أنا ومستشارة الملك وفاطمة النجار وبن حماد

مرية مكرم//maria

لأسباب كثيرة تذكرت اللقاء الذي جمعني بمستشارة الملك رحمها الله زليخة نصري، وأنا أتابع قضية ما بات يعرف بأزمة في بيت حركة الإصلاح والتوحيد، الذرع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بعد الإعلان عن الزواج العرفي لقيادييها فاطمة النجار وبن حماد…

عادت بي الذكريات لأدق التفاصيل..« سطوندار » الديوان الملكلي يتبعه صوت هادئ يبعث على الاطمئنان، تميزه حشرجة خاصة، تطلب مني صاحبته ذات صباح بأدب، تحديد موعد للقاء في مكتبها بالديوان الملكي.

لاشيء كان يدعو للقلق، لكن أرق السؤال وجد طريقه إليّ، قبل أن يتسلل الى مدير نشر أسبوعية « الأيام » يومها.كانت في انتظاري. تأخرتٌ بسبب إجراءات التحقق من الهوية في كوميسارية المشور السعيد.

اعتذرت وقالت بأدب، بالعكس انا من يعتذر، لأنهم تركوك تنتظرين، لكنها الإجراءات.

تركت مكتبها وهي تسلم عليّ ودعتني للجلوس الى طاولة الاجتماع.

احتضنت بين يديها ملفا، برزت فيه مقالات تؤطرها صور استقبال الملك محمد السادس لأعضاء اللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية وأخرى للملك رفقة عقيلته للا سلمى.

رسالة خديجة المغتصبة.. « العدالة » أحرقتني !

مرية مكريم

دعوني أضعكم في السياق.. اللقاء بين العبدة لله صحافية في أسبوعية غير حزبية ومستشارة الملك، تم عشية مخاض سياسي عسير، بعيد الخطة التي قسمت المغاربة إلى شطرين، وقبيل تقلب الملف في دهاليز الدولة بعد أن وصل إلى الباب المسدود في عهد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في حكومة التناوب، ليصل إلى التحكيم الملكي في ملف يتداخل فيه الديني مع السياسي والثقافي، ولأكون دقيقة، اللقاء تم في فترة تفجر فيها الخلاف داخل اللجنة ووصل فيها التحكيم الى الباب المسدود.

كنت السباقة إلى الوقوف على تركيبة اللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأسرة من خلال رسم صور قلمية لأعضائها، قلنا إن المراة ممثلة بأقل من الخمس، وأن بعضهن رفض أحد الفقهاء، السلام عليها في واحد من اجتماعات اللجنة، بدعوى أنها إمرأة وآخر اعتبر صوتها عورة.

فقهاء متشددون والكثير منهم عاجزون عن الإجتهاد، وأغلبهم تحدثوا عن الأخذ بالأغلبية الرقمية وإسقاط رأي الأقلية، بدعوى أنهم ليسوا من أهل الاختصاص، وأن رأيهم داخل اللجنة الملكية وجد للاستئناس ليس إلا.. وتابعت كيف أن مشروع المدونة كان عبارة عن مدونتين، إذا صح التعبير، تم اللجوء فيها إلى تدوين المقترح البديل بمختلف التبويببات التي تضمنها المشروع وتجاوزت صفحاته الثلاثمائة، ما دامت لغة الإقناع والاقتناع، لم تغلب كفة أي من الطرفين.

لازلت أتذكر كيف سطرت مستشارة الملك بخط أحمر على عبارات بعينها، من بينها تلك التي أشرت فيها إلى مقال تدافع فيه جريدة التجديد عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، العلوي المدغري، ضدا في الحركة النسائية والحقوقية، التي تتابع بقلق أشغال اللجنة، تحت عنوان صحافي، جعل وزير الأوقاف في كفة والإسلام في كفة أخرى. المقال تحدث يومها، عن استهداف الوزير من طرف جهة فقدت صوابها عندما انهزم فريقها في معركة الخطة في 12 مارس 2000، مؤكدة ان المستهدف ليس وزير الاوقاف باسمه وانما المستهدف الاسلام !

فاجأتني بكلمتها: » تبدين أصغر بكثير من ما توقعت.. بغيت نشوفك باش نشكرك على مقالاتك » وأشارت رأسا إلى عناوين وضعت تحت المجهر ضغوطات سياسية كانت تروم قمع أصوات اجتهدت داخل اللجنة الملكية في قراءة النص القرآني » قلت لها أنا لم أقم إلا بواجبي، فردت: » للأسف لا يقوم الكل بواجباته… إنها قضية لا تحتمل المزايدة السياسية والعودة بالمرأة المغربية إلى ما قبل مدونة الأحوال الشخصية.. »

المجالس أمانات، لهذا لا يمكن أن أكشف كل ما دار بيني وبين السيدة زليخة، لكن لا يفوتني أن أعترف كيف أبهرتني لغة وخطاب مستشارة الملك الراحلة، وأنا أتابع أشغال لجنة تشتغل على مدونة الأسرة. بدت وكأنها تتحدث بصوت القاضية زهور الحر أو نزهة جسوس مع كثير من الاختلاف في انتقاء الكلمات وواجب التحفظ الذي يفرض نفسه على مستشارة تتحدث في أذن الجالس على العر.ش.. وكأنها نسخة من الأستاذ أحمد الخمليشي، وهي تبتعد كل البعد عن لغة فقهاء رفض بعضهم أن يقبل تحية زميلته في اللجنة التي عينها الملك، بدعوى أنها إمرأة !»، لكن يومها شغلني السؤال وأنا أودعها على نفحات كأس شاي جلبه خادم، حرص على أن يغادر قاعة المكتب وهو يتقدم خطوات إلى الوراء، كيف تحمل مستشارة الملك بين جدران البلاط المخزني، لغة الاجتهاد وإعادة قراءة الاسلام دون تعصب أو تطرف، مع العلم أن ثمة من المحيط الملكي، من كان محافظا في ترجمة الإرادة الملكية، ومن بينهم وزير الأوقاف نفسه، العلوي المدغري حينئذ؟

فما الذي كان يمنع الاجتهاد دون خلفيات سياسية؟

هل هي البنية المخزنية؟ هل هي أم المشكلات كما يقول المفكر العروي، الذي يقول أنه إذا لم تحدث القطيعة اليوم، فلن نتقدم خطوات، لأن الوضع ما عاد يحتمل أنصاف الحلول !

المهم ظل الرد على السؤال معلقا ومعقدا بتعقيد البنية المخزنية، بعدها التقيت زليخة بعيد تعيين الملك لبوستة رئيسا للجنة خلفا للضحاك، وقد بدت سعيدة في مرحلة نضجت فيها شروط جعلت الملك يخرج إلى الوجود مدونة لا تشبه ما دفع به التيار المحافظ داخل اللجنة الاستشارية وخارجها من الأذرع الدعوية والسياسية، وهذا ما جرى مع تقييد التعدد بشروط وتحديد سن الزواج في 18 سنة والعديد من الإجتهادات التي اعتبرها البعض في عز الحملات الانتخابية، خروجا عن الاسلام والملة والدين، قبل أن يصفقوا لها حينما حملت عنوان التحكيم الملكي !

أمقت لغة التشفي ومقتنعة أن من كان بلا خطيئة، فليرمي الداعية فاطمة النجار والداعية بن حماد بحجر، وأرفض التدخل في الحيوات الخاصة للأفراد، ولا يمكن إلا أن نكون ضد أي خرق قانوني طال الداعيتين أثناء ملاحقتهما أو اعتقالهما، لكن لابد أن نذكر أن نائبي ئيس حركة التوحيد والإصلاح وهما يعلنان عن زواجهما العرفي والزواج بالفاتحة، يعودان بنا إلى الوراء، أي إلى ما قبل زمن مدونة الأسرة وما قبل دستور 2011.. اننا امام مؤشر مجتمعي خطير مختلف تماما عما نحاول بناءه جميعا.

ويبقى الحب أقوى الايديولوجيات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد