الحرب الأهلية الليبية..أو هكذا اندلعت المسألة الليبية

يجد القارئ مداخلة لزميلنا وصديقنا الأستاذ محمد شنيب ، مناضل وكاتب أمازيغي من ليبيا، حول موضوع الحرب الأهلية الليبية،  حيث قامت البروفيسورة “آنا ماريا دي تولا Annamaria Di Tolla ” من جامعة ناپولي الإيطالية قسم الدراسات الشرقية بتنظيم ندوة حول الأزمة في ليبيا وشارك في هذه الندوة مجموعة من الصحفيين والباحثين والدارسين في جامعة ناپولي للدراسات الشرقية وتمت دعوة ذ.محمد شنيب  للمشاركة في هذه الندوة وذلك يوم 28 ماي 2019 . ..وكانت مشاركته حول الحرب الدائرة في ليبيا بالذات بعد غزو عصابات حفتر لمدينة طرابلس وتم التعرض إلى الأزمة في ليبيا وما وصلت إليه اليوم والنتائج المترتبة عليها. المداخلة كانت باللغة الايطالية وهنا ملخص لها بالعربية تعميما للفائدة.

 ليبيا كانت مستعمرة إيطالية لمدة 32 سنة وذلك من أكتوبر 1911 حتى إنتصار قوات الحلفاء على قوات المحور في شمال أفريقيا عام 1943.بعدها تولت القوات البريطانية إدارة ليبيا حتى نالت ليبيا الإستقلال في سنة   1951، ( 24 دجنبر 1951)، أصبحت ليبيا بعدها مملكة متحدة وسميت المملكة الليبية المتحدة متكونة من ثلات ولايات ولكل ولاية لها مجلس تشريعي منتخب (برلمان) وحكومة (المجلس التنفيدي) ولكل ولاية لها وال. وكان للبلاد البرلمان الإتحادي  المنتخب والحكومة الإتحادية.

 

ليبيا بعد حصولها على الإستقلال كانت فقيرة جدآ ومدعومة الموارد الإقتصادية.وكانت لها أرض صحراوية شاسعة. ولها شاطئ على البحر الآبيض المتوسط يبلغ طوله 2000 كم وتنتشر على طوله الآثار والمدن الإغريقية والرومانية.

 

الشعب الليبي من الناحية الإثنية هو شعب ذو مكونات مختلطة وأساسيآ هو شعب أمازيغي الأصل.أما الذين مازالوا يتحدثون الأمازيغية اليوم فهم يشكلون أقلية ويتواجدون في أماكن مختلفة من ليبيا؛غير أن غالبيتهم يتواجدون في طرابلس الغرب وبالتحديد  في جبل نفوسة(جنوب غربي مدينة طرابلس)،وفي مدينة زوارة الساحلية التي تقع على بعد 90 كم غرب مدينة طرابلس.كذلك يتواجد الأمازيغ في مدينة غدامس ذات المعمار الأمازيغي وتقع على بعد 600كم جنوب طرابلس،وكذلك في مدينتي أوباري وغات التي تحد كل من الجزائر والنيجر.وفي برقة يتواجد الأمازيغ أيضآ فيواحة أؤجلة التي تقع جنوب بنغازي بحوالي 400 كم.

 

وأمازيغ طرابلس هم مسلمون أباضين ماعدا قرية القلعة التي تقع في جبل نفوسة وأما بقية الأمازيغ الليبين هم مسلمون سنيون مالكيين

 

كما ذكرت سابقآ؛كانت ليبيا بلدآ فقيرآ ولم تكن له موارد إقتصادية؛وفي 1954 ظهر تقرير من الأمم المتحدة يقول إن ليبيا لن تتمكن من الإستمرار في التواجد والعيش ما لم تحدث معجزة إقتصادية تمكنها من الإستمرار في التوجد.

 

غير أنه لإستكشاف النفط في عامي 59/58،حدثت هذه المعجزة وتمكنت ليبيا من البقاء والعيش ومقاومة الفقر.فأصبحت ليبيا منتجة للنفط ولها مزايا كبيرة نتيجة لموقعها الجغرافي المتوسطي المقابل لأوروپا الذي إستجلب إنتباه الدول الصناعية الكبرى الأوروپية والولايات المتحدة الأمريكية وبالذات الشركات النفطية العالمية مثل الأخوات السبع والبپي وبنكر هنت البريطانيتين والإني الإيطالية.هذا زاد من أهمية ليبيا في السوق العالمي وبالذات البحر الأبيض المتوسط.

 

خلال وبالذات بعد إنتفاضة فبراير 2011 ظهر وأخذ الإسلام السياسي موقفآ مغايرآ لرغبة الشعب الليبي الذي بينت إنتخابات يوليو 2012 نتائج سلبية للأخوان المسلمين كحزب والذين لم يتحصلوا إلا على 17% من مقاعد الپرلمان المنتخب(المؤتمر الوطني)،بينما تحصل التحالف الديمقراطي على 42% من المقاعد.لكن الإسلام السياسي (إخوان مسلمين ومجموعة المقاتلة بقيادة عبدالحكيم بالحاج  والذي كان من قادة القاعدة في حرب أفغانستان ومجموعة المفتي الصادق  الغرياني وبعض الجماعات من مصراته مثل صلاح بادي (الذي قام بحرق مطار طرابلس الدولي في يوليو 2014)إستغل وإستفاد من قوائم الأعضاء اللامنتمين حزبيآ وقام بشراء الكثير من هؤلاء الأعضاء متحالفآ ليتمكن من  الحصول على أغلبية من مقاعد الپرلمان هذا الإسلام السياسي كانت لهم علاقة وتأييد قوي مع دولة قطر وتركيا  وأيضآ مع ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية..

 

بعد تحصل التيار الإسلامي على أغلبية المقاعد في الپرلمان حاول البدء في تكوين دولة “إسلامية عروبية” وذلك بإصدار قوانين تساعدهم في تحقيق ذلك.

 

في هذه الأوقات كان العقيد حفتر بالتحالف مع مصر ودولة الإمارات والسعودية وشكل ميليشياته التي سماها (الجيش العربي).وقام بإعلان إيقاف الدستور المؤقت والمعمول به آن ذاك(مايو2014) مدعيآ بأنه سيحارب الإرهاب والإسلام السياسي في ليبيا (كل هذا الذي قام به يعد إنقلاب عسكريآ) وبداء عملياته العسكرية في مدينة بنغازي ثم مدينة درنة .في واقع الأمر حفتر لم يكن سوى أمير حرب ينوي السيطرة على ليبيا ليكون “القائد”.ولم يكن في قرارة نفسه ينوي محاربة إرهاب الإسلام السياسي حيث أنه كان يتحصل على الدعم من الدولة الوهابية السعودية العربية وكان له علاقات مع الحركة السلفية.

 

في واقع الأمر إن الحرب الليبية اليوم هي إنعكاس للصراع بين شركات النفط الكبرى وبكل تأكيد الخلافات بين دول الخليج متمثلة في الوهابية السعودية ودولة الإمارات ومعهم أطماع مصر بقيادة السيسي في ليبيا من جهة ودولة قطر وتركيا من جهة أخرى.

 

حكمت ليبيا لمدة 42 سنة من قبل الدكتاتور القذافي الذي كان معاديآ لأي تطور حضاري وثقافي. وكان الشباب الذين عاشوا في أيامه مبعدين كل البعد عن الذي يحدث في العالم من تطور على جميع الأصعدة؛ولم تكن لديهم أي فكرة لا تاريخيةوتذكر ولا ثقافية ولا سياسية؛ بغض النظر عن القلة القليلة. إستغل الإسلاميون هذا الواقع مضافآ إليه إرتفاع مستوى البطالة وبالذات بين الخريجين الذين تم ضمهم إلى كتائبهم والميليشيات الإسلامية بإعطائهم رواتب مغرية.

 

كان القذافي في فترة 70,80,و90 القرن الماضي مناديآ بتحمس مبالغ فيه بالقومية العربية والإنتماء العروبي وكان يحلم بتزعم “العروبة” وكان ينكر وجود الأمازيغ والثقافة الأمازيغية بل كان يدعي أن الأمازيغ هم عرب جائوا من شبه الجزيرة العربية ومنع تداول اللغة الأمازيغية ومنع حتى إستخدام الأسماء الأمازيغية

 

موقف الأمازيغ في الحرب الأهلية الحالية هو موقف سلبي،حيث أنهم ضد هجوم حفتر على طرابلس وهذا الموقف معاكس لما كان عليه موقفهم في إنتفاضة فبراير2011 ضد القذافي؛في حين في تلك الإنتفاضة كان موقفآ أساسيآ وإيجابيآ مع الإنتفاضة،الأمازيغ لا يؤيدون قيام دولة عروبية إسلامية ولا دولة ومن ورائها الإسلام السياسي ولا يؤيدون دولة ورائها  الديكتاتورية العسكرية ذات الطابع القومي العروبي الذي ينكر وجودهم.

 

فهجوم حفتر على طرابلس هو تعميق الغزو والمد العربي من الجزيرة ويقوم به هو لتحقيق أحلامه ورغباته الشخصية المبطنة.

 

الأمازيغ يريدون ويؤيدون إقامة دولة ليبية ديمقراطية وعلمانية ولا يؤيدون إقامة دولة مبنية على إثنية وعرقية واحدة.

 

في إنتفاضة فبراير عام 2011 أيد وشارك الأمازيغ الإنتفاضة لأن حلمهم وهذفهم كان إنشاء هذه الدولة الديمقراطية ضد ديكتاتورية القذافي،دولة علمانية لا شمولية؛وبما أن حفتر عسكري وهو ليس في واقعه ضد الإرهاب الإسلامي حيث أن دولة الوهابيين السعودية هي من أهم من يدفع به في هذه الحرب وهو يستفيد من هذا الدفع للوصول إلى غايته المنشودة لحكم والسيطرة عَل ليبيا هو وأسرته؛فنجده يعين أبنائه (صدام وخالد) برتب عقداء في (جيشه العربي) وبدون أي سابق معرفة بالجيش والتقاليد العسكرية،ويوكل إبنه خالد بقيادة غزو طرابلس  مستخدمآ شعارات الفتح التي تم إستخدامها المسلمون في فتح مكة منذ 1400 سنة مضت وبهذا يتعامل مع الليبيين بنفس طريقة قائده الأسبق الديكتاتور القذافي.

 

إن غزو حفتر لا أكثر ولا أقل من غزوة عقيد عجوز تم أسره من قبل المقاومة التشادية ضد التواجد الإستعماري القذافي في التشاد.فقد تم أسر حفتر في ربيع 1988 في معركة وادي الدوم وذلك عندما كان قائدآ للقاعدة الإستعمارية التي أنشأها القذافي في التشاد محاولا إستعمار التشاد (أيام الرئيس حسين حبري) البلاد المتاخمة للحدود الجنوبية الليبية.وبعد أسره تمت عملية تسليمه إلى المخابرات المركزية الأمريكية (CIA).تم بعد هذا تم منحه هو وعائلته الجنسية وجوازات السفر الأمريكية هو وعائلته وعاش في أمريكا مدة عشرين سنة.

 

في الوقت الذي يقوم فيه حفتر بهذا الغزو المبطن وفي الوقت الذي تقوم فيه ميليشيات طرابلس بما يسمى الدفاع على طرابلس؛تحترق طرابلس  ويموت السكان الأبريياء فالألاف ماتت ومازال يموتون وتزداد أعداد الجرحى وبشكل مفجع بينما وصل عدد النازحين إلى ما يزيد على 80000 فروا من نيران الحرب ليبقوا بدون مأوى ليرضي حفتر والميليشيات ودول الخليج ومصر وتركيا من ومن ورائهم.

 

*محمد شنيب//طرابلس 18 مايو 2019

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد