السويد: ” فن المراوغة.؟ ” للأديبة السورية نضال سواس…

نضال سواس

إحدى الفنون الإنسانية التي تستدعي مهارة خاصة… ليست الفنون جميعها فقط متعلقة بالإبداعات والخلق بل بعضها بغض النظر عن التقييم الأخلاقي له إلا أنه ينضوي تحت بند الفن والوهم.

فن المراوغة تعزيز مريض لتأكيد الذات عبر انتصارات وهمية في نسج مدروس لعالم من الأكاذيب تصبح لديه القدرة والجاهزية لخلق حبكة بصياغة ذكية للإحاطة بتشعبات المتتاليات من الأحداث.

هذا يتطلب نوع من الذكاء في دراسة الإحتمالات ونتائجها. هنالك احتمال نتيجة لكل افتراض لحدث. فالشخصية المراوغة شخصية تجيد اللعب على مبدأ الإحتمال. هي نوع من الممارسة الممتعة تعزز الشعور بالقوة لشخصية هشة بحقيقتها.

هذه الشخصية من خلال انتصاراتها على أرض الواقع تحاول تجميع أسلحة دفاعاتها عن ذاتها وتدعيم نفسها بهذه القوة.
لا تنفك عن تهنئة نفسها وراء كل موقف تمرره لصالحها بدهاء. لكن بحقيقة الأمر هي لا تنفك أن تستزيد من هذه الأسلحة التي تجعل منها أكثر تحصيناً لذاتها. وقد تسمح لها نجاحاتها في ساحات ممارسة ألاعيبها بالتفكير بمزيد من التطوير للفوز بمتعة أكبر.

في كل مرة تنجح فيها هذه الشخصية بالتأثير والهيمنة على الآخر يتعزز لديها الشعور بالقوة. هو نوع ما حالة تعويضية عن نقص كائن وكامن فيها يعود إلى الطفولة أو بأحوال أخرى إلى ظرف صادم ترسبت نتائجه وأسبابه في أعماقها.
اللجوء إلى استنباط طرق أكثر تأثيراً يصبح نوعاً ما بحثاً ضرورياً يغذي الإحساس بالمتعة والتفوق لديها.

سلاح إحداث الصدمة باكورة إنتاجها الأهم الذي تكون قد توصلت إليه ليكلل شعورها بالنجاح في هذا الفاصل المفاجئ تعتمد على عنصر الإبهار لإحداث الشلل الفكري لفترة لدى الآخر الذي لا يلبث أن يتحول إلى حال من البلبلة والتبعثر.

بحقيقة الأمر الموضوع مشابه تماماً لحالة الإرتجال الذكي على المسرح ومراقبة ردود أفعال الجمهور الذي يمارس التأثير عليه بلذة قد تصل إلى الإحساس بنشوة الإنتصار الأكبر إن كان الجمهور من فئة أكثر تميزاً وثقافة. كلما كانت الأطراف الأخرى المقابلة أكثر تميزاً كلما كان الشعور بالقوة أكبر.
الغريم القوي يشعره بأن المعركة جديرة بالفوز أكثر وهنا تبدأ هذه الشخصية بالتشعب أكثر لتمتد إلى أكبر عدد ممكن من الناس وتمارس تأثيرها عليهم.

الساحة باتت مجالها الحيوي الحقيقي والمراوغة تصبح طبعا أكثر التصاقا بها حالة مرضية لا تستطيع منها فكاكا.
التساؤل الآن هل موضوع المراوغة يخضع لمعايير أخلاقية أو نفسية مرضية ؟ لا شك أن أي تصرف إنساني له وجهان أخلاقي وفكري نفسي يعتمد على تركيبته النفسية. واستمراريته في متابعة هذا السلوك لها أيضا ً جانبان:

جانب الإستمرار في تأكيد الذات وهذا يؤكد على استمرار ضعفه لأنه يعني تحول الحالة من حالة مرضية إلى حالة مرضية ثانية تآخي بمتزامنها ومسيرتها الحالة الأولى. إذ أن انتصاراتها الواهية في هذا المجال ستؤكد لها غرورها أكثر.

كما وتؤكد لها حاجتها إلى الإستمرارية لأنها ستمنحها لذة الشعور بالتفوق وبأنها الشخصية المهيمنة المتمكنة في عالم من الشخصيات الضعيفة التي بإمكانها السيطرة عليهم من خلال تأثيراتها عليهم. فتأخذ بعد هذا بالإنتقال بالتأثير على حالات أخرى وتستعيد خطوات تأثيرها على أكثر الحالات التي كانت ناجحة هي بالسيطرة عليها وتطبق الطرق نفسها.

بهذا تكون بحقيقة الأمر هي الخاسر الأكبر ستخسر الإحساس الحقيقي بالذات من خلال ماكان يصلها من صدق من الآخرين. لن تعود هذه الشخصية للشعور الحقيقي بأي شيء سوى بالنصر الإحتفالي بمكاسبها هي.
هي شخصية كل ما تفعله أنها تقوم بالتصفيق لذاتها كممثل وراء كل فاصل ارتجالي يعود إلى ماوراء الكواليس ويصفق لنفسه مرددا لذاته جمهور أحمق .

ماذا عن الخسارة ؟

الشخصية المراوغة هي بنهاية الأمر شخصية تثير الشفقة؛ شخصية مهزوزة ستفقد ذاتها تماما من خلال البحث عن تعزيزات قوتها في أرض الواقع؛ لتكون قوتها وحقيقتها مجرد إفتراض لاوجود له.

لأن كل ما تقدمه للغير ستكون ردود أفعالهم لما يعتقدونه موجودا بها وليس لها هي مطلقا. النتيجة أنها شخصية خاوية تماماً لا تحصل على أي شيء ما تلقاه من الغير هو ما يقدمونه لمن يشعرون أنه هو من يرونه بقلوبهم وتكون الحقيقة مغايرة تماما؛ الزيف يولد الخواء.

  • الأديبة نضال سواس أستاذة الفن التشكيلي في معاهد ستوكهولم- مؤلفة كتاب ” ماذا عن الفن ؟”

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد