الحوار والدين و”طحن” المضربين

احمد نشاطي
احمد نشاطي

أحمد نشاطي//
خلال انعقاد المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية في نسخته الثانية، أول أمس الاثنين، حول “مأسسة الحوار الاجتماعي”، لم يجد رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله ابن كيران، ما يقدمه للمشاركين، بخصوص هذا الموضوع، وهو الذي لا يترك فرصة دون أن يتباهى بأنه نجح في الحد من الإضرابات، عوض التباهي بالحد من البطالة والاستغلال والتهميش والفقر… فقد وجد ابن كيران نفسه نسي الحصيلة الاجتماعية الهزيلة، التي طبعت حكومته المنتهية ولايتها، ونسي أسباب نزول الملتقى…
وكان مثيرا أن ملك البلاد كان حاضرا بقوة، من خلال رسالة إلى المشاركين، دعت إلى بناء نموذج مغربي للعدالة الانتقالية، انطلاقا من أربعة رهانات، أولها يتمثل في مأسسة آليات الحوار الاجتماعي، وثانيها في ضرورة توسيع موضوعات الحوار الاجتماعي، فيما الثالث يتمثل في ضرورة بناء المنظومة الجديدة للحوار الاجتماعي باستحضار متطلبات المساواة بين الجنسين، ومقاربة حقوق الإنسان، والتزامات المغرب الدولية، وأخيرا، يركز الرهان الرابع على اعتبار مأسسة الحوار الاجتماعي، في حد ذاته، مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة…
لماذا نتحدث، ونحن في 20177، على الحوار الاجتماعي، وعلى تحديات مأسسته؟ طرح هذه المسألة، اليوم، يعني أن هناك معضلة في البلاد اسمها الحوار الاجتماعي، يعني أن حكومة ابن كيران أعادتنا إلى الوراء، بل إلى عهود كنا نأمل أنها أضحت بائدة…
وإذا كان ابن كيران يحلو له التباهي بأنه “نجح” في تقليص عدد الإضرابات، فإن الواقع يؤكد العكس، إذ إن حجم الاحتجاجات، من الإضرابات إلى المسيرات والوقفات، تزايد بصورة لافتة في عهد حكومة ابن كيران المنتهية ولايتها، أما “الانخفاضات”، وهي محدودة على كل حال، فهي تهم فقط فترة حكم ابن كيران، من قبيل عدد الإضرابات، في سنة 2016، الذي بلغ 218 إضرابا، بتسجيل انخفاض حجمه 47 إضرابا، مقارنة بسنة 2015، التي سجلت 265 إضرابا… إضافة إلى أن هذا الانخفاض الجزئي، جرى تسجيله بخرق سافر لحق الإضراب الدستوري، باقتطاع أيام الإضراب من الأجور، والاستقواء على خرق الدستور باستعمال الدين، من خلال الاستدلال بالقرآن، للادعاء أن الإسلام يشرعن هذا الإجراء اللادستوري، باعتبار الآية “والسماء رفعها ووضع الميزان”، تعني أن “كل كفة من الميزان يجب أن تعادل الأخرى حتى في مجال العمل، وأن العمل يجب أن يكون معادلا للأجر”، والنتيجة أن الإضراب، وفق هذا الفهم المختل والمعتل، يعني التوقف المدبر عن العمل، وليس ممارسة حق دستوري تكفله جميع المواثيق الدولية ذات الصلة…
إن الخلاصة الأساسية، هي أن الحوار، في عهد ابن كيران، أضحى لا يسير ولا يستقيم، ويتجه إلى العصف بكل الحقوق والمكتسبات، التي تحققت على مدى سنوات من النضالات…
في العقود السابقة، كان الاحتقان يسود الساحة الاجتماعية، وكانت مظاهر التوتر والصدام تطبع علاقات أطراف الإنتاج، وأساسا بين النقابات والحكومة، إذ كانت الباطرونا تستكين إلى حماية الأجهزة القمعية، وكل طرف كان يمارس الحوار بطريقته الخاصة: النقابات بتهييج الشارع، وتأزيم عالم الشغل، وشل الحركة الاقتصادية والإدارية، والحكومة بالهراوات، والاعتقالات، والمحاكمات، والزج بالمناضلين النقابيين في السجون. والحصيلة: سنوات رصاصية، وانتفاضات جماهيرية، من دموية الإضراب العام ليوم 20 يونيو 1981، إلى حرائق الإضراب العام ليوم 14 دسمبر 1990، وقبلهما وبينهما “ضيافات” درامية في معتقلات سرية، من درب مولاي الشريف، إلى الكوربيس.
في تلك السنوات البائدة، كان ما يميز الحركات الاحتجاجية والإضرابية، بشعاراتها الاجتماعية، وبياناتها النارية، وملفاتها المطلبية، هو المطالبة بـ”فتح حوار جاد ومسؤول”، ما يعني أن باب الحوار الاجتماعي كان مغلقا، وكان سببا في إذكاء فتيل الاحتقان، لأن حكومات ذلك الزمان، كانت تفهم الجلوس إلى مائدة الحوار بمثابة رفع الراية البيضاء وإعلان الهزيمة. وهذا بالذات هو الفارق الجوهري بين ما كان، وما تحول إليه المآل.
الحكومة وأرباب العمل وممثلو العمال، خلال العشرية الأولى من حكم الملك محمد السادس، أضحوا يجلسون إلى الطاولة نفسها، يتحادثون دون عقد، أو هكذا يفترض، ويتفاوضون، ويتفقون، وحين يختلفون، يتفقون على جولات أخرى للتفاوض، لتبديد سوء التفاهم، وتقريب وجهات النظر، سعيا إلى التوافق والاتفاق.
المتغير الجوهري، إذن، هو حصول القناعة المشتركة لدى الأطراف الثلاثة، بأن الحوار هو الكفيل بإخراج عالم الشغل من واقع التأزيم، إلى وضع جديد، يتأسس على الثقة والفعالية والإنتاجية.
ولذلك، عندما نطرح، اليوم، مسألة مأسسة الحوار الاجتماعي، معناه أن هناك متغيرات أساسية حدثت، مع مجيء حكومة ابن كيران المنتهية، تشكل عرقلة بنيوية أمام بناء علاقات سليمة بين الأطراف الثلاثة، الحكومة والباطرونا والنقابات.
في هذا المسار، جاء تدخل الملك، الذي وضع برنامجا مدققا للمرحلة المقبلة، وجاء الاختيار المفيد، الذي حدد به مجلس المستشارين موضوع ملتقى العدالة الاجتماعية، سعيا إلى تظافر الجهود من أجل حوار اجتماعي مثمر، وعلاقات بديلة ومنتجة بين أطرافه الأساسية، من خلال مأسسته، حتى لا يبقى رهين الإخوان المسلمين بالمغرب، الذين قد يطلعون غدا بتخريجة أخرى تستعمل الدين لـ”طحن” عموم الشعب المغربي…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد