الأعيان.. من المخزن إلى العدالة والتنمية

رأي المحرر: الحسين أبليح

في بلد كالمغرب، قد يكون تأبطك لشهادة عليا في حزب معين، جريرة ونقطة موجبة للرسوب. هذا الشعور يخالج كل الأطر التي يحتفظ بها لتباع في سوق النخاسة الانتخابية للأعيان

بحسب البوليتولوغ الفرنسي ريمي لوفو  1932-2005 مبدع أطروحة “Le Fellah marocain, défenseur du trône”، التي نُشرت قبل 40 سنة من اليوم، والتي تعد من كلاسيكيات علم الاجتماع الانتخابي المغربي sociologie électorale marocaine، النظام الملكي بعد الاستقلال، اعتمد على الوجهاء والنخب المحلية لتوطيد سلطته.

لوفو يومئ إلى التحالف الذي جمع، خلال الستينيات من القرن الماضي، بين القصر والنخب المحلية، ضدا على الأحزاب التي تمثل البرجوازية المغربية لا سيما حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية؛ وهي الاستراتيجية التي اتكأت على النمط الذي اصطفته الحماية الفرنسية لبسط نفوذها على المغرب، وضمان استقرار البلاد، لا سيما في العالم القروي، من خلال دعم الأعيان المحليين.

ليس من المستغرب أنه في حالة المغرب، لا تؤدي الانتخابات نفس الوظائف التي تؤديها في الديمقراطيات الغربية

جمع النظام المغربي أعيانه في الأحزاب التي كانت تسميها المعارضة إلى مقتبل التسعينيات، “أحزاب الإدارة”، والتي شكلت حجر الزاوية في النظام الانتخابي المغربي. هؤلاء الأعيان، أبدع ريمي لوفو في توصيفهم باقتدار، فَهُمُ الراسخون بقوة في بيئاتهم، المتمتعون بأقصى درجات التضامن العشائري والقبلي (clanique et tribale)، ولهم دُربة على الحفاظ وموازنة شبكات المصالح والقرب. فئة لديها جميع الميكانيزمات اللازمة للظفر بالولايات التي كانوا يسعون إليها، ولم تكن يد الإدارة أبدا بعيدة لتقديم يد المساعدة عند الحاجة.

في بلد كالمغرب، أغلب ساكنته من العالم القروي، كان التصويت للأعيان هو القاعدة السائدة، حتى أحزاب المعارضة استوعبت النظام واعتمدت أيضًا على هذه الماركة من المرشحين القادرة على الفوز بمقاعد.

الحالة المغربية تظل مخاتلة وغير منضبطة، ولا يمكن تحليل التجربة السياسية المغربية الحالية دون أن نعرج على مستوى النضج الذي تمت مراكمته للجمع بين الشرطين الرئيسيين اللازمين لأي تغيير سياسي منشود، ويتعلق الأمر بميثاق سياسي يقطع مع حالة العدوانية bellum gerere وحزمة إصلاحات دستورية متفاوض عليها تُحَيِّدُ (مسألة السيادة) إلى حين.

في بلد كالمغرب، أغلب ساكنته من العالم القروي، كان التصويت للأعيان هو القاعدة السائدة، حتى أحزاب المعارضة استوعبت النظام واعتمدت أيضًا على هذه الماركة من المرشحين القادرة على الفوز بمقاعد.

بيد أن سنة 2011 ستكون سنة التوقيع على الصدمة، بنزوح بروفايلات جديدة إلى الساحة الانتخابية، بمرشحين غير معروفين – كأفراد – من لدن ناخبيهم، وبهم تمكن حزب العدالة والتنمية من الفوز بأكثر من ربع مقاعد مجلس النواب.

نجح الحزب الإسلامي في بسط نفوذه وفرض اسمه كعلامة سياسية وشعار وهوية مجردة لا يمكن الخلط بينها وبين من يمثله؛ فوَضْع مرشح أو آخر في دائرة انتخابية، لا يغير كثيرًا من اختيارات الناخبين، الذيم لا يخطؤون علامة حزب العدالة والتنمية.

هذا الكاطاكليزم خلخل بنية الأعيان، “صناع” و”مدمرو” عملية الاقتراع، ولالتماس أسبابه، وجب البحث عميقا في عملية “التمدن الوثاب – l’urbanisation galopante ” للسكان، مع الاحتفاظ الوثيق بِوَصْمة “الترييف”، لكن في المحصلة، بداية نهاية قيم أثيرة لدى طبقة الأعيان، ونشدد على التضامن التقليدي الذي تحصنه القبيلة والأصل العرقي.

ستظل اللحظة الانتخابية في المغرب “قوسا” في الحياة السياسية، ولا تثير الاهتمام إلا بسبب الحرية النسبية للعب الأدوار التي تتمخض من رحمها

ستشرئب الأعناق إلى اقتراع الثامن من سبتمبر 2021، بالضبط كما حصل عشية السابع من أكتوبر 2016، والذي انحصر فيه النزال بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، بيد أن هذه السنة، تَعِدُ بنزال مزيد ومنقح بدخول التجمع الوطني للأحرار لحلبة الصراع.

المواجهة ستظل نفسها، كأن الزمن توقف عند 7 أكتوبر 2016، مواجهة بين علامة سياسية أصبحت راسخة ومستتبة في المدن، وآلة انتخابية هائلة تحشد قواها الضاربة من قبل الأعيان المتحصنين بالمداشر والقرى.

ستظل اللحظة الانتخابية في المغرب “قوسا” في الحياة السياسية، ولا تثير الاهتمام إلا بسبب الحرية النسبية للعب الأدوار التي تتمخض من رحمها. وبالرجوع إلى طروحات الطوزي ومن حوله في Élections au Maroc, entre partis et notables   ، فلا يمكن اعتبار تنظيم الانتخابات مؤشرا على الدمقرطة بأي حال من الأحوال.

لا يعدو الأمر أن يكون سوى فائضا في الأداء الخطابي الذي يتيح تعزيز تأثيرات التمسرح، وجعل الأبطال مرئيين، والإشارة إلى المسارات الافتراضية للمشاريع السياسية المتنافسة من أجل إغواء “العاهل”، المحتل الوحيد لفضاء السلطة الحقيقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد