أية آفاق لخريجي شعبة الدراسات الأمازيغية بالجامعة المغربية؟

الحسين بويعقوبي *//

ارتبط تأسيس شعبة اللغة الأمازيغية وآدابها في بعض الجامعات المغربية (أكادير وفاس ووجدة) ابتداء من 2007  وخلق ماستر في نفس اللغة بالتحولات الكبرى التي عرفها ملف الأمازيغية بالمغرب خاصة مند سنة 2001 مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي كان مؤشرا على بداية سياسة جديدة في هذا المجال تروم القطع مع سنوات الإقصاء والتأسيس لمرحلة الاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة و ثقافة. في هذا السياق كان الجانب الأكاديمي من المداخل الأولى لهذا الاعتراف بفضل وجود نخبة جامعية متخصصة في الموضوع وموزعة على الشعب الموجودة سابقا وتعاون أساتذة من خارج الجامعة لتسهيل وضع اللبنات الأولى لشعبة الدراسات الأمازيغية قبل التحاق جيل جديد من الباحثين الشباب الذين ساهموا في ضمان استمرارها وإشعاعها.

إن تأسيس شعبة الدراسات الأمازيغية  في الجامعة المغربية يستجيب لحاجة سياسية و مجتمعية من خلال وجود حركة أمازيغية في الشارع السياسي المغربي يزداد حجمها يوما بعد يوم ومدعمة من طرف كل القوى الديمقراطية في البلاد وهو ما جعل الفاعل السياسي ينتبه لضرورة الاعتراف بالحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية وبتعدد أبعاد الهوية المغربية في إطار المشروع الديمقراطي الحاثي. لقد تجسد هذا الوعي الجماعي في الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011 وهم ما يزيد من حاجة الدولة المغربية إلى أطر مكونة في مختلف الميادين لكي تلعب الأمازيغية دورها كاملا كلغة رسمية ولا يمكن أن تخرج هذه الأطر إلا من الجامعات و المعاهد والمؤسسات الرسمية و الخاصة.

وبعد مرور عشر سنوات على تأسيس أول شعبة للدراسات الأمازيغية بالمغرب في كلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير (2007-2017) نحتاج لوقفة تأمل لتقييم التجربة على المستوى الوطني. ولعل أول ملاحظة ايجابية يمكن تسجيلها هو بداية التأسيس لتراكم تاريخي بالنسبة لشعبة ولدت من رحم النضال وتسعى للتأسيس لتكوين أكاديمي جاد. كما أن بعض الجامعات قامت بدور جبار لتوفير مناصب مالية لشعبة الدراسات الأمازيغية وهو ما جعل الشعبة في أكادير مثلا تتوفر إلى حدود اليوم على  سبعة أساتذة رسميين ينتمون لمجالات بحثية مختلفة أهمها اللسانيات والأدب والأنثربولوجيا وفي ظرف عشر سنوات فرضت نفسها كإحدى أهم الشعب إن على مستوى التنظيم أو التأطير أو الأنشطة العلمية المنظمة وطنيا و دوليا. في المقابل لا يمكن أن نغظ الطرف عن معطى أساسي ويتمثل في تناقص أعداد الطلبة المسجلين في هذه الشعبة(مجموع الطلبة في كل المستويات مند تأسيس الشعبة بأكادير: 2007(138)-2008(247)- 2009(348)-2010(477)- 2011(724)-2012(905)- 2013(998)-2014(1000)- 2015 (981)- 2016 (866)-2017 (حوالي 600) بالاظافة إلى تزايد المغيرين لها وللمنقطعين نهائيا بعد التسجيل لسبب أو لآخر. فرغم أن العدد الإجمالي لطلبة شعبة الأمازيغية بأكادير بكل مستوياتها هذه السنة يقارب 600طالب, وهو رقم مهم في حد ذاته, إلا أن المسجلين الجدد في تناقص حاد لدرجة أن شعبة الأمازيغية و شعبة الاسبانية سيتناوبان على احتلال آخر اللائحة في جامعة تضم أكثر من 120 ألف طالب وتغطي أكثر من نصف المساحة الإجمالية للمغرب ومعظمها ناطق بالأمازيغية.

فإلى ماذا يعزى هذا الوضع ؟

في انتظار القيام ببحث ميداني لاستقراء آراء الطلبة في هذا الموضوع ومن خلال التتبع اليومي لهذا الملف يمكن تقديم بعض الإجابات مرتبة حسب أهميتها:

1 – انسداد الآفاق

عرفت شعبة الدراسات الأمازيغية أوجها في سنواتها الأولى, أي ابتداء من 2007, وهي الفترة الني عرف فيها تدريس الأمازيغية تقدما ملحوظا مند بدايته سنة 2003 مما جعل آمال الطلبة تكبر في الحصول على وظيفة “أستاذ الأمازيغية” وهو ما عززه تخصيص بعض المناصب لهذه اللغة في مراكز التكوين ثم الإعلان عن تأسيس القناة الأمازيغية سنة 2008 ثم ازدادت الآمال تكبر بعد الاعتراف الدستوري برسمية الأمازيغية سنة 2011 حيث وصل مجموع طلبة الشعبة سنة 2014 1000 طالب.  لقد بدأ هذا الأمل يتبخر شيئا فشيئا بعد تماطل اصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والذي دام 5 سنوات (2011-2015) ولا زال مستمرا وبعد تراجع تدريس الأمازيغية وتصريح وزير التربية و التكوين السابق الذي اعتبر الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لا يلزمه بتدريسها ثم فقد الأمل نهائيا بعد إقصاء الأمازيغية من “وظيفة التعليم بالتعاقد” وغياب الإجازة في الأمازيغية ضمن شروط الترشح للعمل يقناة “تامازيغت”. لقد واكب هذا الإحباط المستمر تراجع مستمر للمسجلين في شعبة الدراسات الأمازيغية. فالأمر مرتبط أساسا بسوق الشغل في وقت تحتاج فيه الدولة المغربية إلى الآلاف من الأساتذة لتعميم تدريس الأمازيغية أفقيا و عموديا دون الحديث عن باقي مجالات الحياة العامة كالإعلام و القضاء…

2 – التمثلات الخاطئة عن شعبة الدراسات الأمازيغية

يحمل عدد من الطلبة تمثلات خاطئة عن شعبة الدراسات الأمازيغية, فالعديد منهم يستهين بها إما لكونه ناطقا بالأمازيغية أو مناضلا من أجلها ويعتبر ذلك في حد ذاته كافيا للحصول على نتائج جيدة ولهذا تكبر صدمته حين يجد مضامين مواد شعبة الدراسات الأمازيغية لا تختلف كثيرا عن مضامين الشعب الأخرى وتحتاج لمجهود كبير لضبطها وفهمها. فليس كل ناطق بالعربية أو الفرنسية أو مناضلا من أجلهما قادرا على استيعاب المضامين العلمية التي تحملها هذه اللغة أو تلك. كما أن الدراسات الأمازيغية لا تعني فقط الحديث عن اللغة لأن هذه الأخيرة على أهميتها في الوضعية الحالية للأمازيغية إلا أنها ليست إلا عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع الذي يحتاج لمختلف العلوم الاجتماعية لدراسته و فهمه ولذلك برمجت الأنثربولوجيا و الحضارة و التاريخ ضمن مقررات شعبة الدراسات الأمازيغية. مجتمعيا يجد الطالب في شعبة الدراسات الأمازيغية نفسه محاصرا بالعديد من الأسئلة الموجهة له من طرف عائلته و أقاربه حول الجدوى من دراسة “الشلحة” أو”تاشلحيث” كما ينطقون ويضطر في كل مرة للدفاع دون جدوى عن اختياره. هذا المعطى سينقص تأثيره بمجرد ظهور مخارج مهنية لخريجي هذه الشعبة.

3 – لغة التدريس  

تطرح لغة التدريس إشكالا كبيرا للمسجلين في شعبة الدراسات الأمازيغية. فإلى جانب ضعف التمكن من اللغات الذي يعاني منه أعداد كبيرة من شباب اليوم يعاني المسجلون في شعبة الدراسات الأمازيغية من نقص كبير في اللغة الفرنسية التي تعتبر لغة التدريس لعدد مهم من المواد ليس حبا في الفرنسية بل لأن الدراسات الأمازيغية مند فونتير دوبارادي (أواخر القرن 18) كانت تخصصا فرنسيا وأمهات الدراسات حول الأمازيغية أنتجت أساسا في هذه اللغة كما أن التكوين العلمي للأستاذ يفرض اللغة المستعملة في التدريس ما لم يستطع استعمال لغتين “الفرنسية و العربية” وتبقي الأمازيغية موضوعا للبحث ولا تستعمل كلغة تدريس إلا في حالات جد استثنائية خاصة و أن بعض المواد بالنظر للوضعية الحالية للأمازيغية لا يمكن تدريسها إلا بالفرنسية أو العربية. وهذا لا يعني أن الطالب المجاز في الدراسات الأمازيغية لا يجب أن يتقن لغات أخرى كالعربية و الفرنسية والانجليزية، فعلاقات الهيمنة بين اللغات المستعملة في المغرب واكراهات سوق الشغل والتنافس في سوق الممتلكات الرمزية والعولمة كلها عوامل تجعل الناطق بالأمازيغية وحدها وبدرجة أقل بالعربية وحدها في وضع لا يحسد عليه. هذا النقص بدوره سيتم تحمله و السعي لتجاوزه بمجرد ظهور آفاق مهنية لحاملي الإجازة في اللغة الأمازيغية.

وختاما, إن الدولة المغربية بعد اعترافها بالأمازيغية لغة رسمية ملزمة بتكوين الأطر اللازمة لكي تلعب هذه اللغة دورها الجديد كلغة دولة. وبما أن التعليم و الإعلام قد نص عليهما الدستور كمجالات ذات الأولوية فان هذين الورشين الكبيرين يحتاجان للآلاف من الأطر لسد الخصاص المهول في هذين المجالين وفي نفس الوقت امتصاص جزء مهم من البطالة التي يعاني منها الآلاف من الشباب.

حين يفتح هذا الباب سيقبل الطلبة بكثافة على شعبة الدراسات الأمازيغية وستضطر كل الجامعات و المعاهد لفتح شعب لها وتوفير المناصب المالية لتشغيل الأساتذة المتخصصين في هذا المجال وبذلك تضمن الأمازيغية لصاحبها نوعا من “الرقي الاجتماعي” الذي سيجعل صورتها تتغير إيجابا في المجتمع.


 *استاذ الأنثروبولوجيا بشعبة الدراسات الامازيغية بكلية الآداب بأكادير  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد