إنزكان مدينة التناقضات بامتياز..المدينة الغنية إقتصاديا تعاني ثقافيا ورياضيا واجتماعيا ، كيف ذلك ؟
بقلم محمد لحميسة
لا يتجادل إثنان حول الموقع الإستراتيجي الذي يضع المدينة وسط المغرب وقريبة من الساحل ويمر منها أحد أكبر وديان المملكة وهو واد سوس ، وهذا الموقع المميز جعلها محطة لعبور السلع والمسافرين من شمال نحو جنوبه والعكس صحيح ،دون أن ننسى سوق بيع الخضر والفواكه بالجملة الذي يمد جميع جهات المملكة وبعض الدول الافريقية بهذه المواد الحيوية التي لا تكون الحياة بدونها ، ويمكن تفسير هذه المعطيات اقتصاديا والقول بنبرة صوت واثقة بأن جماعة إنزكان هي واحدة من أغنى جماعات المغرب ، ففي أخر الأرقام حققت الجماعة فائض مالي سنوي مهم يزكي ما سبق قوله حول كون الجماعة رقم صعب بمواردها المهمة وبموقعها الاستراتيجي، ومن المفترض أن تنعكس هذه المعطيات على الشأن الثقافي والرياضي والإجتماعي بالمدينة لكن الواقع يقول العكس .
في الشأن الثقافي فالمدينة لا تتوفر على فضاءات ثقافية تؤطر شباب المنطقة وتساعد على نشر الثقافة والوعي في صفوفهم وتطور مهاراتهم في شتى مجالات الثقافة والفنون والإبداع (المسرح ، الموسيقى ، الكتابة الإبداعية ..) والمعروف أن المدينة في فترة من الفترات كانت مشتلا خصبا للمبدعين والفنانين ، يكفي أن نقول أن مجموعة ازنزارن الأسطورية خرجت من مدينة انزكان ، وبها ترعرع وبزغ نجم العديد من الممثلين المبدعين أمثال الحسين برداوز وعبداللطيف عاطيف والحسين شاوشاو والمرحوم احمد بادوج ، وفي ذات الصدد يتساءل عديد المواطنين الإنزكانيين حول سينما كوليزي ولماذا لا يعاد فتحها واستغلالها كفضاء ثقافي يؤطر الأفراد فنيا وسينمائيا ؟ ومعلوم أن هذا النقص سيؤدي إلى استفحال آفات كثيرة من قبيل الانحراف والسرقة والمخدرات .
في الشأن الرياضي نبدأ أولا مع الفرق الرياضية التي تمثل المدينة والتي كلها بدون استثناء تعاني ماديا ، نموذج هذه المعاناة فريق هلال تراست الذي غادر القسم الوطني هواة الموسم السابق بسبب أزمة مالية خانقة اِنعكست على نتائج الفريق، نفس التحديات والمعيقات تواجه قطبي المدينة في القسم الثاني هواة ، اولا الفريق العريق والمرجعي بالمدينة والذي يعد أحد أقدم الفرق الرياضية في الجهة ككل وهو اتحاد فتح انزكان وكذلك الفريق الآخر مولودية الجرف، وبعيدا عن الفُرق نلاحظ شح المرافق الرياضية بالمدينة مقارنة مع أقرب جماعة وهي جماعة الدشيرة التي تتوفر على ملاعب عديدة معشوشبة اصطناعيا ومفتوحة لوجه العموم ، مثلا حي تراست بإنزكان ليس بها إلا ملعب يتيم موجود بجانب إعدادية الرحال بن أحمد ، وهناك نقاش حول جودته ومساحته الواضح بأنها لا تحترم المقاييس المعروفة لمثل تلك الملاعب التي تستعمل في الغالب في نوعين من الرياضات كرة القدم المصغرة وكرة اليد ، وهذا ما يدفع إلى استعمال الطرق والشوارع التي تقل بها حركة المرور في لعب كرة القدم والكرة الطائرة (امام ثانوية عبدالله بن ياسين ، والطريق المجانبة لملعب امحند زعايطيط بتراست …)
ولهذا فخروج المراهقين للشارع وحرق الإطارات في الأيام الأولى من رمضان 2021 وكل تلك الأحداث ليست مفاجأة بل يمكن التنبؤ بالأمر منذ مدة ، فالتحليل النفسي يخبرنا بأن للأفراد وخصوصا المراهقين والشباب نزوع نحو التدمير والتكسير وبسبب الرقابة الاجتماعية التي تتركز في ضميره الأخلاقي يقوم الفرد بتحويل ذلك النزوع الشاذ إلى أفعال مقبولة إجتماعيا وهو ما يصطلح عليه ب ” التسامي “، وتعد الأنشطة الرياضية أحد أفضل هذه الميكانيزمات التي تحول الأفعال التدميرية الغير مرغوب بها إلى أفعال مقبولة ومستحسنة ، وبالتالي فحرمانهم من هذا الميكانيزم يجعلهم بطريقة لاواعية وبحثمية بالغة أمام تنفيس تلك النزوات بتلك الطريقة الشاذة والمنحرفة .
أما إجتماعيا فيمكن رؤية الهشاشة وتردي الأوضاع في أول خروج إلى الشارع، بطالة وتهميش وإقصاء وضعف القدرة الشرائية وقلة فرص الشغل، في الوقت الذي تعرف فيه المدينة تنظيم مهرجان التسوق في موقف ساخر وعبثي ! فالشراء والتسوق وحتى تشييد الأسواق يستوجب أولا خلق فرص عمل والإستثمار في الشباب حتى تتحسن أوضاعهم المادية وترتفع قدرتهم الشرائية ، وبالتالي فهي عملية مترابطة بشكل جدلي ولا ينجح أحدها بدون نجاح الأخرى ، وكما يردد بعض الشباب الانزكانيون فهم ليسوا ضد تنظيم المهرجان او ضد تشييد الأسواق لكن الضرورة تستوجب أيضا استثمارات في مشاريع تجعل من شباب المنطقة نشطاء وليسوا عالة يعانون البطالة .
التعليقات مغلقة.