الدكتورة مريم زينون: في مقاربة نفسانية لتدعيات أبعاد الحجري الصحي.

إعداد سعيد الهياق//
انشغل كل العالم بالتدعيات السلبية العظمى لإنتشار جائحة كورونا و مدى تأثيرها على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية. و برزت أرقام مذهلة تظهر حجم الخسائر المادية بملايير الدولارات لم يشهدها العالم منذ عقود. و بالمقابل تم تجاهل حجم الأبعاد النفسية لتداعيات هذا الوباء على نفسية الفرد جراء طقوس الحجر الصحري الذي أجبر على التعايش معه قسريّاً بدون اختياره بدون مراعاة وضعه الاجتماعي الذي يختلف حسب الشرائح الاجتماعية.و مع الدكتورة مريم زينون أخصائية نفسانية إكلينيكية كان لنا حوار عن بعد حول:
ما هي تداعيات الأبعاد النفسية و السلوكية التي على الفرد في ظل الحجري الصحي.؟

 

” لعل هذه الفترة الزمانية التي يقضيها الفرد في الحجر الصحي بسبب جائحة كوفيد 19 تحسسه بنوع خاص من الوجود المتميز الذي يوحي بالحرمان القصري من ممارسة الحياة الاجتماعية وفق طقوسها الطبيعية والتي تتطلب منه المزاوجة بين الحذر من الآخر وتوفير الحصانة النفسية في نفس الوقت ،للرفع من مؤشر المناعة النفسية وتحقيق الاستقرار النفسي ،الشيء الذي يمكن من القول أن هذه المرحلة مما لها من تأثير هام على نفسية الفرد تقتضي منه استثمار عواطفه خارج ذاته بالتفكير في حماية ووقاية من يحب من خطورة نقل العدوى ومن التركيز على عواطفه الداخلية في الالتحام الروحاني مع ذاته لاستلهام القوة والطاقة الإيجابية . بالفعل هي حالة ازدواجية من المشاعر يمتد تأثيرها إلى الموجودين بالمحيط الأسري للفرد بسبب التغير السريع والمفاجئ المتسم بالاضطراب والارتباك وعدم التناسق بين الأفكار والحركات خاصة في المواقف التي تتطلب منه قرارات في مجالات ومهام غير مألوفة خوفا من الفشل في تحقيق صورة ملائمة لدى نفسه ولدى الآخرين المحيطين به. وفي هذا الإطار يمكن التركيز على أهم الملامح التي يجب أن يظهر بها الفرد أثناء فترة الحجر الصحي هي نكران الذات أو ما يصطلح عليه سيكولوجيا ” غياب الأنانية الذاتية ” مما قد يحدث اضطرابا في عملية توافقه مع ذاته مادام يخضع لمعايير التعايش الجماعي ،وقد يكون من المفيد جدا التذكير بأن الإنسان في نهاية الأمر ليس سوى سيرورة تفاعلية عضوية حسية، بين البيئة الداخلية لذاته والبيئة الخارجية عنها منها ما يخدم الفرد ومنها ما يخدم المجتمع داخل وظيفة تنظيمية Régulatrice لتحقيق الانسجام بين الغرائز والدوافع الفردية وبين مطالب وحاجيات المجتمع. وإذا كان هذا المعنى للتفاعل السيكو-سوسيولوجي يدل على التوازن النفسي للفرد في علاقته بالعالم المادي المحيط به فإن حتمية القطيعة الاجتماعية التي فرضتها وضعية الحجر الصحي المفاجئ ليست سوى عاملا محفزا لسوء التوافق النفسي نظرا لتغييب شروط التقدير الاجتماعي الذي يعتبر وسيلة أساسية لتحقيق العديد من الحاجات التي تكفل للفرد توازنه النفسي. وبناء عليه ،وفي ظل هذا الوضع الجديد ،فإن الاكتئاب هو الوجه الآخر لفشل الفرد في التكيف مع بيئة محدودة المردودية الذاتية منتجة للملل خصوصا في غياب أي مساعدة أو إرشاد نفسي للتغلب على الخوف والقلق اللذان يرافقان أي موقف جديد وغريب عنه، إذ ليس هناك من يدرك حقيقة ما يعانيه داخليا خلال هذا الانتقال والتغير المفاجئ، وتجدر الإشارة على أن تكرار نفس المشاهد اليومية مع نفس الأشخاص وإن كانوا اقرب الناس إليه وفي نفس المكان من شأنه أن يسبب الملل الذي يتحول مع الاستمرارية إلى مدخل للاكتئاب ،فتبدأ معه علامات الشعور بالاستياء والإحباط في الظهور مما يؤثر سلبا في سير الحياة اليومية ،ويمكن أن يكون مشكلة إذا استمر لفترة طويلة من الزمن ،لذلك يجدر التأكيد على ضرورة التفاعل داخل الحياة الأسرية بخلق دينامية اجتماعية داخلية مع عكس الأدوار وتغيير المهام لتجاوز ردود الأفعال السلبية التلقائية والتحفيز على الاستجابة المقبولة،بالإضافة إلى ممارسة الحديث الإيجابي عن النفس وذلك لتفادي الانسحابية مع بناء علاقة بين تجارب الحياة السابقة والحالية اثناء الحجر الصحي بما في ذلك التذكير بالمواقف الناجحة والطرائف المضحكة لتعزيز الوعي التام بكافة المشاعر الذاتية المتناقضة، مع ضرورة التحفيز على الفاعلية الإيجابية في تحسين الحالة المزاجية باعتماد مجموعة من الممارسات الصحية التي قد تساعد على تجاوز الملل وعدم السقوط في الاكتئاب أهمها : التفكير الإيجابي كالتسامح والامتنان – نقل التركيز على السعادة الفردية إلى السعادة الجماعية بإعادة صياغة العلاقة مع المجتمع من خلال الانتساب إلى مجموعات الدعم الاجتماعي – الحفاظ على الاتصال الدائم والمنتظم بالعائلة والأصدقاء، وبالتالي فان التفكير في التواصل الغير مباشر مع المحيط الخارجي هو في العمق دعم اجتماعي من خلال تعلم أنماط تفكير جيدة بربط السلوكيات السلبية مع النتائج الصادرة عنها، أو بالأحرى داخل مجال عمومي غير مباشر ينتزع منه فردانيته ليجعله ينخرط في مجهود جماعي يستمد منه الإحساس بالقوة والفاعلية الإيجابية .. على أنه ينبغي التذكير هنا بأن عملية الحجر الصحي تقتضي توعية الفرد وتوجيهه للتعايش مع الوضع بما لديه من إمكانات دون الضغط عليه لقبولها ،خصوصا وأنها مقترنة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يجتازها مجتمعه ،للوصول في النهاية إلى توجيهه للتكيف التدريجي المستمر لمسايرة تطورات الوضع دون أضرار جسمية أو نفسية معيقة لما يناسب استعداداته وقدراته ،وفي نفس الوقت تهييئه لاسترجاع اسلوب حياته الاجتماعية بعد الحجر بقابلية وجاهزية نفسية متوازنة دون اختلالات نفسية أو اضطرابات سلوكية.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد