الســياحية وتثميــن المناطــق سيســاعدان علـى التخفيـف مـن المخاطـر الكامنـة فـي التمركـز الهائـل مـع الحفـاظ علـى المـوارد وذلـك بتخفيـف الضغـط علـى بعـض الوجهـات الرئيسـية، وأخيرا اعتماد مقاربــة عرضانيــة وتعزيــز التنســيق من خلال الإمكانات الكبيرة التي توفرها السياحة للتعاون مع قطاعات أخرى، وتعتمد جاذبيتها إلى حد كبير على عوامل خارجية بالنسبة لهذا القطاع من قبيل النقل الجوي وسهولة عبور الحدود، وظروف الأمن المحلية ونظافة المدن والسلوك اتجاه السياح.

كما أوضح التقرير أنه سـيكون مـن الأهميـة بمـكان تعزيـز التنسـيق بيـن مختلـف المتدخليـن والعمـل بطريقـة منهجيـة علـى جميـع العوامـل التـي تدخـل فـي نطـاق تنميـة القطـاع، حيت اقترح التقرير  إنشاء فريق عمل تابع لرئاسة الحكومة لضمـان قيـادة فعالـة للقطــاع السياحي علــى الصعيــد الوطنــي، يكون له تفويض تام لتحديث القطاع وتنميته، وفي الوقت نفسه، سيتعين بذل جهود تنسيقية على الصعيد المحلي لدعم الفاعلين المحليين وتشجيع بزوغ منظومات سياحية جديدة.

ثالثا: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: السياحة رافعة للتنمية المستدامة

أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريرا إعتبر  السياحة كرافعة للتنمية المستدامة من أجل إستراتيجية وطنية جديدة للقطاع، والذي تضمن تشـخيصا لواقـع القطـاع بالمملكة، حيت أشار إلى الجهود المبدولة مند الاستقلال من أجــل توفيــر البنيــات التحتية والتجهيــزات اللازمــة وإرســاء إطــار قانونــي ومؤسســاتي خــاص بهــذا  القطــاع الحيــوي وهو ما أدى إلى  تحسين أداء قطاع السياحة بشكل ملموس حيت أصبحت المملكــة أول وجهـة ســياحية فــي إفريقيــا.

وأوضح التقرير ، أنه بالرغـم مما  تـم إنجـازه، فـإن الإمكانـات التـي تزخر بها المملكة في هـذا المجـال لا تـزال غير مستغلة بالقدر الكافي، حيث لازال قطاع السياحة على المستوى الهيكلي، يعانـي مـن العديـد مـن الاكراهـات التنظيمية تتعلق على وجه الخصوص  بتداخـل  الأدوار والاختصاصات بين الفاعلين المعنيين في القطاع العام والخاص، كما يواجــه القطــاع صعوبــات فــي الحصــول علــى التمويــل، وخصاصا من حيت الموارد البشرية المؤهلة ومحدودية العروض المقدمة في مجالي الترفيه والتنشيط السياحي، علاوة على ذلك، يتسم القطاع بتركيز ثلاثي للنشاط السياحي، بحسب بلد القدوم وحسب المدن والوجهات، وحسب المواسم. كما  تطرق إلى القصور الرئيسية التــي تطبــع النمــوذج الســياحي المغربــي خـلال العشــرين ســنة الماضيــة والاختلالات  الهيكليــة  التي يعاني منها ومن أهمها الصعوبات التي تواجهها الاستراتيجيات وتحول دون تحقيق الأهداف المسطرة.

فعلى مسـتوى الأهداف الكميـة، أبـرز تنفيـذ اسـتراتيجية التنميـة السـياحية “رؤيـة 2010 ” نتائـج جيـدة نسـبيا بالنظـر إلـى المؤشـرات التـي وضعهـا القطـاع الحكومـي الوصـي، حيث تحقـق هـدف اسـتقبال حوالي 10 ملاييـن سـائح عبـر المراكـز الحدوديـة مـن خلال فتـح المجـال الجـوي (الأجـواء المفتوحـة)، الا  أنه لاحظ بالمقابل ، انه من بين 6 محطات الشاطئية التي كان من المفروض إنجازها في إطار المخطط الأزرق 2010 ، لم يتم إنجاز سوى محطتي السعيدية بإقليم بركان بسعة 4475 سرير  و محطة مازاكان بإقليم الجديدة بسعة 1000 سرير في حين أن الأهداف المسطرة كانت 16.905 سرير بالنسبة للسعيدية و 3700 سرير بالنسبة لمازاكان.كما  أن المحطات الشاطئية الأخرى لم ترى النور آنداك وهي محطة خميس الساحل بالعرائش ومحطة موكادور بالصويرة ومحطة تغازوت بأكادير ومحطة الشاطئ الأبيض بكلميم وبهدا فإن إنجاز المخطط الأزرق 2010  لم يحقق سوى 5475 سرير وهو ما يمثل 7،8 في المائة فقط  من الأهداف المسطرة والتي كانت في حدود 69.990 سرير برسم رؤية 2010.

وبخصوص رؤيـة 2020 ، أشار التقرير إلى  أن النتائـج المحصـل عليهـا تظـل غيـر كافيـة، لان هـدف تعبئـة 150 مليـار درهـم مـن الإسـتثمارات قصــد توزيعهــا علــى مختلــف الوجهــات لــم يتحقــق بعــد و أشار الى أنه من أصل  64 مليــار درهــم، تمـت تعبئــة 37,7  مليـار درهـم فقـط مـن طـرف القطـاع الخـاص. (منهـا 22 فـي المائـة مـن طـرف مسـتثمرين أجانـب، وتسـتأثر جهتـا مراكـش-آسـفي والـدار البيضـاء- سـطات، بــ 32 فـي المائـة و23 فـي المائـة علـى التوالـي مـن الاستثمار المعبـأً فقـط). وحسـب تقريـر المجلـس الأعلـى للحسـابات،  فـإن المغـرب لـم يوفـر، سـنة 2017، سـوى 1576 سـريرا فقط مـن الهـدف العـام المحـدد فـي 58.540 سـريرا سياحيا للمنتجعـات السـتة المشـار إليهـا، أي بمعـدل إنجـازّ بنسـبة 2,7  فـي المائـة فقط. وأوضح التقرير المذكور، أنه بالنسـبة للمخطـط الأزرق، الـذي بلغـت اسـتثماراته 15 مليـار  درهم علـى مـدى خمسـة عشـر عاما، فـإن  النتائـج أيضـا لا تـزال دون مسـتوى الانتظارات. كما كشف التقرير الاقتصادي والمالــي المصاحــب لقانــون الماليــة (2020 ) عــن وجــود تفــاوت ملحــوظّ بيــن الطموحــات الأوليــة لرؤيــة 2020 والنتائــج المحققــة، وذلــك علــى مســتوى محدوديــة العــرض الفندقــي والحكامة علـى الصعيـد الترابـي بالأسـاس، واسـتمرار انتشـار القطـاع غيـر المنظـم  الـذي يؤثـر علـى جـودة العــرض الســياحي الوطنــي.

وقد خلص تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى إصدار  توصيات من أجل إرسـاء سـياحة مسـتدامة تكفـل تعزيـز قـدرة الاقتصاد الوطنـي علـى الصمـود فـي مواجهـة المخاطـر الاقتصادية والماليـة والبيئيـة والصحيـة، وإدمـاج السـاكنة المحليـة، لاسـيما النسـاء والشـباب فـي ديناميـة خلـق الثـروة والعمـل اللائـق، وتحسـين التموقـع السـياحي للجهـات والوجهـات علـى الصعيديـن الوطنـي والدولـي.

ومـن أجـل تجسـيد هـذا الطمـوح علـى أرض الواقـع، مـن خلال  ترصيـد المبـادرات التـي تـم إتخاذهـا مـن أجـل النهــوض بالســياحة الوطنيــة والاستفادة مــن الــدروس المســتخلصة مــن التجــارب الدوليــة، يقتــرح المجلــس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي  جملـة مـن التوصيـات تتمحـور حـول سـتة محـاور رئيسـية و22 إجراء  من خلال إرساء حكامـة مندمجـة وفعالـة فـي جميـع مراحـل عمليـة بلـورة وتنفيـذ وتتبـع الإسـتراتيجيات المتعلقـة بقطـاع السـياحة علـى الصعيديـن الوطنـي والترابـي تعتبر شرطا أساسيا، كما تشمل المحاور الأخرى تطويـر سـياحة مسـتدامة ومسـؤولة تكـون غايتهـا تحقيـق منافـع اقتصاديـة واجتماعيـة وبيئيـة، وتعزيـز قـدرة القطـاع علـى الصمـود فـي مواجهـة المخاطـر البيئيـة والصحيـة، وتشـجيع الأنشـطة والمرافـق السـياحية الموجهـة للسـياحة الداخليـة، مـن خـلال اسـتثمارات عموميـة / خاصـة والدعـم المالـي والتحفيـز الجبائـي، والترويــج لوجهــات ومنتجــات ســياحية مســتدامة، مــن خـلال اســتثمار مختلــف دعامــات التواصــل والربــط والرقمنــة، وتأهيـل الرأسـمال البشـري، مـن خـلال تمكينـه مـن مواكبـة التوجهـات والتطـورات العالميـة للقطـاع والسـعي إلـى تحقيـق التميـز، والتأكيد على أن التوطيــن الترابــي يبقى هو الإطــار الملاءم لتفعيـل الاســتراتيجيات، بمــا يكفــل التنســيق على  المســتويين الوطنــي والجهــوي.

وبعد توقفه عند السـياحة المسـتدامة والمسـؤولة، التي تعتبر مصدرا أساسيا للنهوض بتنافسـية

الجهـات والوجهـات السـياحية، أوصى  المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي  بتقييم المشاريع الاستثمارية، مع مراعاة تأثيرها على جودة حياة الساكنة المحلية وعلى البيئة، وتشـجيع اعتمـاد لـواء أو علامـة علـى غـرار “المفتـاح الأخضر” الـذي وضعتـه مؤسسـة محمـد السـادس لحمايـة البيئـة، وتعزيــز إحــداث مرافــق مســتدامة، والنهــوض بوســائل النقــل العمومــي (التنقــل المشــترك فــي ســيارة واحــدة، الحافـلات الهجينــة، الدراجــات الهوائيــة، وخدمــات التنقــل المــرن، وغيــر ذلــك) مــع ضمــان إمكانيــة الولــوج بالنســبة للأشخاص فــي وضعيــة إعاقــة، وتعزيـز الاقتصاد الدائـري باعتبـاره أحـد وسـائل تنزيـل الهـدف رقـم 12 مـن أهـداف التنميـة المسـتدامة المتعلــق بضمــان أنمــاط اســتهلاك وإنتــاج مســتدامة، وذلــك مــن أجــل المســاهمة فــي تعزيــز قــدرات صمـود قطـاع السـياحة والمجتمـع المغربـي ككل، والمســاهمة مــن  خـلال النظــام الجبائــي فــي النهــوض بالاستثمارات المســتدامة والمنتجــة والمحدثــة لفـرص الشـغل والمحفـزة لخلـق القيمـة فـي المجـالات الترابيـة التـي تحتضـن هـذه الاستثمارات.

وأشار إلى أن هذه التوصيـات المقترحـة، تستند علـى تقريـر المجلـس الـذي يحمـل عنـوان “مـن أجـل نظـام جبائـي يشـكل دعامـة أساسـية لبنـاء النمـوذج التنمـوي الجديـد”، الذي يؤكد على ضرورة تبسيط الجبايات المحلية وضمان التقائيتها مع الجبايات الوطنية من أجل الرفــع مــن جاذبيــة المجـالات الترابيــة وتيســير النظــام الجبائــي بالنســـبة للفاعليــن والمســتثمرين، وملائمة النظــام الجبائي مــع حاجيــات المقــاولات الســياحية الصغيــرة جــدا والصغــرى والمتوســطة، وذلــك حســب موقــع المشــروع وطبيعتــه، ووضع معاييـر تنظيميـة تسـتجيب لمتطلبـات المنافسـة مـع الأسـواق الخارجيـة، مـن خـلال الاعتمـاد علـى اليقظـة الإسـتراتيجية والإبتـكار التكنولوجـي، واعتمـاد مقاربـة سـياحة 365 يومـا وموجهـة نحـو معاييـر أداء نوعيـة، كالمداخيـل مـن العملـة الصعبـة ومتوسـط مـدة الإقامـة، من خلال الاهتمام بالسـياحة الثقافيـة، التي تكتسي أهميـة بالغـة مـن أجـل تطويـر الأسـواق التقليديـة واسـتقطاب أسـواق جديدة  (السـوقان الصينية والروسـية وغيرهما)، والسـياحة الإيكولوجيـة، والسـياحة القرويـة، وسـياحة الاستكشاف، والتـي يمكـن ملائمة عرضهـا حسـب  المواسـم ووفـق خصوصيـات كل منطقـة، بالإضافة الى الســياحة العلاجيــة وســياحة الرفــاه وكــذا الســياحة المســتجيبة لحاجيــات المســنين والمتقاعديــن بالنسـبة لفتـرات الإقامـة الطويلـة، حيث ينبغـي تطويـر هـذه الفـروع بالنظـر إلـى القـرب الجغرافـي للمغـرب مــن القــارة الأوروبيــة.

وبالنظر الى الأهمية التي أصبح  يحتلها المجـال الرقمـي، باعتباره المدخـل الأساسـي للوصـول إلـى المنتجـات السـياحية، دعا التقرير إلى  اقتــراح منظومــة مغربيــة للحجــز والأداء لتجنــب خــروج العمـلات الصعبــة وتلقــي العمـولات مــن لــدن فاعليــن خــارج المغــرب، وتطويـر آليـة التواصـل الرقمـي الرسـمية، والانتقال نحـو تسـليط الضـوء علـى حفـز انتظـارات الزبـون، وتطويــر المنصــات الرقميــة لجعلهــا رافعــة لتعزيـز إشـعاع بلادنـا بشـكل عـام وبعـض مـدن المملكـة وجهاتهـا علـى وجـه الخصـوص، وتجميع الفاعلين المغاربة في مجال الإيواء،  من أجل إجراء مفاوضات مشتركة مع الشركات الرقمية العملاقة، والإرتقاء بالعرض السياحي المتعلق بـ”المغرب” و”المدن” و”الجهات”، ووضـع آليـة لليقظـة وتتبـع التفاعـل مـع العـرض المغربـي عبـر شـبكة الأنترنيـت مـن أجـل تحليـل العـروض بمـا يمكـن مـن التحسـين المسـتمر لصـورة المغـرب والمنتجـات الوطني على  المسـتوى الدولـي.

وبخصوص السياحة الوطنية، أكد التقرير على ضرورة تعزيـز أداء السـياحة الداخليـة، مــن خـلال اقتــراح عــروض مســتدامة جديــدة تكــون أكثــر جاذبيــة وتنافســية لفائــدة السـياحة الوطنيـة، وقـادرة علـى إنعـاش القطـاع، واقتـراح منتجـات خاصـة بالسـياحة الوطنيـة بمختلـف فروعهـا، علـى أن تتلاءم هـذه المنتجـات مـع القـدرة الشـرائية للسـائح المغربي، وتشجيع السياحة الاجتماعية والتضامنية وتطوير المآوي الموجهة للشباب، وتحسين أداء مراكز الاصطياف، وابتــكار عــرض مناســب للمغاربــة المقيميــن بالخــارج، مــع الأخــذ بعيــن الاعتبار أســلوبهم فــي العيــش  وأنمــاط استهلاكهم فــي مجــال الأنشــطة الترفيهيــة والرياضيــة، واقتــراح حمـلات ترويجيــة مخصصــة للنهــوض بالســياحة الوطنيــة والمحليــة وملائمــة لخصوصيــات المســتهلك الوطنــي، مــع تخفيــض الأســعار (تذاكــر الطائــرة، وأســعار الفنــادق، والمطاعــم، والأنشــطة الترفيهيــة، وغيرها، لاســيما لفائــدة الشــباب والأشــخاص فــي وضعيــة إعاقــة.

وأشار إلى أن تحيين خريطة التشغيل في القطاع السياحي تتطلب إعــادة النظــر فــي منظومــة التكويــن المهنــي، من خلال تثميــن التخصصــات المســتهدفة والهندســة الســياحية وعــدم الاقتصار علــى تخصــص الفندقـة، حيث ينبغــي أن يرتكــز هــذا التكويــن علــى الجوانــب  التقنيـة للمهـن السـياحية وكـذا علـى اللغـات الأجنبيـة واسـتقبال السـياح والارتقاء بالمهـارات الشـخصية وتكنولوجيــات الإعلام والاتصال ومهــارات التكيــف داخــل الوســط السوســيو-مهني، واعتمــاد مقاربــة دامجــة بتعــاون مــع جميــع المتدخليــن فــي القطــاع، للاستجابة للحاجيــات فــي مجــال التربيــة والتعليــم وتعزيــز الكفــاءات بشــأن رهانــات الســياحة المســتدامة، وجعـل البحـث العلمـي محـورا رئيسـيا علـى المسـتوى الجهـوي بيـن المقـاولات والجامعـات والمهنييـن.

وخلص رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى إرســاء الالتقائية بيــن الإســتراتيجيات الوطنيــة المتعلقــة بقطاعــات الســياحة والثقافــة والصناعــة التقليديـة والشـباب والرياضـة والتنميـة المسـتدامة وغيرهـا، والحـرص علـى توطينهـا علـى المسـتوى الترابــي، ودعـم تنفيـذ الإسـتراتيجيات الجهويـة للسـياحة المسـتدامة، مـن خـلال مواكبـة المجالـس الجهويـة فـي إعـداد ووضـع مشـاريع فـي هـذا المجـال ضمـن برامـج التنميـة الجهويـة.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading