الخطاب الأمازيغي وضرورة بناء الإنسان – وكيم الزياني

wakim
وكيم الزياني

أبدأ بمقولة أحد إمبراطوريي الصين القديمة التي تقول “انشغلنا في بناء الأسوار ونسينا بناء الإنسان”. يروي المفكر المستقبلي المغربي المهدي المنجرة رحمه الله، قصة حول الصينيين قديما، حيث قال: من أجل تصدي الصينيين للغزوات الخارجية التي كان يشنها الأعداء عليهم، قاموا ببناء أسوارا عالية، وأحاطوا كل إمبراطورتيهم بها. لكن وبعد مرور أكثر من مائة سنة، نجح العدو الغازي أثناء هجماته التسلل داخل الإمبراطورية الصينية، ولم يحتاجوا في ذلك اعتلاء السور ولا القفز عليه، بل احتاج (العدو) فقط إلى إرشاء حراس الأبواب ليفتحوها له للدخول.

وبعد تحريات قام بها إمبراطور الصين آنذاك وعلم أن العدو دخل من الباب بعدما قدمت الرشوة للحارس الذي كان يحرسه، قال الإمبراطور: “انشغلنا في بناء الأسوار ونسينا بناء الإنسان”.

لو قمنا بإسقاط هذا المثال على واقعنا التعليمي والتربوي والثقافي والتاريخي اليوم، سنخلص إلى كوننا لم نستطع بعد الوصول إلى “بناء الإنسان” بكل ما يحمله هذا الأخير من تمثلات ذاتية، مرتبطة بعمقه الحضاري والقيمي والتاريخي، والمتجذرة في الحِقب السحيقة من وجوده..

بل إن واقعنا “التعليمي” و” سياسته العمومية عامة” تهدف إلى “صناعة الإنسان” وهناك فرق شاسع بين “صناعة الإنسان” على مقاس ما هو سائد و ”بناء الإنسان” خارج السائد، ليس بناءه كجسد بل كـ”روح” و ”عقل” يحمل من ذاته سر وعيه ووجوده..

أما “صناعة الإنسان” من داخل “المنظومة السائدة” فتفقده -الإنسان المصنوع- “ولاءه الطبيعي” لذاته وكينونته وشخصيته الثقافية والحضارية بشكل عام. ليقدم حينئذ “ولاء مصطنعا” لذات أُلبست له في إطار “المصنع” أو “المنبع” الذي شرب منه وعيه وذاته المصطنعة.

وهذا لا يختلف كثيرا عما يحدث اليوم للإنسان الأمازيغي المصنوع في إطار سياسات عمومية للدولة المخزنية، حيث تجده يدين ب”الولاء” لذات ليست بذاته، ولكينونة ليست بكينونته، ولهوية قاتلة لوجوده، بل ويحتقر ذاته الطبيعية ليمجد ذاتا أخرى مصطنعة. لماذا كل هذا التناقض في شخصية الفرد-الإنسان المغربي؟ كيف سنفسر كل هذا الشرخ بين حقيقة هذا الإنسان وحقيقة وعيه المصطنع بذاته؟

أكيد سيكون الجواب هو: كل إنسان هو منتوج اجتماعي مصنوع في إطار سياسات عمومية للمنظومة التي ينتمي إليها، فالإنسان المغربي بكل تناقضاته وتمثلاته يعكس ضمنيا المنظومة التربوية التي تربى في كنفها، من الأسرة والمدرسة والمجتمع…

فهل تنسجم والمنظومة التربوية المغربية مع ذات الوطن وشخصيته وعمقه التاريخي والحضاري وحتى القيمي les valeurs والهوياتي؟ أكيد ليس هناك أي إنسجام ولا إتصال. بل هذه المنظومة لا تعكس في جوهرها إلا الإنفصال، إنفصال الإنسان عن كينونته وروحه الثقافية والتاريخية والهوياتية.

وأمام هذا الوضع، أصبح من أولويات الخطاب الأمازيغي اليوم، أن يعيد هذا الإنسان المصطنع والمستلب فكريا إلى عمق ذاته وكينونته الوطنية، ويعمل على ربطه بعمق أسئلة الهوية والثقافة والتاريخ الشمال الإفريقي عامة، من خلال خلخلة وتفكيك منظومة الخطابات الإيديولوجية السائدة التي لا تنسجم والوطنية الحقة وعمق هويتها الطبيعية، بالمعنى الترابي لهذه الأخيرة. وينكب على بناء الإنسان الذي يعتز بكينونته وشخصيته الثقافية والحضارية، بعيدا عن أي “ولاء اسطوري” مؤسس على مقاس إيديولوجية السلطة والحكم.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد