“اغتيال” محسن فكري وفرصة التحرر من فوبيا السلطة(بمناسبة أربعينية الشهيد محسن فكري)

محمد بودهان
محمد بودهان

بقلم: محمد بودهان//

يرى الفيلسوف جون بول دولّي Jean-Paul Dollé، في كتابه “بغض التفكير في عصر الأزمات هذا” (Haine de la pensée en ces temps de détresse)، أن المسرح ظهر عند الإغريق حتى تُعرض، وقصد المشاهدة والمعاينة فقط، القصص والوقائع التي تتجاوز، بهول فظاعتها ورعب بشاعتها وعِظم شرها، طاقة العقل على الفهم والتحليل والتفسير لما جرى وحدث. ولهذا يستعاض عن عجز العقل لفهم ما يمثّل قمة الفظاعة والبشاعة والشر، عرض هذه البشاعة والفظاعة والشر على خشبة المسرح. فقصة الملك “أوديب” œdipe ، مثلا، الذي قادته الأقدار إلى أن يقتل أباه ويتزوج أمه وهو يجهل الحقيقة، هي قصة تتخطّى، بهول مأساتها، حدود التحليل العقلاني. ولهذا نجح “سوفوكل” Sophocleفي أن يقدّمها كمسرحية تعرض تلك المأساة أمام أنظار الناس وأسماعهم. هذا ما ينطبق على فاجعة مقتل محسن فكري، الذي “اغتيل” معجونا بآلة عجن الأزبال كما لو أنه مجرد وسخ ونفاية، لا غير. إنه مشهد مرعب، صادم وصاعق، يبدو سرياليا لكنه واقعي. مشهد لا يستطيع الرعب المتخيّل ـ مجرد تخيّل ـ لعباقرة أفلام الرعب أن يبلغ حتى واحد على عشرة من رعبه الحقيقي. فالإنسان يعجز حقا عن التحليل والفهم أمام هذا الهرم من البشاعة والفظاعة والشر، لأنه يكون تحت وطأة الغضب والحزن والذهول. وهي مشاعر تعيق التفكير التحليلي والاستدلالي، وخصوصا أن العقل يحتاج، للإحاطة بالظاهرة، إلى صياغة أدوات ومفاهيم جديدة لأن ما ألف استعماله من أدوات ومفاهيم لتحليل الواقع وفهمه، لا تصلح لهذا الواقع الذي يتجاوز بفظاعته الواقعية الحدود القصوى لأي خيال.
وهناك مثل شعبي بليغ، للتعبير عن أقصى درجات الاستنكار والاستياء، يصدق تماما على الاغتيال البشع للشهيد محسن. يقول هذا المثل: “يسمعها الشيطان فيغطي أذنيه” (يسمعها شّيطان ويغطّي وذنو). تعني هذه القولة، في علاقتها بحجم البشاعة في سحق الشهيد محسن داخل شاحنة جمع الأزبال، أن الشيطان، رغم أنه الشرير الأول المختص في إلحاق الشر والأذى بالبشر، وبالتالي فهو يتلذذ بالأخبار التي تتحدث عما يصيب الناس من شرور وآلام، وما يقعون فيه من غواية وضلال، إلا أنه في حالة موت الشهيد محسن بتلك الطريقة القمامية، فإن مستوى شرها وفظاعتها وبشاعتها، يتجاوز بكثير كل الأفعال الشيطانية الشريرة والبشعة والفظيعة التي يكون وراءها الشيطان، إلى الدرجة التي جعلت هذا الأخير “يغطي أذنيه” حتى لا يسمع بشاعة طحن محسن، لأنها تفوق كل بشاعاته الشيطانية إلى الحد الذي جعله يرفض سماعها حتى لا يرقّ قلبه لحال الضحية، وهو المعروف، بالتعريف، بأنه لا يكنّ شفقة ولا يحمل رحمة لبني البشر. هنا يحق للشياطين الكبار الذين “اغتالوا” الشهيد محسن أن يفتخروا ببزّهم للشيطان الصغير بما أبدعوه من فظاعة يعجز هذا الأخير عن مجرد سماع أخبارها فبالأحرى أن يكون قادرا على الإتيان بها.
عندما أكتب بأن الشهيد محسن قد “اغتيل” ولا أكتب قُتل أو مات، فلأن الاغتيال هو الوصف المطابق لما حدث، ذلك أن اغتيال شخص ما هو «قتَله على غفلة منه»، كما جاء في معجم اللغة العربية. ويوضّح لسان العرب معنى “اغتال” كما يلي: «هو أَن يُخدَع الإِنسان حتى يصير إِلى مكان قد استخفى له فيه مَن يقتله». وهكذا قُتل بالضبط الشهيد محسن: لما اشترى السمك من سوق المرسى، وليس من سوق سوداء خارج المرسى، وأخرجه من بوابة الميناء الخاضعة للمراقبة، وليس من باب خلفي يستعمل للتهريب، ذهب لتسويق بضاعته آمنا مطمئنا، لأن ما كان يمكن أن يتعرض له من حجز ومنع كان سيحدث داخل المرسى حيث يراقب السمك المصطاد بمجرد دخوله إلى هذا المرسى. فالمسؤولون الذين سمحوا له إذن، سواء بتواطئهم مع من اصطادوا وباعوا للشهيد ذلك النوع من السمك، أو بعدم قيامهم بما يفرضه عليهم القانون من القيام به داخل المرسى وليس خارجه، يكونون بذلك قد احتالوا ونصبوا على الشهيد، بشكل مدبّر ومقصود ومخطّط، لتكبيده أكبر خسارة مالية في حياته المهنية كمتاجر في الأسماك، تأتي على كل رأسماله الذي جمعه بكده وعمله طيلة أزيد من عشرين سنة. هذا التدبير والقصد والتخطيط للإيقاع به هو ما يجعل مقتله اغتيالا حقيقيا لأنه «خُدع حتى يصير إِلى مكان قد استخفى له فيه مَن يقتله». وهذا أمر لا لبس فيه ما دام أن المسؤولين عن مراقبة ما يخرج من المرسى من أسماك، لم يحجزوا حمولته عندما أخرجها من نفس المرسى، لكنهم اعترضوا سبيلها وصادروها في الشارع العام. مما يعني أنهم كانوا مصمّمين على ذلك منذ أن اشترى السمك، كما يشهد على ذلك عدم تدخلهم لحجز هذا السمك قبل مغادرته للمرسى. فلو كان تطبيق القانون هو الذي يهمهم لتم تطبيقه في الفضاء المخصص لذلك داخل المرسى، وذلك ليس فقط بمنع الشهيد من مغادرة ذلك المرسى بحمولة الأسماك، بل بحجزها بمجرد وصولها إلى ذلك المرسى لأن صيدها محظور. أما المحضر الذي يشهد أن الأسماك فاسدة ويجب إتلافها لأن مصدرها مجهول، فهو محضر فاسد أصلا، لأن فساد المواد الاستهلاكية، وخصوصا الأسماك واللحوم، لا يتحدد بجهل مصدرها بل بخصائصها الداخلية التي يكشف عنها الفحص من طرف الخبير المختص. ونية الاغتيال حاضرة وبارزة، وبشكل لافت، من خلال السرعة “الضوئية” ـ التي تتناقض بشكل مضحك مع البطء الأسطوري للإدارة المغربية عندما يتعلق الأمر بتلبية طلبات المواطنين ـ في إصدار قرار الاغتيال، وذلك بتحرير محضر غير قانوني، وإحضار شاحنة الأزبال لتنفيذ القرار الظالم، القاضي بالإلقاء برزق الشهيد في حاوية الأزبال وهو حاضر يرى ذلك بأم عينه، إمعانا في إهانته وإذلاله. لكن ما لم يخطر على بال الجناة هو أن الشهيد كان سيتقبّل الخسارة المالية، لكنه ما كان ليتقبّل خسارة كرامته، التي يرمز إليها رزقه، والتي كان مغتالوه بصدد تحويلها إلى مجرد روث، وهو ما جعله يصعد إلى الشاحنة لمنع إتلاف بضاعته تنفيذا لعملية الغدر والانتقام التي دُبّرت للإيقاع به. وعناصر هذا الغدر والانتقام ثابتة، تظهر في غض الطرف عن اقتناء الشهيد للأسماك والخروج من المرسى آمنا، ثم اعتراض سبيله لاحتجاز البضاعة التي اشتراها من المكان المخصص لمراقبتها ومصادرتها إذا كانت غير قانونية. فشعوره بهذا الغدر الانتقامي هو الذي جعله يعترض على طريقة إتلاف أسماكه.
هذه الجريمة، التي اهتز لبشاعتها كل العالم، هي في الحقيقة جريمة دولة، لأن الذين نفّذوها فعلوا ذلك باسم الدولة التي يعملون لصالحها باعتبارهم “خدّامها”. والأخطر في ذلك أنهم يدّعون أنهم لم يفعلوا أكثر من تطبيق القانون. مع أن القانون، عندما لا يُطبّق في مكانه وزمانه المحدّدين، وهما، في الحالة التي تعنينا، مكان المرسى ووقت دخول السمك إليه وقبل خروجه منه، فإن كل تطبيق له خارج إطاره المكاني والزماني فهو ظلم قاسٍ وشديد. وهذا ما حصل مع الشهيد محسن، إذ كان ما تعرّض له من ظلم بدعوى تطبيق القانون ظلما استثنائيا، غير مسبوق، قاسيا وشديدا. فكم من مواطن يقع يوميا ضحية مثل هذا الظلم أو أشد من طرف “خدّام” الدولة، لكن يتحمله في صمت وألم ومرارة ولا يصل خبره إلى الإعلام ولا إلى القضاء لأنه لم يتسبب في مقتله كما حدث للشهيد محسن، الذي لولا اغتياله بتلك الطريقة البشعة لما عرفنا شيئا عن تلك المعاملة الحاطة من الكرامة، والتي يتعرض لها العديد من المواطنين يوميا في الإدارة وفي الطرقات وفي المعابر الحدودية…؟ هذه المعاملة الظالمة للمواطنين هي الوجه الآخر لاستبداد الدولة وتسلّطها.
وتواصل الدولة احتقار المواطنين عندما تعلن، كلما تسبّب “خدّامها” في وفيات لا يمكن التستّر عنها، كما في اغتيال الشهيد محسن، بأن تحقيقا نزيها ستجريه السلطات المختصة لتقديم المسؤولين إلى العدالة. إنه احتقار إضافي للمواطن لأنها تعرف أن المواطن يعرف مسبّقا مصير ذلك التحقيق. والدليل على ذلك أن التحقيقات التي وعدت الدولة بمباشرتها في حالات مماثلة سابقة، كانت مجرد مسرحيات سرعان ما توقف تمثيلها بمجرد ما فتر، مع الوقت، الغضب الشعبي الذي تسبب فيه الحدث. وما دام أن التحقيق الموعود به يجري بالحسيمة التي اغتيل بها الشهيد محسن، فكيف نصدّق أن يكون هذا التحقيق نزيها وحقيقيا، والمتورطون في قتل الشهداء الخمسة الذين اغتيلوا في 20 فبراير 2011 بنفس الحسيمة، لم يقدّموا إلى العدالة ولم يطلهم تحقيق ولا بحث، والذين تؤكد كل القرائن أنهم من “خدّام” الدولة؟ لقد قُتل هؤلاء الشبان مرتين في الحقيقة: قتلوا ماديا عندما أزهق الجناة أرواحهم، وقتلوا رمزيا عندما اعتبرتهم الرواية الرسمية لصوصا احترقوا داخل مؤسسة بنكية عندما كانوا بصدد سرقة أموالها، مع أن كل المعطيات حول الفاجعة تتنافى مع الرواية الرسمية، فضلا عن التضارب والتناقض اللذيْن يسمان هذه الرواية بشكل يبرزها كقصة سمجة وبليدة لا تصدقها حتى العجائز. إذا كان الهدف من التحقيق هو الكشف عن الحقيقة، فإن هدفه، في مثل هذه الحالات التي تكون فيها الدولة طرفا من خلال “خدّامها” الذين يمثّلونها، يكون هو إخفاء الحقيقة والتستر عليها. وهو ما حصل مع الشهداء الخمسة المشار إليهم، والذي يشكل قتلهم جريمة القرن، وقد يتكرر نفس الشيء في قضية الشهيد محسن. لأن التحقيق الذي لا يتعرّض لمسؤولية الدولة عن المعاملة المهينة للمواطنين من طرف “خدّامها”، سيُبقي الحقيقة غائبة، والمسؤولية عائمة، والجناة بلا متابعة.
وتظهر أجلى صور هذه المعاملة المهينة التي يتعرض لها المواطنون من طرف الدولة، ممثَّلة في “خدّامها”، في تعيين مسؤولين وموظفين أجانب عن المنطقة التي يعملون بها. فبدل تقريب الإدارة من المواطن، كما يدعي الشعار الزائف، تنأى هذه الإدارة عن المواطن بمسافات ضوئية عندما تفرض عليه قائدا أو باشا أو عميدا للشرطة، لا يفهم ولا يتحدث لغة السكان فيضطرون إلى استعمال لهجته والتنازل عن لهجتهم. وهذه بداية كل الإهانات. فالمواطن، أمام قائد أجنبي عن المنطقة، لا يفهم ولا يتحدث لغتها، يشعر كأنه أمام ممثل سلطة استعمارية أجنبية. ورجل السلطة الأجنبي عن المنطقة يشعر، بدوره، أنه مكروه ومرفوض من طرف أبناء تلك المنطقة. وهذا التنافر بين الطرفين يباعد بين الإدارة والسكان، بين ممثلي السلطة والمواطنين، بين الدولة والشعب. مع أنه لو توفرت الإرادة السياسية لحُل هذا المشكل بسهولة، وذلك باختيار مسؤولي الإدارة الترابية على الخصوص من الأطر التي تنتمي إلى المنطقة، إعمالا للّامركزية الحقيقية وتطبيقا للجهوية الفعلية. إذ ما الفائدة من رفع شعار الجهوية واللامركزية إذا كان حاكم المنطقة الفعلي ـ وليس المنتخب الذي لا سلطة فعلية له ـ أجنبيا عن تلك المنطقة؟ وهذا الوضع، الشبيه بـ”الاستعماري”، إذا كان موجودا في كل جهات المغرب، إلا أن وجوده بالريف، وبالحسيمة تحديدا، يعطيه مضمونا خاصا يجعله يعيد ظروف وأسباب انتفاضة 1958، التي قُمعت بالنار والحديد. فمما لا شك فيه أن المسؤولين الذين صادروا أسماك الشهيد محسن بطريقة فيها الكثير من الإهانة والتعالي والتكبّر، ما كانوا سيتصرفون بتلك الطريقة لو كانوا من أبناء المنطقة، ودون أن يعني ذلك أنهم لن يطبّقوا القانون بكل صرامة. هذه الإهانة والتعالي والتكبّر، في التعامل مع المواطنين، هي ما تعبّر عنه شعارات الحراك الشعبي بـ”الحكرة”، أي الإهانة والاحتقار اللذيْن يتعرض لهما المواطنون من طرف من عُهد إليهم بتطبيق القانون. وعندما يرفض المواطنون بالحسيمة مثل هذه السلوكات الاحتقارية، التي يتصرف بها معهم ممثلو الدولة، يُتهمون بأنهم انفصاليون. نعم صحيح هم انفصاليون لأنهم يريدون أن ينفصلوا عن سلوكات “الحكرة” والإهانة والفساد والاستبداد والتعجرف والتكبّر، التي اغتالت الشهيد محسن، والتي تمارسها عليهم الدولة من خلال ممثلين لها يتصرفون بتعالٍ وسلطوية وعجرفة واستفزاز كما يفعل المحتلون الاستعماريون.
الحراك الشعبي، الذي أشعله اغتيال الشهيد محسن، نتيجة للسلوك المتعجرف والمتعالي والمهين لمن صادروا أسماكه غدرا وانتقاما، يشكّل درسا للدولة المخزنية علها تتعظ أن احترام المواطن وصون كرامته، هو ما يصون للدولة هيبتها وسلطانها، وليس احتقار المواطنين وإهانتهم وظلمهم والتلاعب بحقوقهم. وهو درس لنا كمغاربة يعلّمنا أن الحرية السياسية الحقيقية هي التحرر من الخوف الذي تزرعه سلطة الاستبداد و”الحكرة” في النفوس، ليسهل عليها احتقار أصحاب هذه النفوس من المواطنين وامتهان كرامتهم. هذا الاحتقار وهذه المهانة هما اللذان اغتالا الشهيد محسن، كما قلت. فعدم تنازله عن كرامته، التي قتل من أجلها، هو ما يبوئه منزلة الشهداء والصديقين والأبطال التاريخيين. محسن استشهد كي يحررنا من الخوف من غول المخزن. والحراك الشعبي المتواصل بالحسيمة هو تعبير عن هذا الوعي التحرري المتنامي. هذا الحراك الشعبي، الذي باركه كل المغاربة الشرفاء وانخرطوا فيه، أعطى درسا ثالثا للأحزاب التي اختفت ولم نسمع لهم ركزا، كما لو أنها غير موجودة. وبالفعل هي غير موجودة في الواقع الشعبي. هي موجودة فقط في الرباط وفي البرلمان وفي الحكومة، أي توجد فقط حيث توجد الرواتب السمينة والتعويضات الكبيرة والتقاعد المجاني المريح. أما حيث يوجد الشعب، بمشاكله وهمومه و”حكرته” من طرف المخزن الاستبدادي، فهي غائبة لأنها ليست أحزاب الشعب وإنما هي أحزاب نفس المخزن، تؤثث استبداده وتزيّن جوْره وتحكّمه، مقابل استفادتها من الريع المخصص لأصحاب هذه الخدمات. الأحزاب غائبة عن الحراك الشعبي الذي أعقب اغتيال الشهيد محسن، لأن هذا الحراك ذو شرعية شعبية، والحال أن هذه الأحزاب لا يثق فيها الشعب وليست لها بالتالي أية شرعية شعبية. وهذا درس بليغ للسلطة التي بقيت عارية وبلا غطاء حزبي أمام الحراك الشعبي الذي حرّكه اغتيال الشهيد محسن. فلا وجود لأي حزب منبثق من الشعب يمكنه أن يلعب دور الوسيط بين هذا الشعب وبين السلطة.
وكعادتها سارعت السلطة المخزنية إلى تهديد الحراك الشعبي بالحسيمة، متوعدة متزعميه بأنهم معروفون، كما جاء على لسان وزير الداخلية، بهدف زرع الخوف في النفوس كما اعتادت أن تفعل دائما. لكن التظاهرة الحاشدة ليوم الجمعة التي تلت اغتيال الشهيد محسن، فاجأت العالم كله، وكانت ردا قويا على تهديد وزير الداخلية، الذي اضطر إلى التراجع عما قال مدعيا أن كلامه لم يفهم على حقيقته، وأنه لم يكن يقصد التهديد والتخويف. بعد ذلك خرست كل الأبواق المعادية التي كانت تسفّه تظاهرات الحسيمة وتنعت المتظاهرين بـ”الأوباش”، بعدما اقتنعت ـ واقتنع كل العالم ـ أن هؤلاء “الأوباش” هم نموذج نادر في التحضر والسلم والنظام والانضباط والإباء والكرامة، وقد أشاد بسلوكهم الحضاري الراقي الخصوم قبل الأصدقاء. التاريخ يصنعه اليوم هؤلاء “الأوباش” في الحسيمة، بتضحياتهم وإبائهم وعزتهم وكرامتهم، ووطنيتهم الحقيقية الصادقة، المنبثقة من هذه الأرض، وليست الوطنية الزائفة المستورة من أرض أخرى أجنبية. هؤلاء هم الذين يحرّكون اليوم عجلة التاريخ بحراكهم الشعبي، وليس الناهبون للمال العام بأجورهم غير المستحقة وتقاعدهم غير القانوني. فطوبى لي، أنا الريفي، أن أكون محسوبا من هؤلاء “الأوباش”!
هذا الحراك الشعبي هو اليوم فرصة للحكم كي ينتقل من الاستبداد المخزني المحتقر للمواطن، إلى دولة القانون التي تحترم هذا المواطن وتحمي كرامته وعزته. وهو فرصة للأحزاب كي تعيد النظر في استراتيجياتها وأهدافها وعلاقتها بالشعب وبالحكم. وهو فرصة أخيرا للشعب كي يتحرر من فوبيا المخزن، لأنه، ولكثرة ما أثخن فيه هذا المخزن، لم يبق له ما يخسر إلا هذا الخوف و”الحكرة” التي يتلقاها من نفس المخزن.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading