الاعتراف قبل الوفاة

أزول بريس – لحسن بنضاوش //

أصبحنا نحسن الحديث والمدح والثناء عن الموتى من رجالات ونساء كانوا بيننا يعيشون ويصنعون الاحداث ويؤسسون بافكار ومدارس في مختلف أوجه الحياة، ندكرهم مع اول دقيقة من اعلان وفاتهم، عبر مقالات وحوارات ونقاشات مسؤولة تحمل صفات وأحدات ومحطات مهمة في حياتهم بإسم الصداقة أو القرابة أو الانتماء التنظيمي أو غيره في صور جميلة و مؤثرة ودالة على حياة كلها عطاء واجتهاد .
يحصل هذا الامر مع الجميع، ويتحدث العدو والمناقشة والحسود والمناقشة على صفات حميدة وأخلاقه عالية وصداقة رغم الاختلاف وتباين الافكار وتصادمها أحيانا .
‌لمست هذا الواقع مع توالي مغادرة مجموعة من المناضلين والمناضلات وصناع القرار ومنظرين وأصحاب إبداع وتأثير مباشر أو غير مباشر في المجتمع إلى دار البقاء في عز أزمة فكرية وأخلاقية وإجتماعية وسياسية وصحية كونية لا أحد يعرف نهايتها تحتاج إلى مزيد من الحكماء وأهل الفضل والعارفين بخبايا الأمور ونهايات كل المعارك، وأصحاب فكر الوسط والاعتداء في جميع الأمور من أجل عيش مشترك و دوام السلم والسلام .
‌يغادرون في صمت، يتركوننا في وضعية صعبة وشادة، ينسحبون من فوضى هذا العالم الصعب والمعقد وكلهم عطاء وخدمة جليلة للإنسان والانسانية دون أن تكون لنا معهم ولو لحظة قصيرة أخيرة مباشرة لمجالستهم والتقاط اخر الصور لتباهي بها بعد وفاتهم .
‌إنهم صناع التاريخ في حياتهم، كانوا استثناءا في المجتمع دون أن يعترف لهم بذلك، وكانوا حدثا دون أن يقف أحد لهم وقفة احترام وتقدير ، قبل أن يحدث ذلك وهم أموات خير أحياء .
‌لقد عاشوا حياتهم في عطاء ولبنان راسخ بأفكارهم ومشاريعهم الثقافية والفكرية والفنية والعلمية والادبية، وأحيانا كثيرة أمام جهل الاخرين، وسخرية بعضهم وهجومات أفراد وجهات قد تصل درجة التكفير واستباحة دمهم وعرضهم، والكعن في أخلاقهم والتشيك في وطنيتهم، وهم يسيرون ولا يكثرتون ولا يهتمون بمن يعرقل مسيرتهم ويقف حاجزا أمام تطور أفكارهم ونمو مشاريعهم، مؤمنين بأهمية ترك الزاد وإغناء الخزانة والمساهمة في الفكر والثقافة الكونية عموما .
‌ومازال بيننا أخرون ، يكتبون ويؤسسون وينظرون لافكار ونظريات عظيمة وهم في الهامش ولا أحد يقرأ لهم ، ويبدغون في الفنون والادب والسينما والمسرحي والتنشيط ونضحك لعروضهم أو نسخر منها أو تتجاهل بدعوة أنها لا تمت بالفم بالصلة، ويناضلون في الميدان ونعتبرهم خوانة وعملاء وجهلاء أحيانا ونصنفهم مرات عديدة ملحدين وارهابين وعديمي الأخلاق، ونحن تجعلهم في الحقيقة والواقع، ولا نعرفهم حق المعرفة ، ونحكم عليهم من الخارج ومن خلال أشياء ليست إلا قشور تخفي الاصل والحقيقة والجوهر .
‌وحتى لا نظل ننتظر وفاة كل مناضل أو فنان أو مؤثر حتى نعرفه حق معرفته، ونتحسر لوفاته، وتعود القراءات موروثه الادبي أو الفكري أو العلمي أو الفني، ونتحدث عنه بالحسرة والقلق وصعورة الفراق، علينا أن نقرأ لمفكرينا وأدبائنا وهم أحياء ونشجعهم على العطاء الابداعي والفكري ونناقشهم وهم أحياء بعد قراءات عميقة لما يكتبون، ونشاهد المسرح والسينما وكل الفنون وأصحابها أحياء تشجيعا ومعرفة وتعميقا في رسائلهم الفنية، ونستمع لانتاجات فنية موسيقية لكل المبدعين قبل أن يغدرونا وتبحث في أرشيفهم على مقاطع وأغنيات رائدة لم نتدوقها في حياتهم لأصبحت رمزا وشعار لنا في مكانهم ، علينا أن نأخدها شعارا لنا في حياتنا ، كل منا كنز في حياتنا، ومعرفته في حياته خير من انتظار وفاته حتى نعرفه وهو في عداد الموتى .


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading