الأديب الصديق الأيسري في قراءة لقصيدة “الجبل المنسي ” للشاعر أحمد الشاهدي

تحرير سعيد الهياق
🔸عندما تقرأ قصائد الأديب و الشاعر أحمد الشاهدي تحس بالواقعية و بهموم الناس حروفه مرتبطة غالبا بالإنسانية بالتسامح و السلام و الحرية و العيش الكريم، تشعر و أنت تغوص في عمق كلماته أن هناك لمسات تحررية و بصمات إنسانية حروف تزخر بجمالية شعرية تحمل ثقلا نورانيا للتخلص من الظلامية و القهر و الإستبداد.
يتميز بأسلوب بسيط لمغازلة الحروف يحمل بين طيات قصائده لغة شعرية غير معقدة متوخيا بذلك إيصال رسالة إنسانية بمنهجية بسيطة إلى أكبرشريحة من الناس حيث أن فهم مغزى الكلام يتم بإلتحام روحي بين العقل و القلب بعيدا عن الإيحاءات المعقدة و الستائر الحلزونية و الأغطية الحربائية، فالشاعر الحكيم أحمد الشاهدي اختزل الطريق لكي يكسب عقول وقلوب الناس بنسجه لكلمات شعرية تطرب على أوتار الوعي لكي تصحو الضمائر من السبات الممنهج.
ففي هذه القصيدة التي تحمل عنوان “الجبل المنسي” نلاحظ أن الشاعر استطاع بحسه الفني و غريزته الأدبية المتدفقة رقيا و شموخا أن يجمع بين علم جامد “الجبل” و أخر متحرك بفعل كائن حي ألا وهو الإنسان الذي رمز له بالنسيان.
((على الجبل الأصم
في مدى البصر البعيد
ملايين الجوعى
ملايين المحرومين
من فرحة الحياة
فكيف بالعيد!!!))
هنا ارتأى الشاعر أن يستمد الإستعارة الحيوية ألا وهي الكلام حيث جعل الجبل مثل كائن حي فقد صوته و صار أصم، فالجبل رغم شموخه و علوه و تحديه لعوامل الطبيعة من رياح و ثلوج و إعصارات و فيضانات فقد ضاع صوته و كلامه حيث الكل تنكر له ولم يبالوا بعظمة لسانه و لا بالرسالة التي يحملها على قمة الجبل فهو يمثل التحدي لكل التربصات و الاعتداءات فهو جدار الأمان و رمز للسكينة و الطمأنينة فلوحده يجابه التيارات على اختلاف قوتها و جبروتها، جبل شامخ يعاني من التهميش و التحقير فكلما وجه الإنسان نظره للأفق البعيد إلا و أبصر الآهات و الآلام و الأحزان و الشقاء، فقد سلبت منهم أبسط شروط الحياة فمعظم قاطني الجبال فقدوا شهية الأكل محرومين من ملذات العيش الكريم سيطر عليهم الجوع و المذلة فكيف يعقل في بيئة تجتمع فيها الأفواه الفاغرة و العيون المحملقة و الأمعاء الفارغة و العظام الهشة و الأجساد العارية أن تعرف طعم الحياة و راحة البال فلا فرحة و لا عيد و لا سرور ولا سعادة في وسط فقد الإبتسامة و الراحة فالجبل و ناسه فقدوا لسانهم سكتوا لعدم وجود منصت ومستمع أو أسكتوا لأن مطالبهم مشروعة تزلزل كيان الأعداء.
((حين يزهر الجبل
بعد القحط والجذب الشديد
يتهافت الأهالي
يتطاحنون بينهم
حول حزمات البرسيم
من يظفر هو السعيد!!! ))
بعد أزمة طبيعية من جفاف و ندرة المياه عرف الجبل القحط و الجذب مما سبب في كارثة إنسانية للجبل وهذا في القياس والمجاز الطبيعي و لكن للشاعر حبكة و جمالية الرمزية لتقريب المفاهيم بكل حنكة و بيان بلاغي حيث أن إنسان الجبل عان من ويلات الإهمال و التهميش حيث لم تتوفر لهم الموارد المالية و لا المشاريع الإقتصادية للاستفادة من التقدم و التحضر والازدهار بل بالعكس من ذلك فقد اتسمت المساعدات بالشح و الندرة مما جعل الساكنة الجبلية تتخاصم و تتعارك على منتوج الذل و الاحتقار ألا وهو البرسيم أو التبن الذي يكون عادة من قوت الحيوانات و الحمير فهنا تتجسد عبقرية الشاعر و ذكائه للتعبير عن الإهانة التي حصلت للسكان بعد مدة من الكفاح و الجد و المثابرة فلم يقتات من فتاة المشاريع الضئيلة سوى حفنة من الجهال و حثالة البشر مثلهم مثل الحمير الذي يتقبل أحقر العيش و أهون معاملة ويسعد بأكلته الحقيرة و يزغرد بنهيق الفرحة و السعادة .
((على الجبل الأصم
لا أثر للبناء والتشييد
لا مشفى ، لا مدرسة
غير هوائي عال
نصبوه هناك ذات عام
كشاهد أبكم على التشريد!!! ))
مازال الشاعر ينعث الجبل بالأصم حيث فقد حيويته و شموخه بفعل الذل و الاحتقار فلا وجود لأبسط معاني الحياة الكريمة فقد توقفت عقارب التشييد و البناء فجمدت ساعة السكن في نقط الصفر و انحبست بنود التقدم عند عتبات الفقر و التشريد فلا معمار و لا بوادر التحضر، فلا الصحة و لا التعليم وجدا طريقهما للجبل فقط آفات و كوارث الذل هي المسيطرة على الميدان حيث الجنون و المخدرات و الجهل و الكسل ساهم في مسح وإزالة قيم الإنسانية و الكرامة على قمم الجبل الأصم، فقط لكل متتبع ذكي و فطن للعبة القذرة يشاهد نصب هوائي يتربص من العلا على حرية الإنسان يعد ويحسب القليل و الكثير مثل الجواسيس على بوابات المقابر تحبس الأنفاس و تزهق الأرواح و تدفن الأحياء على جنبات التاريخ الدموي قيدت الحرية بأصفاد الجهل و سلبت العلم و الثقافة و التحضر بأغلال الظلامية تنهش أجساد الأحرار.
((هناك في أعلى الجبل
صاحب معزتين أهل للتسييد
له الحل والعقد
له الفصل بين الأهالي
في الجبل المنسي
حتى الطيور حرمت التغريد!!!))
في المثل المغربي نجد التطرق للمعزة أي أنثى الجدي حيث يفيد التعصب للرأي في المثل “ولو طارت معزة” حيث يحكى أن رجلا شديد العناد و التكبر اختلف مع صديقه عن رؤية هالة سوداء بعيدة فهو يقول أنها معزة بينما صديقه يقول غراب فاتفقا عن ضربها بحجر فإن طارت فهي غراب و إن لم تحلق فهي معزة عندئذ قذفها بحجر فطارت فنطق العنيد المتكبر المتعجرف بقولته الشهيرة “ولو طارت معزة”
هنا في القصيدة مثل حاكم الجبل يملك معزتين أي أشد عنادا و تكبرا فهو ذو عقلية مستبدة لا يسمع و لايطبق البراهين و الحجج والأدلة فهو يملك العقد و الحلول أي الأسئلة و الأجوبة و التفسيرات و التأويلات لوحده الحاكم و الجلاد يحكم بهواه ولا يأبه للإنسانية فقد سلب الحرية من الناس فوضعهم في دهاليز السجون و في الأقفاص مثل الطيور القابعة مرغمة داخلها مسلوبة التغريد و البوح بأغاني الحرية و الكرامة.
((على الجبل الأصم
هناك عندهم حلاق فريد
ينزع الأضراس
يعالج اللدغات وعضات الافتراس
يحلق رؤوس الناس
يمارس كل المهن ويلقى التأييد!!!))
يقول المثل المغربي “يتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى ” أي أن الحلاق يتعلم المهنة في تطبيقها على اليتامى والفقراء بدون أجر أي مجانا حيث يجعل الضعيف وسيلة ثراءه و غناه،هكذا جسد لنا الشاعر حلاق جبل الأصم يمتهن جميع الأعمال و الأشغال لأن معظم سكان الجبل المنسي فقراء و محتاجون يتخبطون في مستنقعات الفقر و الجهل فهم يقبلون جميع الحلول الترقيعية و لو على حساب صحتهم و قساوتهم و هنا نستذكر المثل الفرنسي حيث قيل إن “الأعور في مملكة العميان ملك” ويمكن القول بأن العميان هم أولئك الذين لم يتعلموا يحكمهم حاكم يعرف القليل، هكذا هو الجبل المنسي توضع المسؤولية في أيدي أناس يستهزؤون عن عامة السكان الجاهلون بحقوقهم و مستلزمات الحياة الكريمة بكافة الخدع و الغش و النفاق.
🔸التعريف:
أحمد الشاهدي أرميل ازداد يوم 26\03\1966
كاتب و شاعر مغربي مغترب يعيش بإيطاليا
مؤسس ورئيس الإتحاد العام للمبدعين بالمغرب
المنسق العام للمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام
سفير الثقافة و السلام لعدد من المنظمات الدولية
فاعل جمعوي
شارك في عدة ملتقيات و مهرجانات دولية و وطنية و حاز مجموعة من الجوائز والشهادات.
تم تكريمه في عدة دول عربية وأوربية من بينها تونس والسودان و صربيا و بلجيكا و مؤخرا رومانيا.
من أعماله في الفصيح :
دواوين :
– شهد و قصيد
– زهور من القمر
– ذنبي عشقك
– خذ طريقك
– رقص على الجراح
– Versi dal profondo dell’anima باللغة الإيطالية
– ثلاث دواوين دوليين مشتركين.
– أربعة دواوين لازالت مخطوطة.

من أعماله في الزجل :
دواوين :
– غوث الگاشوش
– باروك سيدي بنور
– جيل قايمش

من أعماله في السرد :
– من القلب … شذرات
– سوق عَلَّقْ … مجموعة قصصية
– الحلّاوي الدّا ابريك … رواية
– موسوعة توثيقية ” نساء رائدات.. ألف امرأة و امرأة من بلادي ” أربعة أجزاء في 2464 صفحة.

بقلم الأديب و الناقد الصديق الأيسري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد