أزول بريس – الحسين بويعقوبي //
خلص المهتمون بالدراسات التاريخية والأنثربولوجية للمجتمعات الأمازيغية (أمهان, أفولاي…) إلى أن ميلاد الأمداح النبوية بالأمازيغية خاصة في سوس ثم وجود تراكم على مستوى المخطوطات الدينية الإسلامية المكتوبة بالأمازيغية بالحرف العربي منذ العصر الوسيط كان يندرج في إطار ٱستراتيجية سياسية تسمح لحامليها بالتموقع وتثبيت دعوتهم وتقوية قدراتهم التنافسية مع المعارضين.
لقد كان للبرغواطيين تميزا على هذا المستوى واستثمر المهدي بن تومرت, زعيم الموحدين, بدوره هذا المعطى الثقافي, كما كان للتنافس بين الزوايا دور في تعزيز الكتابة الدينية بالأمازيغية وجعل هذه اللغة حاملة للخطاب الديني. وقد إستمر هذا الأمر في المدارس العتيقة والمساجد بشكل غير منقطع في مختلف بقاع سوس مما جعل أمازيغية هذه المنطقة (تاشلحيت) تتوفر على رصيد معجمي ديني مهم وإن كان بعضه من أصول عربية إلا أنه تمزغ بشكل كبير ك “تازاليت”- الصلاة” أو “أوزوم-الصوم” (بتفخيم الزاي في الكلمتين), لدرجة يصعب الإنتباه لأصله العربي. وبعد استقلال المغرب تم استثمار الإذاعة فتضمنت برامج دينية بالأمازيغية كان من أهم منشطيها محمد المختار السوسي وامحمد العثماني ثم أعمون مولاي البشير والحسن سكنفل… والشيء نفسه إستمر في التلفزة المغربية خاصة بعد ميلاد قناتي الأمازيغية ومحمد السادس للقرآن الكريم.
ويلاحظ مؤخرا عودة إستعمال “تاشلحيت” من طرف بعض “الدعاة” مستفيدين من وسائل التواصل الإجتماعي وما توفره من حرية التعبير والتأثير لحمل خطاب دعوي لكنه مختلف عن خطاب الأولين, لا على مستوى الشكل أو المضمون أو الوسائل أو الغايات وحتى الخلفيات الإيديولوجية. ولذلك نجدهم يحرمون كل ما يميز مجتمعهم ثقافيا من فن ورقص وغناء والقراءة الجماعية للقرآن وطريقة اللباس والصلاة والعديد من الممارسات التعبدية والثقافية المحلية بل وحتى بعض الأكلآت والمناسبات الإحتفالية كبيلماون و إمعشار و يناير. باختصار يقترحون نمط حياة جديد يسمونه إسلاميا “حقيقيا” كما يتصورونه.
ومن مميزات خطابهم تشبتهم بانتمائهم الأمازيغي لغويا وسعيهم الواضح كما يصرحون لعدم ترك الأمازيغية بين يدي “العلمانيين” و “الملحدين” ورغبتهم في الدفاع عن “أمازيغية إسلامية” يبذو أنها لا تتجاوز بالنسبة لهم مستوى اللغة دون أي ممارسة ثقافية مرتبطة بها. ويعتبر هذا المعطى من أهم التحولات التي عرفها الخطاب المنتج حول الأمازيغية في بداية القرن الواحد والعشرين حيث ظهرت جمعيات إسلامية أمازيغية تبحث لنفسها عن موقع في النقاش الدائر حول الأمازيغية ومخرجاته وتريد التأثير في كل قرار يتخد بخصوص هذا الموضوع. ومن مظاهر هذا التحول ظهور مجموعات للإنشاد الإسلامي بالأمازيغية تعتمد أساسا على استعمال ألحان بعض الأغاني التقليدية للحاج بلعيد مثلا وتعويض كلماته بأخرى بمضمون إسلامي أو إعادة تسجيل الأمداح القديمة “أكراو” بتوضيب وإخراج جديدين. وقد إنتبه المغاربة المسيحيون أيضا لهذه الإستراتيجية فبدأوا بدورهم في استعمال بعض الألحان الأمازيغية المعروفة وتعويض كلماتها الأصلية بأخرى تمجد المسيح و يسوع وتدعوا لاعتناق المسيحية, كما استثمروا أيضا مجال السينما لنفس الغاية. ولعل هذا المعطى الجديد سيعزز مستقبلا استعمال الحركات الدعوية الإسلامية للأمازيغية في خطابها مثلما دفع في ما سبق المملكة العربية السعودية لدعم إصدار ونشر ترجمة القرآن بالأمازيغية وهو ما تم أيضا في المغرب والجزائر بعد سنوات من التردد.
من خلال ما سبق يتضح أن استعمال الأمازيغية شفويا أو كتابة كان ولا يزال عنصرا مهما في الإستراتيجيات المتبعة من طرف مختلف المتنافسين سياسيا ودينيا وتبقى الأمازيغية بتنويعاتها لغة قادرة على حمل كل الخطابات وهي القادرة إلى جانب الدارجة المغربية على التأثير في وجدان الشعب المغربي.
التعليقات مغلقة.