أسئلة حول مشروعي القانونين التنظيميين للأمازيغية ومجلس اللغات

رشيد الحاحي
رشيد الحاحي

رشيد الحاحي//

بعد ما يبدو أنه تجاهل واستخفاف بالعمل الترافعي والعلمي للحركة الأمازيغية وملاحظاتها واقتراحاتها باعتبارها قوة مدنية وحقوقية على مضمون القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وعلى مسارات إعدادهما وإخراجهما. وفي وقت ينصب فيه أغلب النقاش والنقد على مضمون القانونين، سنتوقف هنا للفت الانتباه لجوانب سياسية وديمقراطية نعتبرها غاية في الأهمية والدلالة، وطرح الأسئلة التي تثيرها هذه النازلة التشريعية والديمقراطية التي جعلت منها حكومة البيجيدي مسك ختام ولايتها التي ،لا شك، سيتذكرها المغاربة ضمن آفات تاريخهم المعاصر.

من أعد القانونين التنظيميين حقا وعن إرادة من يعبران؟

إلى جانب مناقشة المضمون النكوصي للقانونين التنظيميين اللذان أكد العديد من القانونيين والحقوقيين وإطارات المجتمع المدني أنهما تمييزيين ومتنافيين مغ مقتضيات الدستور، يجب التوقف وطرح سؤال من أعد القانونين حقا وعن إرادة من يعبران؟ فعلى خلاف الجواب التبسيطي الذي يحاول البعض، خاصة أعضاء ووزراء الحزب الذي يترأس الحكومة، الترويج له ومفاده أن الحكومة المنتخبة ورئيسها هي التي أعدت القانونين وفق مقتضيات الدستور وبتشاور وتشارك مع مختلف الأطراف المعنية، فكل الحيثيات التي أحاطت بإعداد القانونين، خاصة السرية التي ضربت حولهما وتأخيرهما المقصود إلى الأسابيع الأخيرة من عمر الحكومة تؤكد عكس ذلك.

وبالنظر للمسار الغير الطبيعي واللاديموقراطي الذي طبع مراحل طبخ القانونين التنظيميين والذي يعرفه جميع المتتبعين، وأخذا بعين الاعتبار تصريح وزراء في الائتلاف الحكومي، ومنهم أمين عام حزب الحركة الشعبية، بجهلهما التام بمسارات ومضمون القوانين ونفيهم فتح أي نقاش فعلي بخصوصهما، وتصريح أعضاء من لجنة قانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أن ما ورد في نص مسودة القانون المنشور يخالف ما تم التوافق عليه داخل اللجنة. وإذا ما أضفنا لذلك تصريحات عبد الإله بنكيران حول أن القانونين أكبر منه وأنهما بيد جهات عليا، وتطمينات سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية بأن إعداد القانونين التنظيميين سيكون بمقاربة تشاركية وسيفتح بصددهما نقاش موسع قصد التوافق حولهما… قبل أن يتضح لاحقا أنها ليس سوى مناورات تهدف كسب الوقت ومراوغة الفعاليات المدنية والحقوقية بعدما تمت المسارعة، وفي الوقت السياسي الميت، بتشكيل لجنة غامضة وبشكل سري لإعداد القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بتزامن مع الحديث عن إحداث عنوان الكتروني لتلقي اقتراحات الفعاليات المعنية (!) فكلها وقائع ومعطيات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك النية المبيتة التي أحاطت بالعملية في كليتها، وتحتم على الدولة تحمل مسؤولياتها والإعلان بوضوح عمن قام بصياغة هذين القانونين التنظيميين فعلا؟

لماذا تلجأ الدولة والحكومة إلى الكذب والتضليل في موضوع القانونين التنظيميين؟

من خلال المعطيات السابقة يتأكد أن الحكومة مارست الكذب والتضليل الممنهج على الرأي العام وعلى مختلف القوى السياسية والمدنية والحقوقية وعلى عموم المواطنين والمواطنات في شأن إعداد القانونين التنظيميين، كما يتأكد ذلك أيضا من خلال الادعاء بأن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية نتاج مقاربة تشاركية كما جاء في ديباجته وكما صرح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو ما لم يحدث قطعا كما يتضح ذلك مجملا مما سبق عرضه ومن تضارب الآراء والتصريحات والمماطلة على امتداد خمس سنوات فيما يعكس تهريبا دستوريا مفضوحا وتضليلا سياسيا وإعلاميا مكشوفا. ومن تم وجب محاسبة الدولة ممثلة في الحكومة على الكذب والتضليل المقصودين في حق الرأي العام الوطني والدولي.

من المستفيد من هذا الكذب والاستبداد اللذان يضربان مصداقية الدولة والمؤسسات؟

إن التعامل مع قضايا استراتيجية حساسة مثل قضايا اللغة والثقافة والهوية الوطنية وفي صلبها الأمازيغية بمزاجية وعبر التحايل والتضليل والتهريب الدستوري والتشريعي، ومحاولة فرض أمر واقع كما تم في نازلة القانونين التنظيمين، وفي مرحلة تأسيسية وانتقال ديمقراطي بعد دستور 2011، هو سلوك سياسي ومؤسساتي مخجل يضع مصداقية القانون والمؤسسات في المغرب على المحك ويؤشر على استحكام نزعة استبدادية متزايدة لا غبار عليها، وهو أمر خطير ينذر بتبعات وخيمة في المستقبل ويطرح سؤال مدى وعي وكفاءة ووطنية “النخب” السياسية وعن المستفيد الحقيقي من تأجيج الاحتقانات وتمييع صورة الدولة وضرب مصداقية مؤسساتها.

 

ونثير الانتباه مرة أخرى لعدم جدوى محاولات تجاهل الحركة الأمازيغية أو الالتفاف على مطالبها واعتماد أساليب التحايل بغرض إقصائها المتعمد من مسار البناء الديمقراطي والحقوقي في مجال نضالها وخبرتها وإنتاجها العلمي، ونذكر بأن المجتمع المدني الأمازيغي فاعل حقيقي في الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية الوطنية، ورقم صعب لا يمكن تجاهله أو تحييده بهذه الطرق الاستبدادية الفجة. فالفاعل المدني الأمازيغي ورغم طبيعته التخصصية، وبينما ينأى بنفسه عن العمل الانتخابي الصرف إلا أنه يفعل سياسيا وبامتياز عبر تأطير وتصريف توترات ثقافية واجتماعية صعبة بكيفية بناءة، وبناء خطاب حضاري وديمقراطي مسؤول وإبداع واقتراح حلول لإشكالات تجاهلها الجميع وفتح نقاش جريء انطلاقا من موقعه المدني النضالي والحقوقي الممتد في الزمن بعيدا عن حسابات الانتفاع والتسابق على المواقع والامتيازات، مما يجعله فاعلا وطنيا محوريا ومخاطبا شرعيا وديمقراطيا أكثر من أغلب البنيات الحزبية الانتهازية، خاصة في وضع يطبعه التخبط وفقدان المعالم وتأجيج الصراعات، وفي سياق محلي وإقليمي ودولي جد ضاغط ومتقلب ومفتوح على كل التطورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد