الحركة الأمازيغية بالمغرب: جدلية الثقافي والسياسي والحزبي

 

بقلم الدكتور الحسين بويعقوبي *
بقلم الدكتور الحسين بويعقوبي *

حسب علمي المتواضع لم يسبق لأي باحث أن حدد الوثيقة الأولى بالمغرب التي استعملت عبارة الحركة الثقافية الأمازيغية. فحتى ميثاق أكاديرلسنة 1991 الذي يعتبره الأستاذ الحسين واعزي في أطروحته “الميلاد الرسمي” لهذه الحركة (واعزي, 2000,ص 3) وقع باسم 6 جمعيات دون الإشارة لكلمة حركة, كما أن كل الوثائق المنشورة قبل هذا التاريخ توقع باسم أصحابها أو باسم الإطارات التي تصدر عنها. وهذا يعني أن عبارة “الحركة الثقافية الأمازيغية” لم تظهر في الاستعمال إلا بعد ميثاق أكادير وخاصة خلال بداية   عشرية 1990 بعد أن توطدت العلاقات مع مناضلي القضية الأمازيغية بالقبائل (الجزائر) الذين كانوا يستعملون مند أحداث الربيع الأمازيغي لسنة 1980العبارة الفرنسية   وتنطق اختصارا Mouvement culturel berbère (MCB)

وقد استعملت في المغرب في البداية شفويا على لسان من اطلعوا على أدبيات الحركة بالجزائر قبل أن تجد طريقها للوثائق المكتوبة.الحديث هنا عن التسمية وليس عن الوعي الأمازيغي. وإذا كان الحسين واعزي نفسه لم يبحث في أركيولوجية العبارة فيعود له الفضل في إعطاء تعريف شامل لهذه الحركة حين اعتبرها “مجموع الفعاليات التي تساهم اعتمادا على وعي عصري وبكيفية فردية أوجماعية وبشكل مباشر أوغير مباشر في الدفاع عن الأمازيغية أوإنماء إحدى مكوناتها من لغة وثقافة وهوية مع الدفع بكافة مكونات المجتمع لتنخرط بدورها في تلك العملية الإنمائية. وتقوم بوظيفتها هاته بواسطة مجموعة من الأفعال أو المواقف ذات الطبيعة الرمزية أو المادية تتسم بنوع من الاستمرار”(واعزي,ص.4) وهو بذلك ينتقد تعريفا سابقا كان يعتبر الحركة الثقافية الأمازيغية “مجموع الخطاب حول الأمازيغية”. ومند بداية الألفية الثالثة فظل الطلبة الجامعيون الاحتفاظ بتسمية “الحركة الثقافية الأمازيغية” لتسمية “فصيلهم” داخل الحرم الجامعي وترك عبارة “الحركة الأمازيغية”(بدون الإشارة للثقافة) لباقي المناضلين خارج أسوار الجامعة. هذا “النزاع” حول ترك كلمة “ثقافة” أو إزالتها في اسم الحركة وان كان ينم في حالة الطلبة عن رغبتهم في الحفاظ على نوع من الاستقلالية عن التنظيمات الجمعوية الأمازيغية فهو يخفي نقاشا أعمق حول هوية هذه الحركة أهي “ثقافية ” أم”سياسية”؟ أم ثقافية ذو أبعاد سياسية؟ أم سياسية مغلفة بالثقافة؟

الحركة والحديث عن الثقافة

يحوم مجمل خطاب الحركة الأمازيغية مند ظهوره حول الثقافة. فأولى مقالات الأستاذ محمد شفيق بداية من سنة 1965 والمنشورة في مجلة “آفاق” لاتحاد كتاب المغرب كانت تحوم حول أهمية التراث والحفاظ عليه لصيانة الذاكرة. كما أن بداية الوعي بالهوية الأمازيغية كان يمر من خلال الرغبة في تدوين الموروث الشعري الشفوي من خلال نشر دواوين ك”أمانار”لمحمد أمزال (1968) ومجلة “أمود” التي كانت تصدرها الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وكانت فظاءا لنشر قصائد شعرية من التراث الشفوي أو الإبداع الحديث. لم يكن السياق ليسمح باستعمال كلمة “الأمازيغية” التي كانت تحيل إلى مجموعة من التصورات السلبية الموروثة عن فترة الحماية الفرنسية وصراعات ظهور الحركة الوطنية فكان المعجم البديل يمتاح من معجم التراث والثقافة الشعبية ثم الحديث عن التعدد والتنوع في ظل الوحدة. لقد كان الهم الأساس عند أولى المناضلين إلى جانب التوثيق الانتقال بالأمازيغية من الشفوي إلى الكتابة. وهدا الشعار لازم أنشطة الجمعيات الأمازيغية إلى أواسط 1990 حيث سيتغير الخطاب شيئا ما بدخول مفاهيم جديدة تنبئ عن تحول  في خطاب الحركة. لكن حديث الحركة عن الثقافة لم يواكبه إنتاج ثقافي غزير في مختلف المجالات وظلت الثقافة الأمازيغية موضوعا لإنتاج الخطاب حولها أكثر من ممارستها.        

الحركة وممارسة السياسة

طرحت القضية الأمازيغية في الجزائر في قلب النقاش السياسي داخل الحركة الوطنية الجزائرية مند الأربعينات من القرن الماضي. فالأزمة الأمازيغية لسنة 1949 أعطت تيارا واضحا مدافعا عن الأمازيغية يشكل جذور الحركة الأمازيغية في هذا البلد في حين أن تداعيات تأويل ظهير 16 ماي 1930 بالمغرب فرضت على كل مطلب أمازيغي الانزواء في انتظار سياق آخر. بعد 35 سنة من الاستقلال, وبعد فترة النضال الفردي, شكل صدور ميثاق أكادير لسنة 1991 بداية الرغبة في الانتقال من العمل الفردي إلى العمل الجماعي, أي إلى التنظيم والتفكير في التوسع الجماهيري وإنتاج أوراق. وقد كانت عشرية 1991-2001 متسمة بهذا المعطى الذي وصل أوجه في تجربة المجلس الوطني للتنسيق( 1994-1997)كما تميزت بظهور مفاهيم جديدة كمفاهيم “الحق” و”المساواة”المعانقة للخطاب الدولي لحقوق الإنسان. فهل يمكن اعتبار ذلك بداية التحول نحو ممارسة السياسة ؟أم أن السياسة كانت المسكوت عنه طيلة السنوات السابقة, نظرا للسياق السياسي والايديولوجي الذي كان المغرب يمر منه ؟  

 لكن ألا يمكن اعتبار التحدث والإبداع بلغة غير معترف بها دستوريا مند الاستقلال والرغبة في الحفاظ عليها في تحد للسياسات الرسمية عملا سياسيا؟وهو ما ينظاف إلى أنه ينظر إلى الأمازيغية رغما عنها كمشكل سياسي من طرف الدولة من جهة ومن طرف تيارات سياسية عهد اليها اللعب على هذا الموضوع لتحقيق التوازن السياسي المطلوب في مغرب ما بعد الاستقلال. ثم ألا يخفي المطلب الأمازيغي احتجاجا وكل احتجاج ينم عن رغبة في تغيير وضع ما, وهو ما تهدف إليه الممارسة السياسية؟

ادا كانت الحركة الأمازيغية تنفي عن نفسها أية صفة سياسية وهو ما يؤكده ذ-واعزي في أطروحته (ص.5) فلماذا جعلت من تغيير الدستور والاعتراف بالأمازيغية من أسمى مطالبها مند ميثاق أكادير؟ وكان هذا المطلب موضوع مذكرة مرفوعة إلى الملك الراحل الحسن الثاني أثناء التعديلات الدستورية لسنة 1996 كما انخرطت بعض التنظيمات الأمازيغية في الهيآت الوطنية المطالبة بدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا واعتبرت النضال من أجل الأمازيغية جزءا لا يتجزأ من النضال من أجل الديمقراطية وبذلك ساندت المطالب النسائية ودعمت احتجاجات المعطلين وساندت ضحايا نزع الأراضي وكل الحركات الاحتجاجية. في هذا السياق ظهر شعار “الأمازيغية بين الثقافي والسياسي” ليسم أنشطة الجمعيات بعدما كان هم “الانتقال من الشفوي إلى المكتوب” هو السائد.  في هذا السياق ظهرت فكرة ذ-حسن ادبلقاسم الداعية للعمل بجناحين الثقافي والسياسي. وكانت هذه الفكرة ستطرح في شكل ورقة سياسية خلال أشغال المناظرة الوطنية حول استراتيجية التنسيق المزمع تنظيمها من طرف مجلس التنسيق الوطني بالرباط سنة 1997 لكن عوامل عدة, ذاتية وموضوعية وربما أيضا سياسية حالت دون انعقادها. ظلت السياسة ذات بريق جذاب لمناضلي الحركة الأمازيغية لكن خارج المؤسسات وغالبا ما عبروا عن ذلك بشكل مباشر بإعلان مقاطعة الانتخابات,(لكن في الواقع الولاءات العائلية أوالقبلية أوالمصالح الشخصية تدفع العديد من المناضلين للتصويت لأحزاب مختلفة رغم الدعوة في بيانات جمعياتهم للمقاطعة)  وبشكل غير مباشر بمقاطعة التصويت على دستور 1996.واستمر الوضع هكذا إلى تاريخ وفاة الملك الحسن الثاني سنة 1999.       

الحركة وحلم تأسيس حزب        

كان عدم اعتراف دستور 1996 بالأمازيغية صدمة دفعت الحركة الأمازيغية للتفكير في إعادة ترتيب أوراقها لكن فشل أو إفشال تنظيم المناظرة الوطنية للتنسيق سنة 1997 كرس الأزمة وأدى إلى دخول الحركة الأمازيغية في نوع من السبات وضيق الأفق لم تحرك مياهه الراكدة إلا النقاشات المصاحبة ل “بيان بشأن الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب” (المعروف أيضا بالبيان الأمازيغي أوبيان محمد شفيق أو بيان فاتح مارس) الموجه للديوان الملكي في مارس من سنة 2000. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من الأفكار الأساسية الواردة في البيان التحذير من تحول الحركة الأمازيغية الى حركة سياسية في حالة عدم الاستجابة لمطالبها الثقافية. ولذلك كان النقاش يدور طيلة هذه السنة حول سبل الانتقال إلى العمل السياسي المباشر إما عن طريق تأسيس منظمة سياسية أو حزب سياسي. ومرة أخرى, وكما وقع لمناظرة الإستراتيجية, لم يعقد اللقاء الثاني لبوزنيقة حيث ثم منعه يوم 22 يونيو 2001 وهو الذي كان من المنتظر أن يحسم في الاختيار. ومباشرة بعد هذا المنع تأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي ضم في تشكيلته أبرز العناصر النشيطة علميا ونضاليا في الحركة الأمازيغية. وبذلك تحول مجرى النقاش فأصبح المعهد (طبيعته, دوره, أعضاؤه, ميزانيته…) هو صلب الموضوع.  لكن فكرة تأسيس حزب “أمازيغي” لم تمت. فبعد أن طرح فكرة “العمل بجناحين” والتي لم يكتب لها النجاح عاد ذ. حسن ادبلقاسم سنة 2006 ليتزعم فكرة تأسيس “الحزب الفدرالي الديمقراطي المغربي” الذي يطرح الفدرالية كحل للمطالب الأمازيغية وثم تشكيل بعض اللجن التحضيرية. ويبدو أن المحاضرة الأولى والأخيرة المنظمة حول هذا الموضوع كانت من تأطيرصاحب المشروع بباريز سنة 2007 لكن الفكرة بقيت في مهدها دون أن تنتهي بتأسيس حزب. في هذا المخاض تبقى التجرية الوحيدة المتميزة تلك التي تزعمها ذ. أحمد الدغيرني الذي أسس “الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي” سنة 2005. وقد وضع الملف القانوني لدى السلطات المحلية, التي بدورها أحالت الملف على القضاء. وبعد أخد ورد حكمت المحكمة سنة 2008 بحل الحزب بدعوى أن وجود كلمة “أمازيغي” في التسمية يتنافى والقوانين المنظمة لتأسيس الأحزاب في المغرب التي تشترط أن لا يؤسس على أساس عرقي أو ديني أو قبلي…استمر النقاش, وساهم هامش الحرية الذي توفره شبكات التواصل الاجتماعي في تأسيس أحزاب وهمية بمسميات مختلفة إلى أن اقتنع البعض بضرورة الاندماج في حزب موجود وتحويله من الداخل في استنساخ لتجربة جزء من الإسلاميين مع حزب الدكتور الخطيب الذي أصبح في ما بعد “حزب العدالة والتنمية” دون أية إشارة إلى الدين الإسلامي كي لا يتنافى والقوانين المنظمة. وقع الاختيار سنة 2016, بناء على مبررات يعرفها أصحابها, على حزب التجديد والإنصاف لمؤسسه شاكرأشهبار دون غيره كالحركة الشعبية أو التقدم والاشتراكية القريبين تاريخيا من الحركة الامازيغية. لكن هذا الزواج لم يدم طويلا اد سرعان ما وقع الطلاق بعد بضعة أيام من الاتفاق لتعود عقارب الساعة من جديد إلى نقطة البداية.

من خلال ما سبق يتضح أن الحركة الأمازيغية حركة سياسية بناء على مطالب تبدوا في ظاهرها ثقافية ولذلك كانت تقول بأن “ما أزيل بقرار سياسي لا يمكم أن يرد إلا بقرار سياسي”. لكن طريقة ممارسة السياسة لدى الحركة الأمازيغية تصطدم بواقع لا يرتفع وهو وجود الامازيغ في كل بقاع المغرب وداخل كل التنظيمات السياسية الموالية للدولة والمعارضة لها فكانت ممارستهم للسياسة  تتأرجح بين الدعوة لاختراق كل الأحزاب السياسية تحت يافطة “الأمازيغية مسؤولية وطنية” أو التحالف مع هيآت المجتمع المدني لممارسة الضغط على الدولة أو السعي لتأسيس حزب والصراع من أجل السلطة بغية النضال من داخل المؤسسات. لكن كل المحطات التي كان من الممكن أن تنجب هذا الإطار الجديد (1997-2001-2005 و2016) تصطدم بعائق ما يحول دون تحقيق المراد. فهل لازالت الأمازيغية مكبلة بثقل التاريخ الذي أراد لها أن تكون قضية سياسية مخيفة؟   

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد