الأمازيغية، الديمقراطية والدولة التي نسعى إليها

أحمد أرحموش

كانت إفريقيا الشمالية، خلال قرون، بؤرة انصهرت فيها عدة ثقافات. وتعتبر الأمازيغية التي  قطعت  أكثر من 33 قرن  الهوية الأكثر قدما حافظت على قوتها وحيويتها إلى يومنا هذا بهده المنطقة.

وفور بزوغ نضال  المقاومة الوطنية لم يظهر بشكل واضح  من يحمل ، هَمّ  القضية الأمازيغية هوية وثقافة ولغة وفي كافة أبعادها،  لكن وبموازاة مع ذلك فرض قادة الحركة الوطنية المتشبعون بالمذهب العروبي خطابا هوياتيا استيعابيا و اختزاليا مناهض لكل التنوعات الثقافية مبشرين  بآمال وهمَ  التأسيس لما يسمى  بمغرب )عربي( إسلامي تتلخص لحمتها اللغوية في لغة عربية  , دينية ومقدسة. وكانت مستلزمات التكفل بالهوية الأمازيغية تبدو بمثابة مس خطير  بالوطن . لدلك لوح  بعض أقطاب الحركة الوطنية بوجود مؤامرة  امازيغية  النزعة ،و مباشرة  بعد   مفاوضات ايكس ليبان ، تم مع الأسف اعتماد نموذج الدولة الوطنية المشوهة المختلطة بالنموذج الفرنسي اليعقوبي. وستنفرد البلاد إذن ، بإعلانها   لغتين  للتُداول اليومي، لغات خارج القانون. ويتعلق الأمر بالعربية والفرنسية التي لا وجود لها بالفعل في أي نص رسمي آنداك . ومع ذلك فإن الرفض الذي لحق الأمازيغية كان صادرا عن الهدف المعلن والرامي إلى جعلها “لا لغة”.

ويبدو تبعا لدلك انه لن يكون بإمكان نموذج الدولة العتيقة التي تم تبنيها والتي تعتمد بشكل منهجي ثقافة النزاع والدسائس(ضهير1930-الوحدة الوطنية –التوحيد …)، أن تقدم استجابة ما لمستلزمات المواطنة.وهو ما أدى وجعل (القادة)  يغرقون في  التعصب والحَـلقية والاضطهاد/القمع نمطا للتدبير مصحوبة باحتقار معلن للغة والثقافة الأمازيغيتين. وبالموازاة مع دلك وسعيا إلى احتواء و امتصاص مد الغضب و النضال الامازيغي  وتهربا من المأسسة الكاملة للامازيغية فانهم  ينفدون  و يلوحن أحيانا بإقرار آليات  هامشية هشة و اختزالية للامازيغية كما هو الشأن بالنسبة ل (تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية + التنصيص في قانون المسطرة الجنائية الجديدة على إمكانية  استعانة قاضي بترجمان من الامازيغية للعربية ….) وأحيانا أخرى بآليات متحكم فيها عن بعد كما هو الشأن لواقع ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور يوليوز 2011. 

أية منطلقات لرؤيتنا للدولة؟ 

تتأسس في نظري العناصر الأولية لهذه الرؤية على العناصر التالية :

1- تشكل الحركة الأمازيغية في نضرنا  حركة نضالية  من  المفروض أن تحمل  في طياتها مشروعا   يتجاوز النزعات الذاتية والوطنية الإقليمية المنغلقة. وتسعى إلى مصالحة  الوطن والمواطنين  مع تاريخهم في بعده الشمال الإفريقي والمتوسطي، وفي بعده الذي نعلَن  فيه جميعا  الانتماء إلى المبادئ  الإنسانية والحقوقية و الكونية .  لتكون بدلك قوة سلمية ذات بعد سياسي في جوهرها.

2- بالرغم من الغزوات المتعددة التي تعرض لها المجال الأمازيغي يبقى الطابع الأمازيغي هو قاعدة هوية شمال إفريقيا.

3 – في بلدنا (المغرب) تبلور التعبير السياسي للمطالب الأمازيغية بعد وقوع المغرب تحت الحماية الاسبانية والفرنسية . وأفضت المقاومة إلى  قمع وصَـل إلى حد النفي او  التصفية الجسدية للأطر الوطنية المناضلة. وعشية ايكس ليبان تمت التضحية بالأمازيغية ومقوماتها المكرسة للتنوع السياسي والثقافي بالمغرب باستغلال فاحش لشعار  من أجل استرجاع الاستقلال الوطني. وهكذا تم استبعاد الأمازيغية لفائدة الإيديولوجيا العربية الإسلامية. وشيدت السلطات المتتالية والمتعاقبة برامجها وسياساتها على قاعدة الإقصاء والمحو (المادي و/أو الرمزي) لذاكرة لا خيار لها الآن سوى الاستيقاظ للطعن في شرعية غاصبة، عبر النضال من أجل الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وانعتاق المجتمع؛ والمساهمة في بزوغ التعددية السياسية واللغوية والثقافية  و  إيقاظ الوعي من خلال تبديد وهم الثوابت التي تروجها السلطة. 

4- الحركة  الامازيغية  لازالت  حركة يسارية  بمعناه السياسي وليس الحزبي وغير متحزبة  وفي المعارضة وهي  غنية بتجربة عمرها أكثر من أربعة عقود، اشتهرت فيه  بأنشطة سلمية متعددة. وبالرغم من حكمة وتبصر أطرها وأعضائها ما فتئت الدولة تلجأ إلى القمع الذي لم ينل مع ذلك من إرادة مناضليها  وقناعاتهم.

5- ساهمت الأدبيات المتعددة التي أفرزتها الهيئات والفعاليات الامازيغية في إعداد نصوص تحدد  بعض الأهداف  والوسائل التي يتعين إعمالها من أجل تحقيقها. لكن  بقيت مع ذلك ثغرة مهمة  أخرى ويتعلق الأمر برؤيتنا للدولة والتي ستكون بمثابة رقيب من شأنه أن يمنع  او يقلل من بعض المنزلقات و كل محاولة للتسرب قصد التلاعب  بمطالب  الحركة الامازيغية. وهذه الرؤية يمكن في اعتقادي تحديد مقوماتها الأولية فيما يلي:

مقومات الدولة من خلال تجارب بعض الدول:

من أجل تقديم حد أدنى من التوضيحات فيما يخص رؤيتنا لتنظيم الدولة، يجب أن نعلم أن الدولة على ضوء التجارب التي تمت في مختلف بقاع العالم، يتم تدبيرها بطريقتين اثنتين ممكنتين.

  • الدولة الفيدرالية: هذا الشكل هو نتيجة لانصهار أمم صغير أو تدبير ديمقراطي لأمة كبرى. وبما أن المغرب حسب التيار الرسمي ليس نتاجا لهذا النوع من المسلسلات التاريخية فإنه لا يحق له الطموح إلى تحقيق هذا النوع من التنظيم في اللحظة الحالية.
  • الدولة الوحدوية: وتكتسي ثلاثة أشكال:

1 . الدولة الوحدوية المركزية: تلك هي حالة  المغرب . وتشكل تجربة غير مقنعة، وبالتالي ينبغي التخلي عنها بالضرورة.

2.الدولة الوحدوية اللامركزية: ويتم فيها تفويت بعض الصلاحيات للأطراف، وتحتفظ فيها الدولة المركزية بإمكانية فصل كل العصاة ونسخ قراراتها. ويتعلق الأمر هنا بمجرد خديعة ليس إلا.

3.الدولة الوحدوية الجهوية: يتم تقسيم الأمة إلى جهات طبيعية تتمتع باستقلال ذاتي واسع. ويمكن لهذه الجهات أن تتوفر على جهاز تنفيذي وعلى برلمان خاص بها. وتكون الدولة المركزية مجرد ضامن للسياسة الخارجية والدفاع الوطني والسياسة النقدية. ويتعلق الأمر هنا بالفعل بتسيير ذاتي جهوي.

أية دولة نريد  إذن للمغرب؟

اعتبارا للأزمة المتعددة الأبعاد المترتبة عما يزيد عن نصف قرن من حكم نظام ليبرالي محافظ، ملازم لطبيعة نظام سير الدولة، فإن  المغرب  ملزم اليوم بإعادة تأسيس شامل. وبالفعل، يكتشف  المغاربة  يوميا هول الهوة التي تفصل الحاكمين عن المحكومين.

 وعلى سبيل المثال، يشكل  نضال الحركات المدنية الاحتجاجية بمختلف تمظهراتها ومطالبها  الامتداد الطبيعي للنضالات التي لم تنته. كما يبين أن المعركة من أجل الهوية لم تحل بعد في مجمل ربوع الوطن . ولعل مشاكل مثل ( المدرسة، العدالة, الإعلام, الإدارة  والتنمية الاقتصادية وعموما إشكالية المواطنة ) مصدر حركات اجتماعية تشمل  الشعب  برمته؛ ويجب أن تكون معالجتها فورية، ملائمة ,ومتفردة ولن يكون لهذه المعالجة صدى إلا في إطار دولة وحدوية  فيدرالية  مؤسسة على المعطى الاقتصادي أساسا والتاريخي والثقافي .  

ونعتقد تبعا لدلك انه لا يمكن التخفيف من آثار العولمة السلبيبة  التي تنحو نحو  توحيد نموذج الثقافة الغربي و إلى تعميمه ولن يتأتى للدولة المركزية  مناهضة دلك سوى  باعتماد   نضام الدولة الوحدوية  الفيدرالية   الضامنة لكل انعتاق، القوية بمشروعيتها، القادر وحده  على الوقاية من الغزو السلبي  والتسطيح الثقافي. في الوقت الدي تتكون أو تكونت فيه  مجموعات فوق وطنية، تفرضها العولمة، على غرار أوربا؛ وذلك انطلاقا من مجموعات تحت وطنية تتمتع باستقلال ذاتي واسع  كمناطق طبيعية.  والمغرب ولما لا وإفريقيا الشمالية التي تقع على مرمى حجر من الضفة الجنوبية لأوربا وبالأخص اسبانيا  لا يمكنها أن تبقى في منأى عن هذه الدينامية.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد