إن للوطن لوخزات

مها الجويني

هي أوجاع تراودني كلما أعود إلى وطني .أنا التي أسكن القرن الافريقي ، لي تجارب خاصة مع الغربة فإننا ممن يغترب في بلاده قبل بلدان الغير، هناك حيث لا تكتمل مواطنته بحكم انتمائي للمغضوب عليهم . نحن من قال لهم بورقيبة ذات إجتماع بالذهاب للجزائر في حال ما أراد أحدهم التكلم باللغة الامازيغية أو الشلحة ، نحن من قتٌلنا الاستعمار الفرنسي و قبله الأتراك و قبله جيوش المسلمين عند الغزو العربي ففي جالبنا تولد الثورات و من جبالنا نحمل لعنة تلك الانتفاضات. هناك ،بين خمير و قلعة سنان يتمركز الارهاب و هناك يموتون لتحيا تونس كما مات الذين من قبلهم ، يرحلون في صمت دون جنازات رسمية و دون أخبار على القنوات الوطنية. هناك يولدون على عهد الكاهنة التي نذكر إسمها خلسة في زمن التعريب القسري وفي زمن التكفير المستمر . يقال أنها ماتت من أجل تحرير الارض و من أجل هذا البلد و يقال أنها أسطورة و لا يعرف عنها أحد. و بما أننا لا ندرسها نكتفي بذكرها فيما بيننا. فكيف ندرس عمن قاتلت العرب ؟ وكيف ندرس سيرتها و نحن في كتاب التاريخ شعب إندثر و إنتهت حقبته. لقد أخبروني في صف الابتدائي عن الرومان والفينيقيين و قبائل العرب و لم أعرف عن أخبار مسينيسان رغم أن معبده شامخ على مرتفعاتنا، هناك حيث جمعت زهور “القُريصة” و التاع كاحلي من لدغات نبات الحُريقة. في جبالنا نفهم أن لتاريخ تونس نسختان: الأولى تخص الجبال و الثانية تخص الحكومة التونسية. من جبالنا فقط نحفظ أسرار الكاهنة و يوغرطين و مسينيسان و سنان و بن غداهم … هناك تتجلى لنا في أبهى أسحارها و هناك نستمع لخيل سيدي عبد القادر و الشيخ الزاير ، أولئك الخيالة من يتراؤون بعيدا عن مراكز القرار. بعيدا عن الحاكمين من يختزلون وطني في ربوة سيدي بوسعيد و أبوابه الزرقاء و في حكايات عقبة ابن نافع التي تزركش بطاقات المعايدة البريدية باسم أرض تطل على المتوسط . رقعة جغرافية لا تشمل قريتي ذات النسائم الجزائرية. تلك القرى التي تغيب البطاقات البريدية التونسية ربما لان الذئاب تعوي بين ثناياها أو ربما لأن الخنازير تلهوا بين براريها وأو قد تكون تلك المزارات التي علت مرتفعاتها و رافقتها حكايات الجدات و الشامة الخضراء و عشق الوشام من أزعجوا مندوبي الذوق العام . فهي حكايات ملعونة في كتب العرب. و فيها قصص تأتي على هامش النص مثلي حتى لا تزعج أصحاب القرار. وبين سطورها تعويذات يُكفرها أهل الإخوان مندوبي الله على الأراضي التونسي . أ ولا تعلم يا وطني بأن لك مندوبين عن السماوات ؟ أولئك من يلعنوني بتهمة العداء للدين و بتهمة العمالة لإسرائيل ملعونة أنا في عرفهم ما دمت لا أسميهم بالمجاهدين. ملعونة أنا عند العرب ما دمت لا أدعوهم بالفاتحين. ملعونة أنت ما دمت أنتسب إلى حلف الكاهنة . ملعونة أنا لأنني أشهر تونسيتي أمام الملاء . لعنوني يا تونس تحت سمائك ولازلت تصمتين. نيرانهم تلاحقني و أنا تحت مساء الحبشة ، أسال الله أن يحفظك ، فسماؤك يا وطني غدت قاتمة وإزداد سوادها و غابت بين غيومه وجوه الملائكة . تلك النيران التي حاصرت المنوبية وإغتالت أم الزين و تشتهي حرق صوفينيسبا و تحلم بقتل الكاهنة. أراهم يشنون حروبا ضد وشمنا و ضد صوتنا.. وشم الإنتماء في عرفهم كبيرة و صوت النساء عندهم أعتى جريمة . والوشم في عرفنا تونس تلك الشقية من تدمي قلوبنا حين نحفر إسمها بين الشرايين . و أصوات النساء في جبالنا دعوات للثورات و نداء لغارات ضد الظالمين . صوتي رواية من روايات الصعاليك و قصة هامشية خارجة عن المتن وملعونة من أوصياء الرب. صوتي من رحمك أنت أيتها الشقية من تلدغني و تحبطني و تقتلني و لا أحيا إلا بذكرها . صوتي ثورة لو باركته يا تونس. صوتي لن يكون عورة لو ذكرتني يا وطني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد