الأمازيغ والأزمات السياسية: مأزق الدولة ‘الوطنية”

عبد الله بوشطارت//

كشفت نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالجزائر، عن مقاطعة شاملة للامازيغ في منطقة القبايل الكبرى، لم تتجاوز 0,02 بالعاصمة تيزي وزو، وفي مدينة بجاية لم تتجاوز 0,12، وبالتالي؛ ظهر أن الأمازيغ لعبوا دورا محوريا واساسيا في حراك التغيير السياسي بالجزائر منذ انطلاقه في بداية هذه السنة، وعارضوا بشدة الانتخابات الرئاسية، حتى أن شوارع وأزقة مدينة تيزي وزو لم تظهر على لوحاتها وجدرانها ملصقات وصور المرشحين في إطار الحملة الانتخابية. ومعروف عن منطقة القبايل أنها تعارض جميع انتخابات الاربعة للرئيس السابق بوتفليقة. بصفة أساسية؛ منذ مذبحة الربيع الاسود سنة 2001، التي استشهد فيها حوالي 126 شهيدا امازيغيا، على اثر الانتفاضة الشعبية التي اندلعت بعد اغتيال الشهيد الشاب مايسنيسا ݣرماح من طرف الدرك الجزائري، منذ تلك اللحظة، شكلت المنطقة قوة معارضة وممانعة للرئيس بوتفليقة، وكانت القبايل عقدته التاريخية والسياسية، وحاول كثيرا اللعب بالقضية الأمازيغية اثناء حملاته الانتخابية واللعب بورقة احمد اويحي الذي تم استقطابه إلى الدائرة الضيقة للسلطة لهذا الغرض بالذات، ليكون قطبا سياسيا للنظام داخل المنطقة. وقد تقلد منصب رئاسة الوزراء والحكومة لعدة مرات، وكان أمين عام حزب التجمع الوطني الديموقراطي منذ تأسيسه سنة 1999. وتقلد عدة مناصب ديبلوماسية وسياسية مهمة طيلة عقود داخل الدولة الجزائرية، ولكن بعد اندلاع حراك الجزائر قام الجيش باعتقاله والحكم عليه بحوالي 15 سنة، بسبب قضايا مرتبطة بالفساد على حد تعبير القضاء الجزائري.
مجمله، فمقاطعة أمازيغ القبائل والمناطق الأخرى كالشاوية والمزاب…للانتخابات هي رسالة سياسية إلى النظام السياسي الذي يتحكم فيه الجيش بقوة، تفيد أن الأمازيغ لا يعترفون بمسرحية العسكر في السياسة، ولا شرعية عبدالمجيد تبون لتمثيل الشعب، وهو الشخصية الضعيفة والمرتهلة التي دفع بها الجيش واستعاد به قوته وجميع سلطاته.

وفي أكتوبر سنة 2016 بعيد الانتخابات التشريعية، اشتعلت مدينة الحسيمة بعد مقتل محسن فكري، واستمرت المظاهرات بشكل يومي في الحسيمة والمدن والقرى المجاورة لها بالريف، ونتجت عن ذلك حركة احتجاجية قوية ومنظمة لم يسبق لها مثيل في المنطقة ولا في المغرب، عرفت بحراك الريف، الذي يحمل عدة مطالب اجتماعية واقتصادية وثقاقية، ولم يهدأ الوضع بالحسيمة إلا بتدخل السلطة ورجال الأمن وشن حملة اعتقالات في صفوف زعماء ونشطاء الحراك، حملة همت العشرات من المناضلين الذين تم الحكم عليهم باحكام ثقيلة جدا، حيث اتهموا بالانفصال.
حراك الريف جاء بعيد الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزب البيجدي، ضد حزب البام الذي يتزعمه الياس العماري، الذي ترشح في دوار صغير بمنطقة الحسيمة، واصبح بفضل ذلك الترشح رئيسا لجهة طنجة تطوان. وبالرغم من الانتصار الكبير الذي حققه حزب البام القريب من السلطة في منطقة الريف، إلا أن بروز الحراك بزعامة قيادات شابة لم تكن معروفة نهائيا قبله، وكانت اغلبها تنتمي إلى تيارات الحركة الامازيغية، خاصة خريجي الجامعات الذين كانوا مناضلين في صفوف MCA، وشن هؤلاء الشباب حربا ضروسا على الأحزاب السياسية وخاصة حزب البام، ووصفوها بالدكاكين السياسية. وكانت الدولة تعتمد كثيرا على قيادات ووجوه تنحدر من الريف لتزعم حزب البام كقطب سياسي كبير يجمع بين تجربة بعض المناضلين السابقين داخل تنظيمات يسارية، وبين الاعيان الكبار، وذلك لمواجهة الإسلاميين، ولكن انتماء جل متزعمي البام الريف يطرح أسئلة اخرى، يمكن ادراجها ضمن المصالحة السياسية التي ارتأت الدولة نهجها مع منطقة الريف التي كانت منطقة توثر سياسي منذ قمع انتفاضات الريف سنتي 58/59. ولكن ماذا حصل بعد اندلاع حراك الريف ؟ الذي حصل هو ان هذا التيار الريفي داخل البام تفكك، العماري استقال من الأمانة العامة للحزب، ثم في الجهة، والان بدأ خلفه في الحزب بنشماس يعيش مرحلة هبوط سياسي بعد فشله في توحيد الحزب.( نفس مسار احمد اويحي يتلقاه الياس العماري، نهاية قاسية وتراجيدية).

أما في ليبيا فتأكد أن الأمازيغ يسيرون في خطى ثابتة من أجل استعادة موقعهم السياسي الذي ضاع منذ عقود بسبب ديكتاتورية القذافي، وقد ظهر أن الأمازيغ يتحكمون بالمطلق في تسيير المناطق التي يقطنون بها وينتشرون فيها، واصبح لهم تنظيمات عسكرية وسياسية وحزبية خاصة بهم، وخاصة حزب الليبو، الذي ينطلق من المرجعية الامازيغية. الآن الوضع في ليبيا غير مستقر يعيش اضطرابات وصراعات حادة، نتيجة تورط القوى الخارجية في الصراع الداخلي، ولكن كيفما كانت سيناريوهات المستقبل السياسي، فالامازيغ سيكون لهم موقع في الدستور ومؤسسات الدولة. بفعل حضورهم العسكري والميداني في الدفاع عن مواقعهم وثرواتهم وحقوقهم الثقافية والاقتصادية.

في دولة مالي التي عاشت مشاكل كثيرة مع التوارق في الشمال منذ اندلاع ثورة كيدال سنة 1963، وانتفاضات كثيرة اغلبها ثورات 1990، والتي تورطت فيها الدولة المالية بشن مذابح شنيعة ضد السكان الأمازيغ في الشمال. طيلة عقود من الصراع المستمر والتفاوض الهش، لم تحل قضية الصراع السياسي مع التوارݣ، إلى أن تفجرت الاوضاع من جديد في سنة 2012 حيث تم الاعلان عن دولة أزواد، بزعامة حركة تحرير الازواد، وقد تابع العالم تفاصيل هذه المعركة التحررية التي قمعتها فرنسا بحضور رئيسها فرانسوا هولاند إلى صحراء مالي متزعما جيوشه واسطوله الحربي من الطائرات والعتاد لإعادة الوضع كما هو عليه، بدريعة الحرب على الارهاب. وفي مسار طويل وشاق تم اعلان الهدنة في الجزائر العاصمة بعقد ميثاق السلام والمصالحة بين حكومة مالي وتنظيمات الطوارق سنة 2015 وقد وقع من طرفهم زعيم حركة تحرير ازواد بلال أگ أشريف. لكن للاسف الشديد تنصلت حكومة مالي من الالتزام ببعض بنود الاتفاق خاصة فيما يتعلق بصلاحيات رؤساء الجهات والمناطق التي شملها النزاع، ليتوقف مسلسل المصالحة، وتبقى الآن منطقة الشمال المترامية الأطراف في مالي تحت نفوذ قيادات تنسيقيات الطوارق في مدينة كيدال بزعامة امنوكال بلال أݣ الشريف. ولم تعد حكومة مالي قادرة على بسط نفوذها هناك.

خلاصة القول، إن عيوب “الدولة الوطنية” التي خلقها الاستعمار في شمال افريقيا، طفت على السطح بشكل بارز وقوي في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق باغتصاب حقوق الأمازيغ السياسية والاقتصادية والثقافية، فإذا كان يختلف الوضع في مالي وليبيا بسبب وجود الحرب والسلاح على الميدان لحسم الصراع بين الأمازيغ والانظمة الحاكمة، فهم يتصارعون في ليبيا حيث توجد حالة لا دولة بعد الثورة، فيما مالي يوجد صراع مسلح بين الأمازيغ وحكومة مالي، الآن يوجد في حالة وقف اطلاق النار التي تشرف عليها الامم المتحدة.
بينما الوضع يكاد يكون متشابها في المغرب والجزائر، استمرار المناورة السياسية والاحتواء السياسي، مع اعطاء بعض الحقوق اللغوية الأمازيغية في الاعلام والتعليم بتدرج وحذر كبيرين. واستمرار الحصار السياسي بعدم السماح بتأسيس احزاب ذي مرجعية أمازيغية، خاصة في المغرب، مع استقطاب نخب سياسية واقتصادية تنحدر من المناطق الامازيغية واعطائها الزعامة في أحزاب محسوبة على الادارة والسلطة، واظهارهم يتحدثون بالأمازيغية داخل المؤسسات وفي الحملات الانتخابية، للتغطية على عدم وجود إقصاء للتيارات الأمازيغية. ولكن بدون منحهم سلطة القرار السياسي، سواء في الجهات أو في المركز.

الآن، يبقى الأمازيغ الذين يحملون برنامج نضالي امازيغي، في المغرب والجزائر يتصدرون واجهة النضال والحراك الاحتجاجي في الشوارع، يناضلون خارج النسق السياسي والحزبي المتحكم فيه، وينشدون المزيد من الحريات والحقوق، فهم يواجهون السلطة من جهة وغطرسة الأحزاب الإسلامية والتيارات العروبية داخل الأحزاب والنقابات. وهو التحالف القديم الذي شكل مع الاستعمار ملامح الدولة الوطنية في إطار ما سمي بالحركات “الوطنية”. وبعد 50 سنة صعدت نهضة امازيغية حرة لتصحح زيف الوطنية المصطنعة التي همشت واقصت، وهضمت حقوق الأمازيغ.
فعلى حكومات شمال افريقيا أن تفتح المجال للأمازيغ للمشاركة في القرار السياسي، والاستفادة من ثرواتهم الكثيرة، وأن تعترف بجميع حقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية. فالمستقبل سيكون للحركات الأمازيغية الصاعدة في كل بلدان شمال افريقيا….
عبد الله بوشطارت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد