ما يزيد وما لا يحصى من الناس ٬ مازالوا يعيشون في كهوف ٬ يسخنون الماء تحت حزمة حطب تحمل فوق ظهورهم كل صباح ومساء. أحيانا يصعدون قمم الجبال مع حميرهم ويضربون بكل ما أوتوا من قوة في أجذاع الصفصاف لعل الشاقور يساعدهم على ايجاد وجمع الحطب .وأحيانا أخرى تتهامى نساؤهم باكرا بداية كل اسبوع يذهبن سويا ٬ بحثا عن الحطب يحملوه فوق ظهورهن المقوس كأفعى الكبرى ٬ يتعاركون مع كتل من الأحجار ويتمايلن من كثرة الثقل حتى يصلن الى بيوتهن وهن في تعب وأرق.
وكثير منهم ما زالوا يتقاسمون الغرفة مع أخواتهم الصغار ٬ كلما لف دجى الليل يعم أرجاء البيت يلجأون الى انارته “بالفنارات”القديمة من كل زاوية. يجتمعون حوله ٬ ويسرعوا لئن يستغلوا ضوئه فوق المائدة حتى لا تنطفئ الشمعة التي تتوسطه ويجلسوا في الظلام.
فيما أبناءهم الصغار ٬ يمارسون نشاطهم اليومي باقتسام وضوح النهار الى نصفين : صنف منهم يستيقظ باكرا ويذهب الى الدراسة في أكواخ مبنية من الحجارة ٬ على شكل الأهرامات الفرعونية القديمة. وصنف اخر يبدأ صباحه بالخروج المبكر ٬ مصاحبا لأغنامه ينتظر متى يقترب موعد دخوله الى تلك الأكواخ المهجورة. والحصيلة أن هناك تناوب في كل شئ ٬ كما لا فرق في التمييز بين هذه مدرسة وهذا حمام ٬ الا في اشهار أن هناك مدارس يستطيع الغني والفقير أن يذهبا اليها معا في الطريق.
هكذا يعيش جلهم ٬ والحقيقة تئن على أن هناك تفاوت ٬ تعب ٬ وعمل شاق ٬ يلف به المرض ليس من مقدورهم أن يرثوا الا الدفاتر والمحافظ القديمة من أخواتهم الكبار ٬ الذين بقوا يزاولون مهام اباءهم المتواضعة. الحقيقة أنهم لا يملكون الا القهر والاستبداد ٬ لا ارث لهم من اباءهم يرثوه ينجيهم من الألم ٬ ولا مناصب لهم من الدولة يشتغلون فيها تضمن لهم العيش السليم .
بداياتهم كالجميع ٬ ولدوا أجنة في بطون أمهاتهم لا يعلمون بحالهم فيها ٬ ولا بالمشقة التي يحتفظ بها لهم عندما يكبروا ٬ وجزاهم كان على ممر النحو الذي يريدونه. ملائمة ومتابعة عيشهم بوزنه ابارا من الكلام لا يعمر الدلو منها .الحقيقة أنهم كبروا مع حالهم يحسنون صنع وجودهم مع أحبابهم ومربيهم ٬ يتتلمذون على رفع وحمل البردع على الحمير الذي يركلهم كلما أرادوا النزهة به في الأراضي القاحلة.
الأمر يفوق هذا ٬ وحيث اذا ما ارتأينا لأن نقارن بين هذا وذاك ٬ نجد اختلافا كبيرا فارث الدفاتر والمحافظ القديمة ٬ والاستعانة بشعل “الفنارات” ٬ يوازيه ارث القصور الفاخمة والطفولة الجميلة. فاذا كان اصحاب قاطني “البركة” والكهوف” لا يرثون من ابائهم ٬ الا مهامهم المتواضعة المصحوبة بالظلم والحرمان ٬ سعيا لبناء مستقبلهم تحت طائلة من الأكاذيب المزخرفة التي تتلى عليهم اناء الليل وأطراف النهار ٬ فأن ذوي السيارات الرفيعة ٬ والمباني العالية يرثون نصف الدولة بممتلكاتها .. يرثون القلوب الرحيمة فيما بينهم. والصورة اليوم غنية عن كل تعريف وواضحة المغزى. كننا نرد الثقة في حمير ٬ هاجمونا وأفسدوا وطننا ٬ واختبئوا مع أولادهم في قصور يأكلون ويشربون ٬ وحينما يشبعوا ينهموننا بأصابعهم سدا لاصدار قرارتهم المتأججة سما ٬ في من طالت به السنين يعيش حياته في كهوف وبركات ٬ ويدرس في أكواخ من الأحجار أرادوه رجل الغد.
واليوم شاءت المعضلة تزداد تكبر ٬ بالحديث عن اصلاح المنظومة التعليمية ببلدنا ٬ وكذا تحسين الوضع المعيشي في البوادي ٬ مع ضمان توفير مناصب شغل عديدة تحمي المعطلين حاملي الشواهد العليا. حكاية ما زلنا نسمع عنها ونلمس زخرف الكذب فيها. حكاية قديمة تحمل بين طياتها زلة لسان روعت الكلام والكتابة ٬ ونتائج ذالك مفصلة..فالدولة حاليا لم تأخذ بأحوال أي شئ ٬ واحتلال المغرب مرتبة الستين عالميا ٬ على مستوى تصنيف الدول من الناحية التعليمية جاء نتيجة الأمية المستمرة والتي تزداد بكثرة ٬ خصوصا في المجال القروي ٬ الذي يعاني من النقص والهشاشة في شتى الميادين ٬ والذي سبق أن قلنا عنه أن ابناءهم مازالوا يدرسون في مدارس تفتقر الى أبسط الأشياء تتناوب المواد المدروسة فيه كل لحظة دخول وخروج التلاميذ. فاذا اشتد المطر ٬ ينقطعون عن الدراسة. النتيجة أن الدراسة في القرى البعيدة عن المجال الحضري ٬ بالاف الكيلومترات تعطلها التقلبات الجوية في فصل الشتاء ٬ تأخذ كعطل موسمية من أبناءه والمدرسين فيه .فالكثير يفضل الانقطاع عنها بشكل نهائي بسسب تلك الأوضاع وتدني وضعه المعيشي.
الأمر الثاني ٬ والذي تواجهه هذه الفئة يتلخص في الغلاء الذي شهدته الأسواق في الاونة الأخيرة والذي بات يشتكي منه جل المغاربة ٬ كقاعدة وضعت لهم لانقاذ صندوق المقاصة ولارجاع المغرب هيبته الاقتصادية.. قرار وضع محسوما ٬ في غياب المسؤولية بالاخر المتضرر. مما يؤكد على أن ثلة منهم تفضل الاستغناء عن بعض المواد ٬ “كالسكر”والزيت” الذي يصل ثمنهم الى عشرون درهما في القرى.
أما توفير مناصب الشغل في ميادين عديدة لحماية المعطلين من البطالة المروجة في الساحة ٬ فيمكن اعتبار ذالك من المواقف الأخرى الأكثر ضررا على الجميع. فما تشهده معظم الشوارع من الصراخ أمام السلطات المعنية ٬ أصبح يعالج بتحريض الأمن علىممارسة القهر والاستبداد ٬ على المحتجين في غياب الحوار البناء والعمل الجماعي المتواصل .فما يزيد عن أربعة ملايين من المعطلين ٬ هم من أبناء البسطاء والفقراء ٬ لزموا بيوتهم دون ايجاد عمل يناسب مؤهلاتهم. كلما أقبلو على اجتياز الاختبارات الكتابية والشفوية ٬ يجدون أنفسهم ينتمون الى الأسر الميسورة لداعي أن أولاد المعاطف الثرية والبدائن الضخمة يشترون حتى أماكن التوظيف لأبناءهم.
اذا في ظل هذه الأوضاع ٬ وتوالي تحطيم الأرقام القياسية من الكوارث ٬ لا يرث هؤلاء الضعفاء سوى القهر والاستبداد ٬ وليس من نصيبهم الا تحمل شقاء الحياة .فاذا كانت الحكومة ٬ تضع مخططاتها فقط لربح العين الشاهدة ٬ وتسعى للنهوض بكل شئ في صورة جلية وواضحة ٬ تقارن بلدها مع الدول الأخرى النامية ٬ تضمن الحقوق وتناهض من أجل المساواة ٬ وتحقيق العدالة الاجتماعية ٬ فلا بد لها من اختيارها للأوفياء من الناس ٬ وغسل دماغ قاتلي الاخرين ٬ مع مراقبة كل عمل وضع ٬ خدمة للاخرين ولمصلحة البلاد على وجه الخصوص
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.