الحركة الأمازيغية والعمل الحزبي : محاولة لفهم أسباب التردد

لقد ولدت الحركة الثقافية الأمازيغية مثلها مثل الحركة النسائية وكذا الحركة الإسلامية خارج الأحزاب السياسية الموجودة في مغرب الاستقلال في شكل رد فعل على عدم إعطاء الاهتمام الكافي لقضايا الأمازيغية والمطالب النسائية وإلى حد ما الإسلام في برامج الأحزاب. ورغم أن مؤسسي هذه الحركات لم يكونو بعيدين عن الفعل الحزبي والسياسي عموما، وبعضهم لم يخف انتماءه لهذا الحزب أو ذاك إلا أن عدم قدرة الأحزاب على احتواء مطالب معينة والتعامل معها بالجدية الكافية سمح بظهور حركات مستقلة حملت على عاتقها هذه المطالب.

وتعتبر دراسة سياق ميلاد الحركة الأمازيغية في علاقتها بالأحزاب والتيارات السياسية وكذا ببعض ألأطراف في الدولة خير أنموذج لفهم أسباب التردد الحاصل اليوم لدى جزء كبير من المنتمين للحركة الأمازيغية في دخولهم غمار النضال الحزبي، نتج عنه إسقاطات خاطئة على تاريخ هذه الحركة واستعمال ملتبس لمبدأ الاستقلالية والمقصود به.

لنعد قليلا للتاريخ ونسجل أن محمد شفيق كان عضوا في حزب الاستقلال وقضا فيه مدة معينة قبل أن يستقيل في بداية الاستقلال، كما أن المحجوبي أحرضان، أحد مؤسسي الحركة الوطنية الشعبية، وابنه أوزين فرضا نفسيهما في مسار نشأة وتطور الخطاب الأمازيغي، إلى جانب حسن إدبلقاسم وأحمد الدغيرني المنحدرين من تيارات اليسار الجذري ومناضلين كالحسين واعزي وآخرون المنتمون للإتحاد الإشتراكي أو متعاطفون معه إلى جانب فعاليات أمازيغية محافظة أغلبها من خريجي المعهد الإسلامي لتارودانت قبل أن يظهر جيل جديد قام بالقطيعة مع كل الأحزاب السياسية وأنتج خطابا حول الإستقلالية وكأن الحركة الأمازيغية لا علاقة لها بالأحزاب وبالعمل السياسي، متناسيا وجود قنوات تواصل دائمة بين الطرفين، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.

وعلى هذا المستوى كانت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سباقة في فتح جسور التواصل هذا، كما كانت دورات الجامعة الصيفية منذ 1980 فضاء لحضور المنتمون للأحزاب السياسية وفرصة لطرح تصورهم للموضوع، كما أن مشاركة محمد شفيق، مدير المدرسة المولوية، في الدورة الأولى لهذه الجامعة وكذا توقيعه على ميثاق أكادير لسنة 1991 دليل على وجود قنوات غير مباشرة للحوار مع الدولة في موضوع الأمازيغية.

وفي كل المحطات الانتخابية السابقة يقرر بعض الفاعلين النشيطين في المجال الجمعوي الأمازيغي خوض تجربة الترشح وقد تمكن بعضهم من الحصول على مقعد في بعض المجالس المنتخبة (حسن بليزيد بالدشيرة وأيت مزكو بجماعة باقليد سيدي إفني وأكيل ابراهيم بأيت ملول) بل نجح بعضهم في تحمل مسؤوليات داخل هذه المجالس كرئيس مجلس جماعي (الأستاذ بوجيد بكلميم مثلا) أو نيابة رئاسة مجلس الجهة (عدي اسباعي بدرعة تافياالت وخديجة أروهال بسوس ماسة…). ويبقى تقييم هذه التجارب في حاجة لدراسة متأنية.

تفرض هذه المعطيات نفسها اليوم تجنبا لكل تأويل خاطىء للتاريخ وسعيا لفهم سليم لطبيعة تطور موضوع الأمازيغية في المغرب المستقل. فسعي بعض مكونات الحركة الأمازيغية لخوض تجربة النضال الحزبي ليست حديثة العهد كما أن رغبتهم في تأسيس أحزاب سياسية (نموذج الحزب الديمقراطي الأمازيغي أو مشروع الحزب الفيدرالي المغربي أو مشروع حزب تامونت…) أو السعي للإنضمام للأحزاب الموجودة كما هو الحال لاستراتيجية “جبهة العمل السياسي الأمازيغي” ما هي إلا استمرار لرغبة ذفينة لدى مناضلي جزء مهم من الحركة الأمازيغية، تجد جذورها في طبيعة المطالب الأمازيغية في السياق المغربي وعلاقتها بالمجال الحزبي والعمل السياسي عموما لكنها تختلف في طرق تفعيلها على مستوى الواقع. وقد يكون سياق الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة وثقافة منذ 2011 هو ما شجع على بروز هذه الرغبة من جديد وتتمظهر بطرق مختلفة حسب الأشخاص والجماعات. وفي المقابل يسعى معارضوا النضال من داخل الأحزاب والمؤسسات عموما إلى فرض قراءة معينة للتاريخ رغم مجانبتها للصواب تجرد المطلب الأمازيغي من كل علاقة بالمنتمين للأحزاب السياسية لتبرير الدعوة لرفض كل انتماء للأحزاب الحالية في انتظار تأسيس “حزب ذو مرجعية أمازيغية” أو رفض العمل من داخل الأحزاب جملة وتفصيلا مع ما يصاحب ذلك من اتهامات للمنتمين لها.

أعتقد أن بعض أسباب التردد في الإنتماء الحزبي لدى بعض مناضلي الحركة الأمازيغية راجع في جزء منه لعدم معرفة بعض جزئيات علاقة الحركة الأمازيغية بالعمل الحزبي من جهة ومن جهة أخرى للماضي السلبي لجل الأحزاب في موقفها من الأمازيغية طيلة النصف الثاني من القرن العشرين ثم التمثلات السلبية عن العمل السياسي عموما والحزبي خصوصا. لكن سياق بداية القرن الواحد والعشرين والتحولات التي عرفها بخصوص موضوع الأمازيغية يفرضان على جزء من الحركة الأمازيغية خاصة جيل التسعينات من القرن الماضي التفكير في منظور جديد يقطع مع مواقف معينة لأنها مرتبطة بسياق معين. ولن يتحقق هذا إلا بفهم سليم لتاريخ الحركة الأمازيغية ووعي عميق بالمتغيرات الحالية التي يعرفها المغرب في بداية القرن الواحد والعشرين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد