أزول بريس – عبد الله بوشطارت //
جسدت بطولة القسم الثاني لكرة القدم لهذه السنة، نموذجا ساطعا للصراع الثقافي والسياسي والمالي الموجود في المغرب بين قطب أهل فاس وقطب أمازيغ سوس، هذا الصراع الشرس له جذور ممتدة في تاريخ المغرب، خاصة بعد قيام ما يسمى بدولة الأدارسة زورا بفعل أيديولوجية الفقهاء الذين حرفوا اسم الدولة من دولة أوربة بقيادة الأميرة كنزة، ولفقوا لها هوية شرقية مبنية على العرق العربي الصافي والمقدس حيث زعموا أنها دولة الأشراف.
وهذا التفوق المزعوم هو الذي جعل الامازيغ من شتى القبائل يؤسسون دولا وامارات تحت لواء مذهب الخوارج لمصارعة دولة الإدارسة، خاصة دولة البورغواطيون بتامسنا ( المحمدية الآن وفضالة سابقا إحدى عواصمها)، وانتهى بها المطاف بالاندحار التام أمام صعود دولة المرابطون من الصحراء وسوس..
قلنا إن صراع قطبي فاس وسوس بدأ بالسياسة والثقافة والتجارة والاقتصاد، اليوم وصل إلى الرياضة…
صعد إلى القسم الأول، فريقان هما شباب المحمدية والمغرب الفاسي. الأول يترأسه الملياردير السوسي هشام آيت منا إبن الحاج محمد آيت منا الذي كان رئيسا تاريخيا للشباب خلال فترة الصحوة أيام فرس وعسيلة.
الثاني يترأسه الملياردير الشاب اسماعيل الجامعي ابن أخ بوشتى الجامعي الرئيس السابق لنادي المغرب الفاسي.
هاذان الرئيسان تجمعهما قواسم مشتركة، هي :
_ أنهما شابان ينحدران من عائلات تجارية ومالية كبيرة
– أنهما ورثا التسيير الرياضي للنوادي التي يشرفون عليها من العائلة،
– يمثلان الجيل الجديد للمسيرين الرياضيين، هم أطر شابة ومالية بمعنى يشتغلون بمنظومة تسيير حديثة،
_ يعتمدان على الثروات الهذلة والهائلة التي اكتسبوها في العقار /الجامعي في فاس، وايت منا في المحمدية،
_ يعتمدان على قوة المال وتبييض الملايير في ميدان كرة القدم.
آيت منا يجسد الجيل الثالث لبرجوازية سوس الذين هاجروا إلى مدن الداخل أواخر الحماية الفرنسية، والذين سارعوا إلى تأسيس الأندية الرياضية خاصة بمدينة الدارالبيضاء، والجميع يعرف أن الرجاء البيضاوي والوداد البيضاوي من تأسيس التجار الامازيغ القادمون من سوس، ولعل أبرزهم الأب جيكو المزداد بناحية إيسافن بين تارودانت وطاطا.
في حين أن الحاج محمد آيت منا ترأس لسنوات طويلة فريق شباب المحمدية، وبالتالي فدخول تجار سوس إلى قطاع الرياضة في مدينة الدارالبيضاء واحوازها مبكرا ليس بريئا وإنما تمليه سياقات اجتماعية وسياسية اقتصادية وبالدرجة الأولى ثقافية، خاصة إذا استحضرنا الاهتمام البالغ الذي كان يوليه الجنرال احمد الدليمي لنادي اتحاد سيدي قاسم، ثم وزير الداخلية إدريس البصري وعلاقته بنهضة سطات، فهي إلى حد ما تمثل امتدادات العروبية في التنافس الرياضي في مقابل أندية الدارالبيضاء التي يسيرها تجار وكوادر سوس، وعلاقة اوزال بالرجاء اليوم لدليل على ذلك، ويبقى الجيش الملكي يمثل المخزن المركزي الكبير..
أما المغرب الفاسي فهو يبقى قلعة منيعة لعائلات فاس الكبرى، / الجامعي، بناني.. والغريب في الأمر هو تسمية النادي فهي توحي إلى النزعة الاستحواذية والسلطوية لأهل فاس وتمثلاتهم للمغرب والمغاربة والتي تنطلق من مقولة أحد منظري اللوبي الفاسي في السياسة الذي قال قولة مشهورة “المغرب لنا وليس لغيرنا” وهو يقصد تماما خيرات وثروات المغرب ومناصب الرفيعة فيه، فهم يرون في كل المغرب بصحاريه وجباله وسهوله وغاباته وانهاره يرون فيه فقط فاس، وهذا ما جعل المرابطون يبنون عاصمة خاصة لهم تمثل روح المغرب الصحراوي وهي مراكش. وفرق فاس وتطوان هي التي تحمل اسم المغرب لأن العائلات الموربسكية التي هربت من الأندلس هي المسيطرة على المدينتين وتحكمت فيهما نزوعات مشتركة للتحكم في المغرب…
قد لا يظهر للعلن هذا الصراع الخفي بين العائلات البورجوازية الكبرى المنحدرة من سوس والمستقرة في البيضاء والمحمدية بحكم تحولات سوسيوثقافية تعرض لها الجيل الحالي، ولكن توجد مؤشرات تبين ذلك، مثلا انضمام هشام آيت منا إلى حزب الاحرار لمساندة عزيز أخنوش في الانتخابات القادمة، عكس والده الحاج آيت منا الذي كان ينتمي الى حزب الاستقلال الذي عانى فيه تجار سوس الكبار من حيف سياسي ظالم من قبل لوبي فاس (انظر كتاب سيرة تاجر امازيغي لوثربوري)..
ولابد من الإشارة إلى قوة رجال الأعمال الكبار سياسيا في مدينة المحمدية وهي التي ترشح فيها رئيس الحكومة الحالي سعدالدين العثماني في التشريعيات الماضية وواجهه فيها الملياردير الكبير الامازيغي الطاهر بيمزاغ ممثلا لحزب الأصالة والمعاصرة…
قلنا اذا لم يظهر للبعض هذا الصراع الخفي بين آيت منا والجامعي، فإنه ظهر بجلاء واضح مع المنافس القوي الفريق السوسي الذي احتل المرتبة الثالثة باستحقاق وبروح رياضية وباقدام لاعبيه وتضحيات طاقمه التقني ومكتبه المسير وليس عن طريق دفتر الشيكات لرئيس النادي الذي لا يكاد يعرفه أحد بقدرما يعرف المغاربة المتابعين لكرة القدم اسمء لاعبيه وأسلوب لعبهم… هذا النادي هو أولمبيك الدشيرة.
فريق تعرض لكل أنواع التمييز لدى الصحافة الرياضية خاصة من لدن منشطي وبعض صحافي إذاعة خاصة بالرياضة، وقد اجمع الجميع أن فريق أولمبيك الدشيرة هو الذي يستحق الصعود إلى قسم الصفوة لأنه فريق يلعب كرة جميلة ومدهشة وممتعة ويظهر على أنه يلعب الكرة باحتراف وجدية، وبامكانيات بسيطة جدا، لا تتجاوز منحة المجلس البلدي ومنحة ضئيلة جدا من مجلس الجهة… وبعض الحاضنين يعدون على رأس الأصابع مقابل عقود زهيدة جدا..
سمعت الكثير من الكلام والأحكام غير المنصفة في حق أولمبيك الدشيرة فيها تمييز واحتقار من قبل صحافيين باذاعات ومنصات التواصل الفوري، أحدهم قال في برنامج اذاعي إن الدشيرة لا تتوفر على إمكانيات مالية كبيرة لمواصلة تحديات القسم الأول بالمقارنة مع شباب آيت منا وماص الجامعي، وأن الدشيرة حي صغير بجانب مدينة انزكان لن تحمل ضغوطات ومصاريف ومتطلبات القسم الأول…
هؤلاء المحللون والمنشطون يتزلفون لأموال الرؤساء ولا يتحدثون على وقائع الكرة.. هم يتحدثون من غرف ضيقة داخل عمارات الدارالبيضاء والرباط ولا يعرفون مدينة الدشيرة بحبوحة أكادير الكبير، التي تتوفر على أكبر حي صناعي بالمنطقة وهو حي تاسيلا التابع لجماعة الدشيرة، وتوجد به أكبر المعامل والشركات والمقاولات الكبرى..
ولا بأس لذكر ثلاث معامل لأكبر رجال المال والاعمال في سوس حاليا وهم، الملياردير المعروف بلحسن الذي يملك معامل إنتاج المشروبات الغازية ومعمل إنتاج الزبدة والزيوت، ثم الملياردير المعروف أيضا ابوالمجد الذي يملك مشاريع عقارية كبيرة في أكادير وفنادق ومعامل منها معمل الطاقة الشمسية في تاسيلا الدشيرة ومعامل أخرى لا داعي لذكرها، ثم ثالثا الملياردير وهبي (اخ امين عام حزب البام) مالك أكبر معمل لصناعة الأدوية في الجنوب وأضخم شركة موزعة للأدوية في المغرب، وهي معامل الأدوية والتوزيع توجد هي الأخرى في تاسيلا داخل النفوذ الترابي لجماعة الدشيرة.
اكتفي فقط بذكر هؤلاء الثلاثة كنماذج فقط، لأنهم يتربعون حاليا على عرش المال والاعمال في سوس، ويستثمرون في قطاعات حيوية ويملكون أخطبوط كبير من المعامل في شتى القطاعات، الصناعات الغذائية، وتصبير الاسماك والعقار والبناء والسياحة والطاقة الشمسية والأدوية…
هؤلاء، بلحسن/ ابوالمجد/ وهبي، وكلهم من سوس على التوالي/ آيت عبلا/ اشتوكن/ تاليوين، هؤلاء الثلاثة نرجو منهم أن يتفضلوا لاحتضان فريق أولمبيك الدشيرة ودعمه ماليا لكي يتبوأ القسم الأول في الموسم المقبل، لكي لا يكون فريقا فقيرا بامكانيات مادية محدودة، وتبرهنوا فعلا أن الدشيرة كبيرة وليست صغيرة، وأنها مدينة غنية وليست فقيرة، وانتم أدرى بهذا اكثر منا، وأنها مدينة منتجة للثروات والأموال والموارد، وهي المدينة الأكثر إنتاجا للفنون وأشكال الإبداع الفردي والجماعي بالمغرب، والمدينة التي يقطن بها اكبر عدد من الفنانين والمبدعين، إذن فهي مدينة حية، منعشة ومتحركة، وليست مدينة جامدة، أو ميتة.
لذلك فأنا أعذر الذين يتكلمون عن الرياضة بالمغرب ويفتحون افواهمم عن أولمبيك الدشيرة، لأنهم بكل خلاصة لا يعرفون مدينة الدشيرة وتاريخها ودورها في التاريخ المعاصر لسوس خاصة فيما يتعلق بالنهضة الثقافية والفنية والموسيقية خلال السنوات الاخيرة، واليوم الدشيرة تعيش نهضة رياضية. ولا شيئ يأتي من الفراغ.
في الختام، كرة القدم لعبة جميلة، لكنها أصبحت أيضا لعبة قذرة بسبب اكتساح المال والاقتصاد والاشهار والاستثمار للرياضة وأصبح المال يزحف على عشب الملاعب ويتحكم في اللعبة، لكن بالرغم من ذلك نحن سنبقى دوما نستمتع بمتعتها الجمالية، دون اغفال العناية بالثقافة والهوية والخصوصية والعمل على الاحتفاظ بهذه المكونات داخل اللعبة، لأنها أصبحت اليوم مثل الأمس، وجها للتعبير الثقافي والهوياتي.
ونجدد الشكر لكل مكونات الفريق على تضحياتهم، وايضا على المكتب المسير الذي عزز لوگو الفريق بحروف تيفناغ.
عبدالله بوشطارت
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.